«خفافيش الظلام» فى موريتانيا (ملف)

خميس, 21/12/2017 - 22:35

الجماعة الإرهابية تحاول استغلال بُعد نواكشوط عن الإعلام الغربى للتمدد فى الغرب الأفريقى «تواصل» الموريتانى يدعو إخوان الشتات من أنحاء العالم لمناقشة أزمات انهيار الجماعة
حماس وإخوان تونس والمغرب أبرز الحاضرين وحظرها فى مصر والخليج أبرز ملفات المؤتمر التنظيم يناقش القرار الأمريكى بشأن القدس لمحاولة استعادة المشهد المفقود دوليًا
لا تتوقف محاولات الإخوان فى شرق الأرض وغربها للخروج من النفق المظلم الذى وضعت الجماعة فيه نفسها بعد أعمال العنف التى ارتكبتها فى مصر فى أعقاب ثورة ٣٠ يونيه التى أطاحت بهم من الحكم بسبب فشلهم الذريع ومحاولاتهم تخريب مصر، وبعيدا عن التحركات الغربية بدأ ت الجماعة اتخاذ طرق جديدة للتمدد داخل أفريقيا عن طريق إقامة مؤتمراتها فى بعض الدول البعيدة عن المشهد وهى عادة الإخوان للتحرك فى الظل دائما، وتنطلق هذه المرة تحركات الجماعة من دولة موريتانيا والتى تعقد فيها الجماعة مؤتمرها.
ويستمد المؤتمر الثالث لحزب التجمع الوطنى للإصلاح والتنمية الإخوانى الموريتانى المعروف بـ(تواصل)، والمقرر عقده الجمعة الموافق ٢٢ ديسمبر بالعاصمة الموريتانية نواكشوط، أهميته من الشخصيات التى ستشارك فيه، فالمؤتمر الذى تجتهد الجماعة فى تقديمه كما لو أنه مؤتمر حزبى مُصغّر، يعتبر الأول الذى يشهد تجمعا علنيا لقادة الإخوان منذ الإطاحة بحكم الجماعة من مصر (الجماعة الأم) فى يونيو وإدراجها على قوائم الإرهاب٢٠١٣. 
وأعلن الحزب الإخوانى الموريتانى عبر حسابه على «فيسبوك» عن الشخصيات التى تأكد مشاركتها، وجاء أبرزها فى: مسئول العلاقات الخارجية فى حركة المقاومة الإسلامية «حماس»، أسامة حمدان، بالإضافة لكل من نائب رئيس حزب حركة النهضة التونسية «امتداد الإخوان فى تونس» الشيخ عبدالفتاح مورو، والأمين العام لاتحاد علماء أفريقيا، الشيخ سعيد سيلا، ونائب رئيس حزب العدالة والتنمية التركى «الامتداد الإخوانى فى تركيا» السيد ياسين اكتاي، وممثل عن الحركة الدستورية بالكويت المعروفة بـ«حدس» (ممثلة الإخوان فى الكويت) السيد ناصر الصانع.
كما يشارك ممثلًا عن حزب العدالة والتنمية المغربى الإخواني، رئيس الحكومة السابق، عبدالإله بن كيران، ورئيس التجمع الاسلامى فى السنغال (فرع الإخوان فى السنغال)، مختار كبي، وحركة عباد الرحمن السنغالية (متأثرة بالإخوان) وممثلها تالا امبينغ، ومن المجلس الإسلامى الأعلى فى مالى محمود جيكو، ومن العدالة والبناء الإخوانى فى ليبيا، محمد الصوان، بالإضافة لرئيس حركة البناء الوطنى الإخوانية بالجزائر أحمد الدانم.
[وزير الخارجية البريطانى]
وزير الخارجية البريطانى Boris Johnson
سر التوجه الإخوانى لأفريقيا
ومن اللافت أن المؤتمر الذى يعقده الحزب الإخوانى الموريتانى الجمعة القادمة، يأتى بالتزامن مع احتمالات رفع بريطانيا يدها عن جماعة الإخوان رغم العلاقات التاريخية الجامعة بينهم، إذ صرح وزير الخارجية البريطانى Boris Johnson بأنه «من الخطأ أن يستغل الإسلاميون الحريات فى المملكة المتحدة- حريات الكلام وتكوين الجمعيات- التى يتم حرمان الآخرين منها فى الخارج»، متابعًا: «من الواضح تماما أن بعض التابعين لجماعة الإخوان الإرهابية يتغاضون عن الإرهاب».
