رجال ينتقمون من نساء... والآثار تدوم العمر كله

أربعاء, 20/12/2017 - 08:55

على رغم نبرة التعاطف الواضحة أمام فداحة المشهد وقساوة الموقف، إلا أن أصواتاً عدة رجّحت كفة «ما يمكن». الزوج الذي شوّه وجه زوجته، وابن العم الذي حرق وجه ابنة العم، والخطيب الذي ترك آثار تشويه عدة على وجه الخطيبة، وغيرهم كثر ممن أقدموا على انتهاج طريق «هجمات الأسيد» يجدون في المجتمع مجالاً للتعاطف ومساحة للتشكيك في الضحية.

ضحايا «هجمات الأسيد» (تشويه الجسد أو الوجه بمواد حارقة) كثر، أو بالأحرى كثيرات. لكن عدم وجود إحصاءات رسمية، أو حتى غير رسمية، يجعل علاج المسألة أمراً في غاية الصعوبة. إلا أن المجتمع المصري يعرف منذ سنوات طويلة أن تشويه وجه المرأة إحدى الوسائل الذكورية لتأديبها.

سناء خضعت للتأديب قبل أشهر. تقدّم ابن خالها لخطبتها. وافقت الأسرة، وفي اليوم المحدد للخطبة فوجئت برفض أسرته إتمام الزيجة. بعد ذلك تقدّم لها عريس، ووافقت عليه، لكن ابن خالها حاول مرات إثناءها عن عزمها من دون جدوى، فما كان منه إلا أن أخبرها بأنه سيرسل لها هدية زواجها ليلاً. وكانت الهدية أنه أتى إلى بيتها وقرع الجرس وحين فتحت ألقى مادة حارقة على وجهها وهرب.

سناء فقدت عينها اليمنى وعانت من حروق من الدرجة الثالثة في وجهها وذراعها ورقبتها، وعلى رغم ذلك حاول أهالي بلدتها إقناعها بالتنازل عن المحضر، لكنها رفضت. تقول: «حكمت المحكمة عليه بالسجن لعشر سنوات أمضى منها سبعاً. وحين يخرج سيعود إلى ممارسة حياته العادية. أما أنا، فقد تغيّرت حياتي إلى الأبد».

حياة منى أيضاً تغيّرت إلى الأبد؟ فقد تزوّجت ابن عمها بحكم العادات والتقاليد. وبعد الزواج أجبرها على ارتداء النقاب، لكنها رفضت. وحين أصرّ، تركت بيت الزوجية وذهبت إلى بيت والدها. وبعد أيام، توجّه إليها ليصالحها، لكنه أصر على ارتدائها النقاب، وهو ما رفضته مجدداً، فأخرج من جيبه زجاجة مادة حارقة وشوّه وجهها.

التأديب بالمواد الحارقة قصة مستمرة. فمن عامل يشوّه وجه مطلّقته لخلاف على حضانة ابنتهما، إلى شاب يشوّه وجه صديقته حين علم بخطبتها، إلى آخر يشوّه وجه طليقته التي ترفض العودة إليه، واللائحة طويلة.

ووفق «مركز تدوين لدراسات النوع الاجتماعي» في القاهرة، لا توجد نصوص قانونية صريحة ومباشرة في شأن التشويه بالمواد الحارقة، بل يدرج مثل هذه الجرائم ضمن جريمة الضرب التي تنظمها المواد 240 و241 و242 من قانون العقوبات المصري.

سنوات قليلة يمضيها المعتدي في السجن، ثم يعود إلى المجتمع ليمارس حياته من دون التوقّف كثيراً للنظر إلى حياة الضحية التي تتغير تماماً. ليس هذا فقط، بل إن حالات كثيرة، لا سيما حين يكون المذنب قريباً لها، يتم الضغط عليها وعلى أسرتها للتنازل عن الإجراءات الرسمية، حفاظاً على مستقبل الجاني. وفي المناطق الشعبية والريفية، تدور همهمات مشككة في سلوك الضحية وسمعتها، لا الجاني، لا سيما إن كان الأمر يتعلّق برفض مطلّقة العودة إلى طليقها، أو خطبة فتاة لشخص آخر.

