أسهمت الحرب الروسية-الأوكرانية التي انقضى عامها الأول في تحول قارة أفريقيا إلى مسرح جديد للتنافس والصراع الدولي وساحة لتصفية حسابات القوى الكبرى المنخرطة في أزمة شرق أوروبا، لا سيما روسيا والدول الغربية إلى جانب الصين، وهو ما انعكس في تباين الموقف الأفريقي من الحرب منذ اندلاعها، نتيجة إرباك حسابات الدول الأفريقية التي لم تعد تمتلك رفاهية الاستغناء عن المساعدات الاقتصادية والمالية من الدول الغربية، على نحو ظهر بشكل جلي في تصويت الأفارقة حول إدانة الحرب الروسية بالأمم المتحدة على مدار العام الماضي.
فقد طالت تأثيرات هذه الحرب معظم الدول الأفريقية التي لن تتجاوزها في المدى القريب حال تفاقمها في ضوء استمرار تداعيات جائحة كوفيد-19، على الرغم من أنها تمثل في الوقت نفسه فرصة للدول الأفريقية لتحقيق مكاسب اقتصادية في ضوء ارتفاع أسعار النفط والغاز وتحول دول أوروبا إلى القارة الأفريقية لتصبح بديلًا جيوستراتيجياً للغاز الروسي.
ومع ذلك، ربما تكون أفريقيا بصدد إعادة تشكيل وصياغة دورها على المستوى الدولي خلال المرحلة المقبلة في ضوء تنامي الاهتمام الدولي بالحصول على الثروات النفطية الأفريقية، مما قد يعزز نفوذ القارة في النظام الدولي مستقبلاً.
التطورات الاستراتيجية بعد عام من الحرب
يمكن الإشارة إلى أبرز التحولات الاستراتيجية التي طرأت على القارة الأفريقية بعد مرور عام على اندلاع الحرب الروسية-الأوكرانية على النحو التالي:
1- أفريقيا هي الأكثر تأثراً بالحرب: هناك إدراك لدى قطاع من الأفارقة بأن الحرب في شرق أوروبا ستشعر بها كل قرية وبلدة في الدول الأفريقية، دلالة على تأثرها بتداعيات الحرب المستمرة على مدار العام، وهي التي لم تتجاوز بعد الآثار الاقتصادية لجائحة كوفيد-19.
إذ يشكل الصراع الروسي-الأوكراني تهديداً رئيسياً للاقتصاد العالمي بما في ذلك الاقتصادات الأفريقية، فقد ارتفعت أسعار القمح العالمي والزيوت والنفط الخام إلى مستويات غير مسبوقة عقب اندلاع الحرب في فبراير 2022، في الوقت الذي تعتمد فيه أفريقيا بشكل كبير على الواردات الغذائية من روسيا وأوكرانيا، حيث تعتمد على الأولى في الحصول على 30% من إمداداتها من الحبوب. فيما تعتمد أفريقيا على الواردات لتغطية 63% من احتياجاتها من القمح، ويتوقع أن تزداد هذه النسبة مع نمو سكان أفريقيا خلال السنوات المقبلة. كما يرجح أن يصل استهلاك القمح في أفريقيا إلى 76.5 مليون طن بحلول عام 2025، على أن يتم استيراد نحو 48.3 مليون طن من خارج القارة[1].
2- تعزيز القيمة الاستراتيجية للقارة: والتي برزت بشكل واضح في مسارعة القوى الدولية لتشكيل تحالفات واسعة مع الدول الأفريقية بهدف ضمان ولاء الكتلة التصويتية الأفريقية في الأمم المتحدة والتي تتجاوز 25% من إجمالي الدول الأعضاء في الجمعية العامة بها، وهو ما يمنح الدول الأفريقية ثقلاً سياسياً دفع روسيا والدول الغربية لمحاولة استقطابها من أجل الاصطفاف وراء أي من المعسكرين.
