
لأن حزب الإصلاح محسوب على الإخوان، ولأنه أكثر أحزاب موريتانيا المعارضة وسائل وتنظيما، فقد أثارت استقالة محمد جميل منصور أبرز قادته ومؤسسيه، جدلا كبيرا متواصلا بين نشطاء الإخوان وخصومهم الكثيرين في البلاد.
وانقسم الرأي العام الموريتاني حول الموقف من استقالة محمد جميل منصور أبرز مؤسسي الجبهة الإسلامية ثم حزب الأمة، ثم مبادرة الإصلاحيين الوسطيين قبل أن يرخص في مطلع عام 2007، للتيار الإسلامي أو لإخوان موريتانيا، بحزب سياسي لأول مرة هو حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية “تواصل” الذي تولى ولد منصور رئاسته لمأموريتين متتاليتين.
وأكد ولد منصور في نص استقالته “ترددت في هذا القرار لشدة ثقله على النفس، ولكني توكلت على الله وأقدمت، ولعل السبب الرئيسي في هذا التردد هو العلاقة التي أكرمني الله بها مع إخوة أفاضل وأخوات فضليات طيلة مسار حزبي مبارك أخذ مني سياسيا وذهنيا وبدنيا ما لست عليه بنادم، بل به من المعتزين، وقد واجهت أخيرا في هذا المسار ما استحق مني توقفا وتفكيرا”.
وقال “كانت المحطة الأولى في مسار التوقف هي المؤتمر الرابع المنعقد ديسمبر 2022 والذي كان منتظرا منه أن يكون موعدا لتصحيح الاختلالات والانطلاق بالحزب نحو آفاق أرحب، (..) وللأسف جاءت الانتخابات وكان الخلل أكبر والخطأ أوضح كما شرحت ذلك في بيان أخذ المسافة الذي نشرته فور إقرار المكتب السياسي للترشيحات النيابية الرئيسية”.
وأضاف “من هنا وجدتني سيدي الرئيس، وكما تعلم لست من هواة المواقف السلبية مضطرا لتقديم استقالتي من حزب “تواصل” مسؤوليات وعضوية”.
وتتالت المواقف والتدوينات حول استقالة ولد منصور، وممن كتب عنها المدون والسياسي البارز محمد المختار الذي قال “ربما يحاول الرئيس جميل منصور تأسيسَ حزب سياسي جديد، مع كوكبة جديدة، سيكون لحزبهم صدى إعلامي، وميداني، خاصةً أن جمع واستهوى فلولَ الفئويين والعنصرين”.
وقال “من غير المعقول أن يرضى جميل منصور، بختم مسيرته السياسية، رُكنا أو ركيزةً من ركائز النظام الحالي، وإنما سيستفيد طبعاً من الهدوء السياسي لهذا النظام، ليكون عاصفة سياسية ترجعه للأضواء، بعد أن أخذ قسطاً من الراحة في ظلام البعد عن الصدارة بعد أن جلسَ على كرسيها ثماني حجج، يملأ الأفواه، والمسامع، وترقبه الناسُ بأبصارهم، حتى أصبحوا يقولون “لا أحد يغني عنه”.
وأدلت النائبة البرلمانية منى الدي بدلوها في الموضوع قائلة “أن تصنع حزبا من العدم، وتسقيه بدموعك، وتطعمه من أعصابك، وتعطيه عصارة فكرك، وتبذل فيه قصارى جهدك، وتفني فيه شبابك، وتصبح فيه مهمشا لا رأي لك، ولا مشورة فالاستقالة منه هي أقل ما تستطيع فعله”.
وكتب أنشط مدوني موريتانيا محمد الأمين الفاضل عن الاستقالة قائلا “محمد جميل منصور من أبرز الشخصيات السياسية في البلد، ومن المؤكد أن استقالته من “تواصل”، لا تعني، بأي حال من الأحوال، أنه سيستقيل من السياسة أو من العمل السياسي”.
ويرجج محمد الأمين الفاضل أبرز مدوني موريتانيا “أن يكون الرئيس جميل يفكر في أحد أمرين، أولهما إطلاق مشروع سياسي مع آخرين، والثاني الالتحاق بمشروع سياسي قائم، وأنا أرجح الاحتمال الأول لسببين الأول أن جميل شخصية قيادية، ولن يقبل بأن يُقاد”.
ويرى المدون سلطان البان “أن استقالة جميل منصور، انشقاق مزلزل داخل مركز القرار في حزب “تواصل”، وقد سبقته انشقاقات أخرى منها على سبيل الذكر وليس الحصر استقالة كل من نائب الطينطان سيدي محمد ولد السيدي، وعمر الفتح اللذين انضما لحزب الدولة، ونحن نقدم تساؤلًا جوهريا في هذا الصدد، هو ما سر تفكك أعمدة الحزب؟”.
وكتب الحسن لبات “كان من المنتظر أن يتم تكريم جميل منصور مباشرة بعد نهاية مأموريته الثانية، بدل ذلك تم تدميره ببطء، وتقزيم دوره وتنحية مقربيه والمحسوبين على جناحه الفكري داخل الحزب، واليوم يعلن استقالته وهي لعمري خسارة ما بعدها خسارة”.
أما القيادي في حزب “تواصل “، محمد محمود أحمد عبدي فقد كتب “لا شك أن فقداننا في “تواصل” لقامة سياسية وفكرية بحجم السيد الرئيس محمد جميل خسارة مؤلمة على الصعيد السياسي، ومن أكثر ما يؤلمني شخصيا، مستوى تأثير هذه الاستقالة على مستقبل أخي الرئيس محمد جميل منصور، فإن كنا في الحزب أصبنا مصابا جللا لا نستعظمه على الله، فإن الرئيس محمد جميل سيتضرر أكثر”.
ويرى الإعلامي الشيخ محمد حرمه “أنَّ استقالة جميل منصور من “تواصل”، ليست خروجًا من المشروع السياسي، ولا نكوصًا عن المرجعية الفكرية، وإنما يمكنُ اعتباره، حسب ما فهمتُ من كلام الرجل، تغيرًا في مسار حزب كان من أبرز مؤسسيه”.
وتحت عنوان شهادة في حق الرئيس محمد جميل منصور، أكد القيادي الإسلامي الصوفي الشيباني في حزب “تواصل”، أن “استقالة الرئيس محمد جميل منصور من حزب “تواصل” كانت متوقعة منذ بعض الوقت؛ حيث كان منذ الانتخابات الأخيرة في مرحلة تجميد العضوية وقد أخذ مسافة كافية من الحزب للتقييم”.
وطرحت أسئلة كثيرة حول استقالة محمد جميل منصور الذي أبدى منذ 2019 عبر تدويناته ومواقفه انحيازا واضحا لنظام الرئيس الغزواني بعد أن كان معارضا قويا لسلفه محمد ولد عبد العزيز، فهل ولد منصور يتجه للانضمام لحزب الإنصاف الحاكم كما سبقه إلى ذلك قياديون بارزون من الإخوان؟ أم أنه، بتفاهم مع السلطة، سيتجه إلى تأسيس حزب إسلامي مؤتمن يستخدم لاستنزاف حزب الإصلاح والقضاء عليه، وهو أمر عليه قوله في نص استقالته “أرجو أن تجمعني معهم ساحات العمل الوطني على الأفكار التي التقينا عليها أول مرة”؟ أم أن الأمر لا هذا ولا ذاك، بل إن ولد منصور متوقعا لتعرض حزب الإصلاح لحل عنيف، قرر النأي بنفسه باكرا عن هزات ذلك الحل؟
عبد الله مولود
نواكشوط- “القدس العربي