وتطرق إلى إجراءات دقيقة تتخذها بريطانيا فى الفترة الراهنة تجاه طلبات حصول الإخوان على تأشيرة الدخول إلى بريطانيا، وأعمالهم الخيرية وعلاقاتهم الخارجية، وهو ما اعتبره مراقبون اتجاه بريطانى للابتعاد عن الجماعة والتخلى نسبيًا عن علاقاتهم القوية، ويدعم هذه القراءة تصريحات مدير مركز ابن خلدون الحقوقي، سعد الدين إبراهيم المقرب من الإخوان والعضو السابق فى الجماعة، إذ قال فى مداخلة تليفزيونية قبل أسبوع مع أحد برامج «Talk Shoe» إن هناك معلومات تفيد بأن بريطانيا جمعت أسماء عدد كبير من قيادات الإخوان لبحث وضعهم على قوائم الإرهاب، لافتا إلى أن الكونجرس والخارجية الأمريكية والبيت الأبيض يبحثون إدراج جماعة الإخوان ضمن قوائم الإرهاب. وتخيل إن جماعة الإخوان ستفقد داعميها فى بريطانيا وأمريكا يجعلنا نفسر لماذا تتجه الجماعة حاليًا إلى أفريقيا لتعقد لقاء مجمعا لهم يبحثون فيه أزمات الجماعة.
ويمكن تفسير عدم عقد الجماعة لمؤتمرها فى تركيا لرغبتها فى الابتعاد عن الأنظار الدولية، وهو ما توفره موريتانيا الدولة الرخوة الواقعة أقصى غرب القارة الأفريقية والساقطة من حسابات الإعلام الدولي، فيما فقدت الجماعة فى الفترة الأخيرة نفوذها فى منطقة الخليج بعد الإجراءات السعودية والإماراتية لتحجيم الجماعة فى دول المنطقة. 
واتخذت السعودية قرارات محاصرة لجماعة الإخوان فكريًا وتنظيميًا، إذ قررت فى ٢٠١٥ سحب عشرات الكتب التى تنشر الفكر الإخوانى من مدارس وجامعات السعودية، وبينها كتب لأسماء بارزة مثل مؤسس الجماعة حسن البنا، وقطبها المتشدد سيد قطب، وما يعرف بـ«المقتى الإخواني» يوسف القرضاوي، المقرب من النظام القطرى وحاصل على الجنسية القطرية.
[«خفافيش الظلام» فى]
كما أدرجت المملكة السعودية الجماعة كيانًا إرهابيًا مع تنظيم الدولة الإسلامية «داعش»، وجبهة النصرة، فرع تنظيم القاعدة فى سوريا ويعرف حاليًا بـ«هيئة فتح الشام». ويعتبر ذلك فقدان الجماعة لنفوذها فى المشرق العربي، ما يفسر اجتماعها غربًا للحفاظ على تواجدها الأفريقى الذى يتأثر كثيرًا بأوضاع الجماعة الأم فى مصر. ويدعم ذلك النزوح الأخير للإخوان نحو موريتانيا ودول غرب أفريقيا، إذ شهدت الفترات السابقة تمركز عدد كبير من قيادات الإخوان بمختلف فروعها فى موريتانيا ودول غرب أفريقيا، ولم يكتفوا بذلك حيث حرصوا على إقامة المشروعات والجمعيات الخيرية فى غرب أفريقيا.
فى المقابل يشهد غرب القارة الأفريقية نشاطا للمملكة العربية السعودية لمواجهة التطرف، ما يعنى أن مهمة الإخوان هناك وتحديدًا فى موريتانيا ليست بسيطة، إذ توجهت المملكة بشكل قوى خلال الفترات السابقة إلى موريتانيا ودول غرب أفريقيا، وأقامت الكثير من المشروعات التنموية، كان أبرزها اتفاق التعاون العسكرى الثنائى بين الدولتين الذى وقع يناير من العام الجاري، ولحق باتفاق على استقدام العمالة الموريتانية إلى السعودية. 
وخلال الشهور الماضية توسعت السعودية فى جهودها للتخلص من جماعة «بوكو حرام» ( وهى جماعة إرهابية)، بالإضافة إلى أن بدأت تُحارب التشيع فى بلاد أفريقيا، لذلك الإخوان لن تهنئ بالاستحواذ الأفريقى كثيرًا.
[الرئيس الأمريكى دونالد]
الرئيس الأمريكى دونالد ترامب
يناقشون أزماتهم تحت غطاء القدس