كما برزت قارة أفريقيا باعتبارها ساحة استراتيجية للتنافس الدولي بين القوى الكبرى الفاعلة بهدف كسب المزيد من النفوذ السياسي والاقتصادي والأمني هناك، كما أنها تمثل المسرح الجيوسياسي الواسع الذي يسهم في تخفيف حدة العزلة الدولية التي تتعرض لها بعض القوى مثل موسكو التي تعرضت للعقوبات الدولية الغربية مؤخراً، وهو ما يعد إضافة للأهمية الاستراتيجية التي تتمتع بها القارة الأفريقية على المستوى الدولي.
3- أفريقيا ساحة للصراع بالوكالة: أضحت القارة جزءاً من الحرب الباردة الجديدة بين الولايات المتحدة والغرب من جهة، وروسيا والصين من جهة ثانية. فقد انتقل التنافس الأمريكي-الروسي من شرق أوروبا إلى الأراضي الأفريقية، وهو ما ظهر في محاولة استقطاب الرأي العام الأفريقي لصالح كل طرف في مقابل شيطنة الطرف الآخر، على نحو عززته واشنطن بإطلاق الاستراتيجية الأمريكية الجديدة في أغسطس 2022، وتواجهه موسكو من خلال توسيع دائرة تحالفاتها مع الدول الأفريقية وخاصة منطقة الساحل وغرب أفريقيا، إلى جانب انتشار قوات فاغنر الأمنية الخاصة في عدد من الدول الأفريقية لتعزيز النفوذ الروسي، ومزاحمة النفوذ الأمريكي والغرب في بعض المناطق الاستراتيجية مثل الساحل.
4- أفريقيا مسرح للمواجهات الدبلوماسية بين القوى الكبرى: أثرت الحرب على العلاقات السياسية بين الدول الأفريقية وكل من روسيا والدول الغربية. فقد دفع التوتر مع الأخيرة موسكو إلى التوجه نحو أفريقيا من أجل استعادة نفوذها العالمي والهروب من العزلة الدولية المفروضة عليها عبر تعزيز الدعم السياسي واستغلال أسواق جديدة. بينما استهدفت الدول الغربية مواجهة النفوذ الروسي الذي وصفه بـ"الخبيث" في أفريقيا وخلق قوة دفع جديدة لكسب دعم أفريقيا.
وتبارى الطرفان في المسارعة نحو أفريقيا لضمان حشد أفريقي مؤيد لهما، بدءاً من الجولات الأفريقية لكبار المسئولين الغربيين والأمريكيين والروس وصولاً إلى عقد القمم مع الأفارقة، في محاولة لتغيير المزاج الأفريقي الرسمي والشعبي تجاه الحرب الروسية لصالح أي من الطرفين واستقطاب الأصوات المؤيدة في المحافل الدولية.
فقد أجرى سيرجي لافروف وزير الخارجية الروسي ثلاث جولات أفريقية منذ اندلاع الحرب في يوليو 2022 ويناير 2023 وفبراير 2023 والتي شملت دول مصر والكونغو وأوغندا وإثيوبيا وإريتريا وأنجولا وجنوب أفريقيا ومملكة سواتيني والسودان ومالي وموريتانيا. في حين زار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أفريقيا في يوليو 2022 والتي شملت دول الكاميرون وبنين وغينيا بيساو والجزائر. وأعقبها زيارة أنتوني بلينكن وزير الخارجية الأمريكي، في أغسطس 2022، إلى دول جنوب أفريقيا والكونغو الديمقراطية ورواندا، وذلك قبل أشهر قليلة من انطلاق القمة الأمريكية-الأفريقية التي استضافتها واشنطن في ديسمبر 2022 بمشاركة نحو 49 دولة أفريقية لبحث الشراكات والقضايا المشتركة بين الطرفين. إضافة إلى جولة وزير الخارجية الصيني تشين جانغ في القارة في يناير 2023 والتي شملت دول مصر وإثيوبيا وأنجولا والجابون وبنين.