ووفق المركز، وكما يتضح من صفحات الحوادث وحصيلة الجرائم والقضايا المنظورة في مصر، فإن أكثر فئات المجتمع تعرّضاً لهذا النوع من العنف هي النساء. وغالبية الجناة يكونون ذكوراً معروفين منهن وفي محيطهن الاجتماعي. وتتسبب هذه الهجمات في إصابة السيدات والفتيات بآلام وحروق شديدة، ومنهن مَن يفقدن حياتهن. كما أنها تؤدي إلى تشوّهات جسدية وأضرار نفسية طويلة المدى مثل الاكتئاب والتفكير في الانتحار. كما تؤدي إصابات إلى إعاقات جسدية مثل فقدان البصر والسمع. وتعاني الناجيات من هجمات الأسيد من مشكلات اجتماعية واقتصادية بالغة الصعوبة، إذ يعشن موصومات اجتماعياً، وتُقيد حركتهن في المجال العام، وتقل قدرتهن على الالتحاق بسوق العمل وتوفير دخل مناسب يكفل لهن حياة كريمة.

ولمناسبة الحملة الأممية لمناهضة العنف ضد النساء التي انطلقت في 25 تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي وتستمر حتى الأحد المقبل، أطلق مركز «تدوين لدراسات النوع الاجتماعي» حملات توعية ومبادرات هدفها لفت انتباه صناع السياسات والمشرّعين إلى ضرورة مناهضة هذا النمط من العنف الواقع على النساء والفتيات، كذلك حشد الرأي العام والإعلام لتبنّي تشريعات وقوانين جــديدة تضمن حمايتهن من تلك الهجمات، وتشديد العقوبات على مرتكبيها، وتجعلها جريمة لا تسقط بمرور الزمن. كما يعمل المركز على استحداث سبل جديدة وفعالة من شأنها دعم الناجيات من هذه الهجمات، إضافة إلى تسليط الضوء على معاناتهن وسبل تعايشهن اليومي.

هبة تعايشت بعد سبعة أعوام من قيام خطيبها بحرق وجهها بمادة كيماوية تعايشاً لا يخرج عن إطار تقبّل الأمر الواقع، حتى وإن كان الشارع حولها لا يتقبّل شكلها. كانت تعمل مصففة للشعر، لكنها فقدت بصرها ولم تفقد ذاكرتها المحفورة فيها صورة خطيبها وهو ينتقم منها لقرار فسخ الخطوبة.

وكذلك الحال بالنـــسبة إلى رجاء التي تعايشت مع حالها الجديدة ولكن بنصف وجه. فمن فتاة جميلة تمشي بثقة وتتعامل مع من حولها من دون أن تحمل هم نظرات الفزع أو علامات الخوف، إلى فتاة ذات وجه نصفه مشوه بفعل هجوم بمادة حارقة أيضاً شنّه الخطيب المرفوض، وهم يومي اسمه النزول إلى الشارع ومواجهة نظرات تتأرجح بين الشفقة والفزع وكلاهما يجرح.

تشويه وجوه النساء والفتيات حلّ رخيص وسهل في أيدي رجال يعميهم الانتقام والغل، وعذاب تحمله الناجيات منه مدى الحياة. ويظن بعضهم أن الحكاية تنتهي ببضع سنوات يمضيها الحارق في السجن، ثم يخرج لمتابعة حياته العادية، وسنوات طويلة تمضيها المحروقة في السجن أيضاً لكن من دون إمكان الخروج. لكن مركز «تدوين» يشير إلى أن «الحكاية مانتهتش» بهجوم انتقامي يدوم العمر كله.

 

alhayat.com

جديد الأخبار