في عام 1984، وبينما تبحث المطربة المغربية الشابة سميرة مليان، عن الغناء والشهرة في مصر صانعة النجوم، رتب لها القدر موعدًا مع الموسيقار والملحن الأهم في الوطن العربي آنذاك، المبدع بليغ حمدي، تمنّت الشابة أن يكتشفها وتصبح حديث الناس مثلما فعل مع ميادة الحناوي وعفاف راضي وسميرة سعيد، لكن حدث ما لم يكن في الحسبان!
في 17 ديسمبر 1984، كان يجتمع في بيت بليغ حمدي بالزمالك، كالمعتاد، الكثير من الأصدقاء والنجوم، وكان من بينهم الباحثة عن الشهرة والتي حضرت بصحبة أثرياء مغاربة وعدها أحدهم بإنتاج ألبوم غنائي لها، الموسيقار الكبير أخبر ضيوفه برغبته في النوم، نام لساعة واحدة فقط، لم يستيقظ هذه المرة بسبب صوت الموسيقى وترديد الأغنيات، ولكن بسبب صوت صراخ، وعُثر على جثة سميرة مليان عارية بعدما سقطت من شُرفة مطبخ منزل بليغ حمدي.
سرعان ما رحل بليغ حمدي عن مصر متجهًا إلى باريس بعدما حاول إثبات براءته التي لم تتحقق، وجد الفرار حلًا له هروبًا من الاتهام بقتل الفنانة المغربية، وظل في المنفى الاختياري بين المرض وقسوة ومرارة أيام الغُربة، حتى تمت تبرئته في عام 1990.
ومنذ وقوع الحادث حتى يومنا هذا كثرت الروايات التي ساقتها الصحافة حول الواقعة من بين انتحار الشابة، أو قتلها بفعل فاعل، ولم يقتصر الأمر على روايات الصحافة، بل خرج للنور في أقل من عام فيلم يتحدث عن الواقعة بعنوان "موت سميرة" (1985) من إخراج وتأليف محمد البشير وبطولة كمال الشناوي ورغدة ويوسف شعبان.
الإذاعي القدير كامل البيطار كان من بين ضيوف بليغ حمدي في تلك الليلة، وروى تفاصيلها في حوار مع "صاحبة السعادة" (نوفمبر 2014)، وقال: "أنا كنت معاه، بس للأسف غلطت غلطة كبيرة بإني خدت بعضي ومشيت الساعة 3 لما لقيته دخل نام، لكن هي دي تصاريف القدر".
أضاف: "بهجت قمر ليلتها كان معانا وقالي أنا ميت من الجوع، وأكلنا وضحكنا وهرجنا مع المغاربة الموجودين، ومشيت لما دخل نام وكان بيعمل كده باستمرار؛ لأنه بيتعامل إن ضيوفه أهل بيت، وفجأة تاني يوم صحيت على الخبر، وهو ليس له أي علاقة بالواقعة تماما".
تابع: "لما بليغ رجع بعد 5 سنين عشان يحضر النقض ويقف قدام المحكمة كان في انتظاره كبار نجوم مصر زي عادل إمام وصلاح السعدني وغيرهما، وخرج من القضية منصورًا وتمت تبرئته".
المخرج جميل المغازي صديق بليغ حمدي المقرب، قال في لقاء ببرنامج "العاشرة مساء" عبر قناة "دريم" (أكتوبر 2015): "حياة بليغ حمدي كانت مليانة ألم ومأسوية، كان نفسه يبقى عنده طفل وده محصلش وسبب له ألم كبير وأثر على نفسيته، أنا فاكر إن وردة طلبت منه الطلاق وإحنا في أبوظبي، نفذ طلبها وبعدين قعد على البحر وألّف (الحب اللي كان) وأبكانا لما سمعناها وبعدين غنّتها ميادة الحناوي، هو اتألم كتير جدا ومن الألم ده خرج الإبداع".
أضاف المغازي: "بليغ حمدي ظُلم من نظام مبارك، المأساة التي تعرّض لها مرسومة، مسلسل الرمي من الشباك مرسوم لتوريطه بسبب شقيقه الدكتور مرسي سعدالدين، مرسي اترشح للوزارة ولما ملقوش له أخطاء ضربوه ببليغ عشان يبعدوه عن الوزارة، خاصةً إنه بسبب طريقة عيشة بليغ أي حد يقدر يدبر له مؤامرة في أي وقت، هو كان راجل مضيّاف ودايما فاتح بيته لكل الناس، مسلسل رمي الشباك ده حلو جدًا يعني".
وفي حوار له عام 2011 مع الإعلامي خيري رمضان عبر شاشة CBC، قال الدكتور مرسي سعدالدين شقيق بليغ حمدي عن سنوات غربته: "5 سنوات هي الأسوأ في حياته، نفى نفسه وقعد في الغربة 5 سنوات، ودي السنين اللي جابتله المرض، وأغانيه عن الغربة من أجمل أغانيه طوال مسيرته".
شقيق بليغ حمدي أضاف: "بليغ اتكسر في فرنسا، وعمل أغاني حزينة كتير هناك زي (بودعك) اللي قالها لوردة في التليفون، الظُلم وحش، ظُلم بدون داعي ووجهت له اتهامات ملهاش أي أساس من الصحة، الاتهامات دي جابتله المرض".
وفي سبتمبر 2015، قال الفنان سمير صبري ببرنامجه "ماسبيرو" عبر فضائية TEN، إن بليغ حمدي كان ضحية في واقعة سقوط سميرة مليان من شُرفة منزله، وقال: "شوّهوا سمعته وكل العذاب اللي في الدنيا بليغ شافه في الوقت ده، البنت اتحدفت من شقته وهو كان نايم، المقربين نصحوه قالوله امشي بدل ما يبهدلوك لأن الحكاية مش هتعدي كده".
أضاف صبري: "بليغ سافر واتغرب 5 سنوات بين باريس ولندن، فترة الغربة كانت صعبة وقاسية جدًا على بليغ حمدي وابتدى المرض وعزة النفس وحنينه للعودة لوطنه، دارت الأيام وظهرت براءة بليغ بعد ما تم تشويهه، شوّهت قصته كلها وتاريخه الفني، ولما رجع مصر سنة 90 عملناله احتفالية كبيرة جدًا بمشاركة كل أهل الفن".
بليغ حمدي (ولد في 7 أكتوبر 1931- توفي 12 سبتمبر 1993) هو واحد من أهم الموسيقيين في تاريخ مصر والعالم العربي، وتبقى أعماله الخالدة شاهدة على ذلك.