موريتانيا : "النخبة الضيقة" تحتكر دوائر الحكم والنفوذ

أحد, 15/12/2024 - 00:36

على مدى العقود الثلاثة الماضية، سيطر نظام سياسي مغلق في موريتانيا، تشكل حوله ما يمكن تسميته بـ"النخبة الضيقة". هذه النخبة احتكرت دوائر الحكم والنفوذ، بحيث بات من المستحيل تقريباً لأي شخص خارج هذه الدائرة الوصول إلى مواقع صناعة القرار، إلا إذا كان له ارتباط مباشر بهذه المجموعة من خلال علاقات عائلية أو اجتماعية عميقة، أو عبر انتهاج سياسة التملق والتطبيل.

للأسف، يشكل هذا الواقع السياسي عقبة كبرى أمام الكفاءات الوطنية التي ولدت خارج هذه الدائرة أو لا ترتبط بها بأي شكل من الأشكال. فرغم التأهيل العلمي والاجتماعي والمهني الذي يمكن أن يصل إليه هؤلاء، يبقى الطريق نحو المساهمة الفعلية في تنمية البلاد من خلال مواقع القيادة مغلقاً.
تميزت فترة حكم الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز بخصائص استثنائية سمحت بتجاوز هذا النسق المغلق. فقد نجح في اكتشاف مواهب وطاقات من عامة الشعب وإبرازها إلى الواجهة. كان من بين هؤلاء الوزير الأول الحالي، الذي تمكن، بفضل كفاءته ونباهته، من تسلق سلم السلطة والوصول إلى القمة، رغم معارضة رموز دائرة الحكم القديم الذين عادة ما يحتكرون صناعة القرار.

أما الرئيس الحالي، فلا يزال محصوراً داخل نفس الفقاعة السياسية القديمة التي أثبتت عقوداً من الفشل في تحقيق التغيير المطلوب. بدلاً من الابتكار وإنتاج طبقة سياسية جديدة، يبدو النظام الحالي وكأنه يعيد إنتاج نفس الرموز القديمة، بل ويمضي نحو توريث السلطة للأجيال القادمة من أبناء وأحفاد هذه النخبة، مما يبدد فرصاً تاريخية كانت يمكن أن تسهم في إعادة تشكيل دوائر الحكم.

إن التغيير الحقيقي لن يتحقق إلا إذا تجرأت القيادة على التفكير خارج الصندوق، بالاعتماد على كفاءات جديدة من خارج النخبة التقليدية. يمكن تحقيق ذلك من خلال آليات اختيار تستند إلى الكفاءة والخبرة، بعيداً عن العلاقات الشخصية أو التوصيات من داخل الدائرة الضيقة.
موريتانيا اليوم في حاجة ماسة إلى جيل جديد من القادة يتمتعون برؤية عصرية، قادرين على التعامل مع تحديات الحاضر ورسم مستقبل أفضل للبلاد. إن ضخ دماء جديدة في دوائر الحكم ليس مجرد خيار، بل هو ضرورة لضمان نهضة وطنية تخرجنا من قيود الماضي وتفتح آفاقاً رحبة للتقدم

جديد الأخبار