5- الضغوط الدولية من أجل الاصطفاف الأفريقي: شملت جولات بعض المسئولين الغربيين للقارة مزيجاً من الضغوط والمحفزات في سبيل خلق حالة من الاصطفاف الإقليمي للحكومات الأفريقية وراء كل طرف بهدف تعزيز موقفه في ساحة الأمم المتحدة، وكذلك أمام الرأي العام العالمي، وهو ما برز في زيارة وزير خارجية أوكرانيا لأفريقيا والأولى من نوعها في أكتوبر 2022 والتي شملت دول السنغال وكوت ديفوار وغانا وكينيا، حيث لمح لإمكانية توريد المزيد من الحبوب والقمح إلى الدول الأفريقية في محاولة لاستمالتها.
6- الاستفادة الأفريقية من الحرب: احتدم التنافس الدولي على أفريقيا بشكل أوسع منذ اندلاع الأزمة الأوكرانية خاصة بين الدول الغربية وروسيا، مما دفع الطرفين إلى محاولة استمالة الدول الأفريقية التي وجدت في ذلك فرصة جيدة لاستقبال المزيد من المساعدات الاقتصادية والتنموية والقروض في مقابل تبني موقف مؤيد لأحد الطرفين في الأمم المتحدة، وهو ما ظهر في تقديم واشنطن نحو 65 مليار دولار لأفريقيا في ديسمبر الماضي في شكل مشروعات ومساعدات اقتصادية وتنموية وغيرها.
كما انعكس التحول الدولي للاعتماد على النفط الأفريقي بديلاً عن الغاز الروسي منذ اندلاع الحرب في شرق أوروبا وتداعياتها على ارتفاع أسعار النفط على زيادة مداخيل الإيرادات المالية للدول الأفريقية النفطية. فقد أتاحت الحرب في شرق أفريقيا الفرصة لمنتجي النفط الأفارقة مثل نيجيريا وأنجولا وليبيا والجزائر للاستفادة من عائدات الصادرات النفطية لأوروبا، فعلى سبيل المثال، تمثل صادرات النفط والغاز 90% من عائدات النقد الأجنبي في نيجيريا[2].
7- توسع النفوذ الروسي في أفريقيا: ثمة تحولات استراتيجية تشهدها بعض المناطق الاستراتيجية في أفريقيا لا سيما منطقة الساحل، فهناك ترحيب شعبي بالتواجد الروسي في بعض دول المنطقة وانتشار قوات فاغنر الأمنية الخاصة من أجل محاربة الإرهاب هناك، خاصة بعد انسحاب فرنسا التدريجي من بعض الدول مثل مالي وبوركينا فاسو.
وتحاول روسيا تقديم مسار بديل للأفارقة معتمدة في ذلك على ما تسميه بعض الكتابات بـ"الحنين" للحقبة السوفيتية في مواجهة الدول الغربية والولايات المتحدة والمشروطيات السياسية والاقتصادية التي تعتبر ركيزة في علاقات الغرب مع أفريقيا التي باتت تمتعض من هذه السياسة، وبدأت تبحث عن بديل دولي جديد.
لذلك تقوم موسكو بتوسيع الارتباطات الاقتصادية في أفريقيا، وتعزيز الفرص الاقتصادية في القطاعات الأساسية بما في ذلك قطاع الطاقة. كما تستخدم الشركات العسكرية الخاصة بشكل متزايد لنشر النفوذ الجيوسياسي وتوسيع بصمتها العسكرية والاستخباراتية في أفريقيا جنوب الصحراء، وهو ما يعزز حالة القلق الدولي تجاه تصاعد النفوذ الروسي، وذلك بالرغم من ضآلة حجم الاستثمارات الروسية في أفريقيا التي لا تتجاوز مساهمتها سوى 1% من إجمالي الاستثمار الأجنبي المباشر في القارة، مما يعكس التزامها المحدود تجاه أفريقيا. كما أن حجم تجارتها مع أفريقيا يبلغ 14 مليار دولار مقارنة بحجم تجارة الاتحاد الأوروبي مع القارة (295 مليار دولار) أو الصين (254 مليار دولار) أو الولايات المتحدة الأمريكية (65 مليار دولار)[3].
