سنةٌ هجريّةٌ تتبعُ سنة ميلاديّة ولكن ...

ثلاثاء, 10/08/2021 - 11:06

أمد/ أرخى الليل سدولة على مدينتي رام والبيرة التوأم. اليوم كان يوم عطلة رسمية في فلسطين، وربما في العديد من الدول العربية والإسلامية.

المناسبة هي حلول الفاتح من محرم عام 1443، رأس السنة الهجريّة الجديدة. مُحرّمٌ شهر الله.

انقضت سنة هجريّة وهلّت علينا سنة هجريّة جديدة. ولكننا، للحقيقة المُرّة، لا نشعر بالسنة الهجريّة إلا عندما تتغيّر السنة بسنة أخرى تتبعها، ويُعلن عن اليوم المشهود عطلة رسميّة بمناسبة السنة الهجريّة الجديدة.

ربما لست في وارد المجادلة والمناقشة أو التلميح إلى استبدال تقويمنا الغربي الذي يتبع ميلاد سيدنا المسيح عيسى ابن مريم قبل 2021 عاما، لأنّه، لحسن حظّنا، فان عيسى ابن مريم ابننا وقد ولد في ربوع بلادنا المقدّسة في مدينة بيت لحم وتحديدا في المغارة التي بُنيت عليها كنيسة المهد، وترعرع في مدينة الناصرة، أين تقع كنيسة البشارة..

ولكنّني أتساءل لماذا لدينا تقويما شرقيّا يتبع هجرة النبي (ص) من مكّة إلى المدينة، والذي "احتفلنا" بدخول سنته الهجريّة الجديدة اليوم، ونحن نقوّم حصريّا بالتقويم الميلادي، إلا ما ندر من الدول الإسلامية.

لقد اخترعنا الأرقام العربية و"أهديناها" للغرب ليحسب بها حساباته ورياضيّاته، "واستعرنا" نحن الأرقام الهندية من بلاد السند والهند ومن الهنود كي نستعملها في حياتنا وفي أعمالنا.

أرقامٌ عربيةٌ يستعملها الغرب وأرقام هندية يستعملها العرب، أليس في ذلك مفارقة عجيبة؟؟!!

لقد اخترع العرب البوصلة (الإسطرلاب)، لكنّهم لم يبنوا سفنا ولا طائرات تسير بهدي اختراعهم الإسطرلاب، فآخر معركة خاضها العرب بالسفن كانت معركة ذات الصواري، وابّان فتح الأندلس على يدي القائد الإسلامي الفذ الشاب طارق بن زياد، الذي ما زال المضيق بين الطرف المغربي (الإسباني) وبين الطرف الإسباني (البريطاني) من المضيق غرب المتوسط يحمل إسمه.

لكن طارق بن زياد وبتكتيك حربي مبتكر أمر جنوده بحرق السفن، وانتصر في معركته، وأقام العرب المسلمون دولة منيرة مشعّة في الأندلس على مدى ثمان قرون.

ماذا ستحمل لنا السنة الهجريّة الجديدة من بشائر أو أخبار أو مفاجآت الله سبحانه وتعالى وحده يعلم العليم القدير، لكن أحوال العرب والمسلمين اذا ما كانت السنة هجريّة أو ميلاديّة لا تُبشّر بكثير من الخير، لا تُبشّر بكثير من السمن والعسل!!!

الصحراء الغربية، الساقية الحمراء ووادي الذهب (مستعمرة اسبانية سابقا) ما زالت شوكة في خاصرة العلاقات بين المغرب والجزائر، يُحرّكها تارة جيمس بيكر تحت بند مبعوث الأمم المتحدة، وتارة أخرى يوتّرها دونالد ترامب تحت بند "اهدائها" للمغرب مقابل اعتراف المغرب باسرائيل وتطبيع علاقاته معها واستقبال طائرات "إل عال" مباشرة من مطار اللد إلى مطارت المغرب.

موريتانيا بلد المليون شاعر ما زالوا يتمسّكون فيها بعادة ارسال فتياتهم من المدن إلى "مضارب البدو" في الصحراء لتدليك مؤخّراتهن وتكبيرها لأن الجمال بالنسبة لهم في المرأة هو كبر وعرض أردافها ومؤخّرتها!!!  