ومن المؤكد ان الجماعة لن تفوت قرار الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، بشأن نقل سفارة الولايات المتحدة الأمريكية لدى إسرائيل إلى القدس بدلًا من تل أبيب، وهو ما يعنى اعترافا ضمنيا بالقدس عاصمة لإسرائيل، وتتعامل جماعة الإخوان مع القضية الفلسطينية من منطلق استغلالى ما يعنى أن القضية ستكون على أولوية المؤتمر. ويدعم ذلك حديث المرشد العام للجماعة محمد بديع، عندما خاطب السبت «١٦ ديسمبر»، رئيس محكمة جنايات القاهرة خلال جلسة قضية فض اعتصام رابعة العدوية (حشد إخوانى تجمع اعتراضًا على الإطاحة بالرئيس المعزول محمد مرسى فى ٢٠١٣)، وقال: «أخرجونا نحرر فلسطين».
ومن المرجح إنه سيتم على هامش مؤتمر الحزب الموريتانى الإخواني، التركيز على اتخاذ توصيات تحث على التهدئة وتجنب الصدام المتواجد مع المحيط الإقليمى والدولي، خاصة مع السعودية ودول الخليج بالأخص الكويت.
وتناولت صحف موريتانية ما سيتم تناوله فى المؤتمر، مصدرة احتمالية أن يخرج بتوصية لكافة الأحزاب الإخوانية فى المنطقة بالمشاركة فى العملية السياسية والانتخابات التى ستتم فى المنطقة العربية خلال الفترة القادمة، وذلك من أجل التقرب من المواطنين وتحسين صورة الإخوان الدولية، ومن أبرز الانتخابات التى دعى الحزب لمشاركة الإخوان فيها هى الانتخابات الرئاسية فى مصر والتى من المقرر إجراؤها فى ٢٠١٨. كما أشارت إلى أن خيار المهادنة مع الأنظمة السياسية العربية وتصفية الخلافات التى نشبت بين أفرع الجماعة والأنظمة خلال فترة ما بعد الربيع العربى سيكون مطروحا بقوة، وذلك بعدما ثبت فشل خيار العزلة والمقاطعة للعملية السياسية الذى تبنته الجماعة فى مصر على مدى الأربع سنوات اللاحقة لعزل الرئيس المصرى الإخوانى محمد مرسى (يونيو ٢٠١٣).
وان تونس والمغرب... مشاركة رغم الانفصال
اللافت فى المؤتمر هو مشاركة حركة المقاومة الإسلامية «حماس» المقامة فى قطاع غزة، بالرغم من أن الحركة أعلنت فى مايو العام الجاري، عن وثيقة تأسيسية جديدة حذفت فيها المادة التى تنص على تبعيتها لجماعة الإخوان، وهو ما اعتبر وقتها بمثابة «فصل عن التنظيم الدولى للجماعة»، إلا أن المراقبين شككوا فى هذا الفصل واعتبروه برجماتية للنأى بالحركة من تبعات الأزمات الطاحنة التى تطيح بالجماعة. ويعتبر مشاركة الحركة فى هذا المؤتمر تأكيدا على إبقائها على ولائها للإخوان، ما يعنى أن الفصل عن الجماعة لم يكن حقيقيا.
نفس الأمر بالنسبة لحركة النهضة التونسية، التى تشارك بممثل لها فى المؤتمر ونفت مرارًا علاقتها بالإخوان. وفى أغسطس ٢٠١٧ جدد زعيم «النهضة» راشد الغنوشي، فى حوار مع قناة تونسية، تأكيد أن حركته ليست جزءا من الإسلام السياسى، قائلا: «النهضة حركة متماسكة، ولكنها فى المقابل ليست حزبا حديديا، بل حركة ديمقراطية، نحن لسنا من الإسلام السياسى ولسنا من المتطرفين، نحن مسلمون ديمقراطيون وجزء من المجتمع التونسى».
فى نفس الاتجاه كانت تصريحات عبدالإله بن كيران، الذى يمثل إخوان المغرب فى المؤتمر، إذ نفى «بن كيران» نفسه، فى وقت سابق من يونيو ٢٠١٦، انتماء حزبه للإخوان فى مصر، قائلًا عبر كلمته بالجلسة الافتتاحية للملتقى الثانى عشر لشبيبة الحزب فى مدينة أكادير المغربية، جنوبى غرب المملكة، «لا نتبرأ من الإخوان المسلمين لكننا لسنا منهم». 
ويدعم ذلك الرأى القائل بأن الفصل الذى أعلنت عنه أجنحة الجماعة خلال السنوات الأخيرة كان بغرض حماية أنفسها من الأزمات التى طحنت الجماعة وتحت تأثير التقية السياسية وليس من منطلق فكرى إقناعي.

 كتبت - آية عز
 

albawabhnews.com

جديد الأخبار