اتجاهات ودلالات الموقف الأفريقي تجاه استمرار الحرب
أظهرت أفريقيا مجموعة واسعة من وجهات النظر حول الحرب الروسية-الأوكرانية منذ اندلاعها، حيث تباينت المواقف الأفريقية تجاه العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، بين التردد والصمت الحذر والإدانة، في ظل تصاعد مخاوف الدول الأفريقية من التداعيات المحتملة للصراع في أوكرانيا؛ ففي حين التزمت غالبية الدول الإفريقية الحياد حيال التدخل العسكري الروسي، نظراً إلى العلاقات المتشعِّبة بينها وبين روسيا على المستويات التاريخية والسياسية والاقتصادية والأمنية؛ فقد تشكل اتجاه رافض للعملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، وهو الاتجاه الذي عبَّرت عنه بصورة رئيسية دول كينيا وغانا والجابون، التي أدانت في مجلس الأمن الدولي –باعتبارها أعضاء غير دائمين– التصرفات الروسية في أوكرانيا بوصفها انتهاكاً للسلامة الإقليمية لأوكرانيا.
فقد بدا الموقف الأفريقي في بداية الحرب محايداً براجماتياً في ضوء مساعي الدول الأفريقية للنأي بنفسها عن تداعيات الأزمة التي قد تطال اقتصاداتها، وهو ما عبرت عنه الاتجاهات المختلفة تجاه الحرب الدائرة في شرق أوروبا. إذ أعرب الاتحاد الأفريقي عن قلقه تجاه تطورات الأزمة الأوكرانية وتداعياتها على السلم والأمن الدوليين، خاصة أن أفريقيا لم تكن بعيدة عن آثار تلك الحرب، وهو ما دفع الرئيس السنغالي ماكي سال -باعتباره رئيس الاتحاد الأفريقي- ورئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي موسى فقي للقيام بزيارة إلى روسيا في يونيو 2022، في محاولة الضغط الأفريقي لضمان الوصول إلى الحبوب والأسمدة من روسيا وأوكرانيا بوساطة الأمم المتحدة وتركيا.
كما عكس التصويت الأفريقي في الأمم المتحدة خلال عام 2022 درجة من تباين المواقف الأفريقية تجاه الحرب الروسية-الأوكرانية، وهو ما يعني أن مواقف الأفارقة تجاه الحرب الروسية متنوعة. إذ دعا مجلس الأمن الدولي في مارس 2022 للتصويت لإدانة تصرفات روسيا، ومن بين 54 دولة أفريقية صوتت 28 دولة فقط لصالح القرار، بينما لم تؤيد القرار حوالي 25 دولة حيث امتنعت 17 دولة عن التصويت، وتغيبت 8 دول عن التصويت، بينما صوتت دولة واحدة هي إريتريا ضد القرار. وهذا دليل على انقسام القارة حول الموقف من الحرب الروسية.
وفي 12 أكتوبر 2022، تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة مشروع قرار يدعو دول العالم إلى عدم الاعتراف بضم روسيا الأخير للأراضي الأوكرانية. وتم تمرير القرار بأغلبية كبيرة (143 صوت) مع تصويت خمس دول أعضاء ضده وامتناع 25 دولة عن التصويت من بينها 18 دولة أفريقية. بينما لم تصوت خمس دول أفريقية أخرى[4].
كما ظهرت بوادر التردد في مواقف عدد من الدول الأفريقية تجاه الحرب، وتجسد جنوب أفريقيا نمط التصويت الأفريقي في هذا الصدد؛ فعلى الرغم من دعوتها في بداية الحرب إلى الانسحاب الفوري للقوات الروسية من أوكرانيا وحل الصراع بشكل سلمي مما شكل صدمة لموسكو التي تعتبرها حليفاً استراتيجياً في القارة، إلا أنها قد امتنعت عن التصويت على جميع القرارات التي تدين الجانب الروسي في أوكرانيا خلال عام 2022، وهو ما يؤكد الرؤية المغايرة للقادة الأفارقة حول حل الصراع في أوكرانيا من خلال الحلول الدبلوماسية، ومعارضة معاقبة موسكو والتي تختلف عن الرؤية الأمريكية تجاه الصراع.