ليبيا وبعد حكم القذّافي لها لمدة 42 عاما وقيام "الثورة الثانية" ومقتل القذّافي على طريقة إعدام فلاد تسيبيش (دراكولا) ملك ترانسيلفانيا لخصومه وللمجرمين والخارجين عن القانون، أي على الخازوق، فما زال "الخازوق" مدقوقا في "ربوع" البلاد الشاسعة الواسعة، وما زالت أرضا خصبة للتناحر والإقتتال، تحكمها وتسود فيها حكومتين وثلاث حكومات وحفتر، وهناك بوادر لإنبعاث إرث القذافي من تحت الرماد عبر ابنه البكر سيف الإسلام القذافي.

مصر أرض الكنانة، أم الدنيا، بلد الأهرامات وأبو الهول وحضارة سبعة آلاف عام، أصبحت مهدّدة بالعطش والتصحّر، فبلاد منبع النيل اثيوبيا ملأت الخزّان الثاني من سدّ النهضة، سدّ نهضتها، الذي يُهدّد بلدي المجرى والمصبّ، السودان ومصر، بلد السدّ العالي، سدّ جمال عبد الناصر.

اليمن السعيد لم يعد سعيدا بل يرفل بالتعاسة من آثار وقع حرب "الأشقاء" عليه، "عاصفة الحزم" التي هدّمت كل عمارة منتصبة في بلاد سدّ مأرب، وقتلت الأطفال وهم نيام جوعى في مخادعهم المتواضعة.

العراق بلد مجد سومر ونبوخذ نصر يُداوي جراحاته المُتتالية المتوالية من آثار غزو "اليانكي" الأمريكي له وتدميره للدولة العراقية وسرقة كنوز آثارها وحضارتها التي لا تُقدّر بثمن. واغتيال علمائه ومُفكّريه، و"تفسيخ" البلاد والعباد وادخال داعش إلي مساماته.

سوريا توأم العراق في "تجربة البعث العربي"، بعث ميشيل عفلق، تنفض جناحيها من تحت رماد الحرب الكونيّة عليها وإدخال آلاف المُلتحين إلى مسامات جسد "الشام، بلاد الشام، بتمويل عربي خالص، وبحقد أمريكي دامس.

لبنان شمالنا ونحن جنوبه، بلد الأرز ومجد الفنيقيين روّاد البحار الأوائل، تغرقه أباليس الأرض من وراء الحدود، أمريكا وإسرائيل، ويُغرقه شياطين السياسة والإقطاع والمال والطوائف من داخل الحدود. يُريدون ويطلبون رأس الشرفاء منهم، حماة لبنان، ليعيدوا لبنان سنوات إلى الوراء، إلى سنوات السبعينيات والثمانينيات حين كان الجيش الإسرائيلي المُعتدي يسرح ويمرح ويُعربد في ربوع جنوب لبنان ووسط لبنان وبيروت لبنان.

بيروت خيمتنا الأخيرة ...

اليوم، "ميلاديّا"، يصادف الذكرى الثالثة عشرة لرحيل شاعرنا الكبير المبدع شاعر المقاومة محمود درويش.

بالمناسبة أصدر الاتحاد العام للكتاب والأدباء الفلسطينيين بيانا تحت عنوان: محمود درويش البقاء السرمدي لعشق الوطن والكلمة المُبدعة.

"محمود درويش بعد كل سنوات غيابه جسدا باقٍ بقوّةِ المُبدع الخالد، يدرس اطفالنا استحقاقات الأرض والحياة، يعلم نساءنا صير أيوب في قصائد الصدمات المتوالية، يوزع قطع السكر على الشابات وهن يعقدن جدائلهن أمام الصباحات المعطرة، ويرسم سومطرة القمر على ثوب جليلية تحمل جرار الحناء في عرس القرية العائدة إلى نفسها".

تمرّ سنة هجرية وتأتي سنة هجرية، وتمرّ سنة ميلادية وتأتي سنة ميلادية، وحال العرب والمسلمين غير ذي حال، من وحلٍ إلى وبال!!!

منجد صالح

جديد الأخبار