وتجدر الملاحظة بأن تصويت الحكومات الأفريقية في المنظمات الدولية بما في ذلك الأمم المتحدة لا يعكس بالضرورة توجهات الرأي العام، حيث أشارت تقديرات أفريقية إلى عدم مبالاة الرأي العام الأفريقي عبر وسائل التواصل الاجتماعي بالحرب الروسية-الأوكرانية إلى حد كبير.
آثار الحرب على مستقبل أفريقيا
ربما يحمل استمرار الحرب في أوكرانيا آثاراً مدمرة بالنسبة لبعض الدول الأفريقية، حيث تهدد اقتصاداتها إلى جانب تعرض الحكومات الأفريقية لضغوط دبلوماسية للانحياز إلى جانب الخلاف المتصاعد بين روسيا والقوى الغربية الذي تعد أفريقيا جزءاً منه باعتبارها ساحة مواجهة بين الطرفين.
وثمة توقعات بانخفاض حجم التجارة والمساعدات الدولية للقارة، وأن التكلفة العالية للحرب الروسية-الأوكرانية سيكون لها تأثيراتها السلبية على اقتصادات القوى الدولية، لا سيما روسيا والولايات المتحدة الأمريكية، وهو ما يمكن أن يهدد بتخفيض المساعدات الدولية والاستثمار المباشر في الدول الأفريقية نتيجة ضعف الاقتصادات الدولية.
كما أن فرض العقوبات الاقتصادية الأمريكية والأوروبية على روسيا من شأنه إضعاف الاقتصاد الروسي الذي ربما ينعكس بدوره على انخفاض الواردات من الخارج؛ وهو ما سيكون له تأثيره السلبي على الدول الأفريقية التي تعتمد على عوائد صادراتها لروسيا. ومن المرجح أن يؤدي ارتفاع أسعار الوقود إلى زيادة مضطردة في أسعار الغذاء؛ مما يقلل فرص الحصول على الغذاء في بعض الدول الأفريقية بأسعار زهيدة، وهو ما قد يترتب عليه تزايد الاضطرابات والتوترات المجتمعية في أفريقيا، لا سيما أن معظم الدول الأفريقية تعتمد في وارداتها من القمح على صادرات روسيا وأوكرانيا التي توفر نحو 30% من إنتاج القمح العالمي.
ويكشف ذلك عن أن الأزمة الأوكرانية يمكن أن يكون لها تأثير على الإنتاج وأسواق العمل والتجارة والنقل، وأن يكون لها آثار خطيرة على الأمن الغذائي والفئات الضعيفة في مناطق مختلفة من العالم مثل أفريقيا. كما يتوقع أن تتراجع تدفقات الاستثمارات الأجنبية إلى القارة، وذلك نتيجة تأثر الاقتصادات الأفريقية من الحرب الروسية-الأوكرانية تأثراً سلبياً أسفر عن تراجع وخسارة البورصات الأفريقية، وهو ما قد يعزز مخاوف المستثمرين الأجانب من المغامرة بالتوجه نحو الأسواق الأفريقية خلال المرحلة المقبلة.
وفي سياق متصل، مهدت الحرب الروسية-الأوكرانية الطريق أمام الدول الأفريقية لكسب المزيد من النفوذ في سوق النفط والغاز العالمي. وذلك في ضوء تزايد الطلب على الطاقة في العالم، والذي لعب دوراً في ارتفاع أسعار النفط، مما ترتب عليه تزايد أهمية النفط الأفريقي الاستراتيجية خلال الفترة الأخيرة. واحتل مرتبة متقدمة على رأس أولويات سياسات القوى الدولية الفاعلة الخاصة بتأمين الطاقة والتي عززت أهمية المناطق الغنية بالنفط والغاز الطبيعي لا سيما قارة أفريقيا.
إذ تستحوذ الولايات المتحدة الأمريكية على نسبة 23% من إجمالي إنتاج القارة من النفط. بينما تستحوذ الصين على 14% من إجمالي إنتاج القارة، وكل من إيطاليا والهند على 8% من الإنتاج الإجمالي للقارة، كما تستحوذ دول الاتحاد الأوروبي على أكثر من 25% من إجمالي الإنتاج[5].
بينما تتعاظم حاجة قارة أفريقيا إلى الطاقة للدرجة التي سوف يتعين عليها استغلال الغاز على نطاق واسع، لا سيما أن هناك ما يقرب من 600 مليون أفريقي لا يحصلون على الكهرباء -ما يعادل نسبة 43% من إجمالي سكان القارة الأفريقية- و900 مليون شخص يعتمدون على مواقد الطهي في مناطق القارة. لذلك، هناك حاجة للغاز في أفريقيا باعتباره بديلاً مناسباً وأقل تلوثاً، وذلك في الوقت الذي تتوالى فيه الدعوات للدول الغربية بالحد من استخدام الغاز بهدف تخفيف حدة أزمات تغير المناخ.
لذلك، من المحتمل أن تستفيد الدول الأفريقية المنتجة للنفط والغاز من الأزمة العالمية وبحث الدول الغربية عن أسواق جديدة للحصول على احتياجاتها من النفط والغاز، وذلك على الصعيدين الاقتصادي والمالي. وإن كان ذلك يتطلب توسيع الاستثمار في قطاع النفط، ودعم بعض العوامل المشجعة على جذب الاستثمارات الأجنبية مثل الاستقرار السياسي والأمني والحكم الرشيد في القارة الأفريقية[6]. وقد عززت الأزمة الراهنة أيضاً حاجة الدول الأفريقية إلى إحداث سلسلة من التطوير والتحديث فيما يتعلق بصناعة الطاقة في القارة، لا سيما البحث عن مشروعات نفطية جديدة وفتح المجال أمام المزيد من الاستثمارات الأجنبية في قطاع النفط والغاز الطبيعي، وذلك من أجل أن تصبح مورداً أساسياً للطاقة لأوروبا وغيرها، خاصة بعد تعطيل أسواق الطاقة العالمية الذي دفع القوى الأوروبية للبحث عن مصادر بديلة لتأمين الاحتياجات النفطية[7]، الأمر الذي يعزز العوائد الاقتصادية للحكومات الأفريقية، وارتفاع معدلات النمو الاقتصادي في جميع أنحاء القارة على المدى الطويل.
إجمالاً، ربما تحمل الحرب الروسية-الأوكرانية في طياتها حزمة من الفرص بالنسبة للدول الأفريقية إذا نجحت في استغلالها لصالحها على حساب انتهازية الدول الغربية الممتدة على مدار عقود طويلة ماضية. فهناك فرصة للقارة الأفريقية في أن تعزز موقعها في النظام الدولي بما في ذلك المؤسسات الدولية لا سيما مجلس الأمن الدولي، وسط تنبؤات بتحولات استراتيجية مهمة في بنية النظام الدولي خلال المرحلة المقبلة، على ألا تكون أفريقيا دائماً ساحة للتنافس الدولي بين القوى الكبرى التي تستنزف مواردها وثرواتها خلال السنوات الماضية.
كما يمكن أن ينظر الأفارقة إلى الأزمة الجيوسياسية الراهنة على أنها فرصة للحد من اعتماد دولهم على الواردات الغذائية من خارج القارة، والمسارعة نحو تنفيذ العديد من المشروعات الزراعية بالتعاون مع الجهات الدولية عن طريق الاستفادة من المسافات الشاسعة الصالحة للزراعة البالغة نحو 60% من إجمالي الأراضي الصالحة للزراعة في العالم من أجل تحقيق الاكتفاء الذاتي من الغذاء والتصدير للسوق العالمية، بما يحقق الأمن الغذائي للقارة خلال الفترة المقبلة
أحمد عسكر
باحث مشارك - مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية
* المقال جزء من ملف خاص بعنوان "عام على الحرب الروسية-الأوكرانية: تحولات ومسارات".