وفازت قطر !

أحد, 03/02/2019 - 22:46

ما هي كرة القدم؟
قطعة من (الكاوتشوك) التي تجري وراءها مجموعتان من اللاعبين يركلونها بأقدامهم إلى حيث شبكة مشدودة بين ثلاث قوائم.
تلك هي حقيقة لعبة كرة القدم عند بدايتها، قبل أن تمتزج بعالم السياسة، وتغدو المصالح السياسية بين أقدام اللاعبين، وتتلاقى أهداف الساسة مع الكرة عندما تعانق شباك المرمى.
في كأس الأمم الآسيوية فازت قطر، فازت قطر العربية الخليجية المسلمة في واحدة من أروع الملاحم الكروية، وكان من المفترض أن تعم الفرحة في عموم الدول العربية، بعد أن فازت قطر على المنتخب الياباني العنيد بنتيجة مشرفة للغاية، غير أن لعبة السياسة فرضت نفسها على تداعيات الحدث، فتشرذمت الفرحة بين خندقي الأزمة الخليجية، بين مؤيدي الحصار على قطر ومعارضيه.
ما زلت أذكر قصيدة التأشيرة التي سمعتها قبل سنوات للشاعر المصري هشام الجخ، إذ يعيب على العرب فرقتهم، فيقول: «أَتَجمعُنا يد الله وتُفرقنا يد الفيفا؟»، لكن «الفيفا» لم تكن وراء تلك الجفوة الإماراتية تجاه قطر، وتلك السلوكيات المُشينة الصادرة عن الجمهور الإماراتي ضد القطريين، الذي أَعْتبرُه مجرد ضحية لسياسات دولته، والشحن الإعلامي الذي أوغر صدور الأشقاء تجاه الأشقاء، حتى كاد القلب ينزف، عندما رأيت بعض الإماراتيين يرتدون علم اليابان فوق جباههم المُرتبكة في المباراة النهائية، ورأيت دموع تلك الفتاة الإماراتية تبكي فريقها المنهزم أمام قطر وهي تقول (كله إلا قطر)، ورأيت الأحذية في مباراة قطر والإمارات تتطاير في الملعب باتجاه الفريق القطري، فأي جوار هذا، وأي أخوة هذه؟ لقد كان من وراء تلك الجفوة الإماراتية الاستهداف الغاشم للدولة القطرية، الذي طفح على السطح باختراق الوكالة القطرية وبث أكذوبة خطاب الأمير تميم، وما تبعه من ضرب الحصار الجائر على الأشقاء، ومنذ ذلك الوقت لم يعد أي شيء مما كان كما كان.
قطر الصغيرة جدا جدا جدا التي يقال عنها أنها بمساحة حي من أحياء القاهرة، تتجاوز كل هذه الدول الآسيوية الكبيرة، وتفوز بالكأس ولا يدخل في شباكها غير هدف واحد في البطولة؟ لو أجبنا على هذا السؤال وفق النظرية الزحلية التي يتعامل بها البعض مع قطر، لقلنا إنها جاءت من كوكب كريبتون بمادة مشعة هدّدت بها كيم جونغ أون فاستسلمت بلاده كوريا الشمالية للمنتخب القطري بنتيجة صفر مقابل ستة أهداف للقطريين، ثم استخدمت قطر السحر الأسود في التغلب على المنتخب السعودي بهدفين نظيفين، واستطاعت عبر مشروب سري مضاعفة طاقة منتخبها ليسحق المنتخب الإماراتي المضيف بأربعة أهداف نظيفة، وأخيرًا يأتي كالعادة دور الأموال القطرية التي اشترت بها من قبلُ الأمم المتحدة ومجلس الأمن والفيفا، لتشتري المباراة النهائية من منتخب اليابان الفقير المُعدم الذي يتسول على أبواب الدول، مثلما اشترت قلم هذه الكاتبة التي تكتب عن واقع الحال المُضحك المُبكي، فمن العادي أن تدافع عن أي أحد على الأرض، وأن تشجّع أي منتخب تُريد، ولكن إياك أن تُشير الى أي نصر او تفوّق قطري، فما دُمتَ لست شاتما لها او شامتا «فأنت مأجور مرتزقة»، هكذا هو تصنيف مسوخ القوم وسقط المتاع ممن اختزلوا كوارثهم وفشلهم وإخفاقاتهم في مؤامرة قطرية مزعومة يقودها تنظيم الحمدين المزعوم.

لعبة السياسة فرضت نفسها على تداعيات الحدث، فتشرذمت الفرحة بين خندقي الأزمة الخليجية

لم لا؟ حرامٌ على قطر الصغيرة المُحاصَرة أن يكون لها إنجاز، وحرام على شعبها أن يفرح بعد أن أثخنت فيه خناجر الأشقاء الجراح. لقد وصل بنا الحال من التفكك والكراهية البينية إلى أن يخرج الإعلامي المصري أحمد موسى على الفضائيات، وهو يعلن دعم المنتخب الياباني في المباراة النهائية ضد قطر، بل يدعو الإماراتيين الذين استضافوا البطولة إلى تشجيع المنتخب الياباني الصديق، مع أن المثل السائر في بلاده يقول (أنا وأخويا على ابن عمي، وأنا وابن عمي على الغريب) لكن القطريين لديه ليسوا إخوة ولا أبناء عمومة ولا حتى من الغرباء أو الآخرين الذين بُنيت من أجلهم المعابد الهندوسية والبوذية، والتي تتهيّأ عاصمتها لاستقبال قُدّاس البابا. لم يكْف السلطاتِ الإماراتية حرمان المنتخب القطري من اللعب بحضور جمهوره، لكنه لاحق بعض العُمانيّين الطيبين الذين رفعوا العلم القطري في الطريق، احتفالا بالفوز على اليابان، فكيف يُرفع العلم القطري على تلك الأرض؟ إنها لجريمة كبرى. وحتى حفل التتويج وتوزيع الجوائز، ضنَّت الحكومة الإماراتية بأن يحضرها كبار المسؤولين ازدراءً بالقطريين.
في مقابل طوفان الحزن والأسى والاحتقار وقلّة الذوق والخُلق والدين في خندق خصوم قطر، كانت هناك أفراح، أفراح عمّت الشعب القطري الذي يخوض معركة التحدي والصمود، ليثبت في كل مناسبة أنه لن يركع ولن يتخلى عن حقه السيادي، ويقدم صورة حية للتطوير الذي ينطلق من المعاناة على جميع الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والرياضية، فكما قال الأولون (الضربة التي لا تقصم ظهرك تقويه) وها هو الظهر القطري قد اشتد، إثر تتابع الضربات من الإخوة الأعداء.
هنالك على أرض غزة الأبية، كانت مسيرات الحب والفرح لفوز المنتخب القطري، في لمسة وفاء واعتراف بالجميل للشعب القطري الذي يساند غزة لتخفيف وطأة الحصار. وهنالك بين الشعوب العربية في كل مكان، كانت الفرحة في قلوب ووجوه كل الذين لم يتلوثوا بالكراهية التي تغرسها الأنظمة بمؤسساتها تجاه أبناء الدين والدم والعشيرة.
سيشهد التاريخ بأن ليست هنالك دولة عربية يجتمع على دعمها معارضو الأنظمة القمعية في كل مكان كما دولة قطر، بما يعكس النظرة الإيجابية لهذه الدولة التي وُفِّقت لأن تقف موقفًا مشرفًا من ثورات الربيع العربي، ثم تستضيف على أرضها الفارين من بطش تلك الأنظمة المستبدة.
فازت قطر في الوقت الذي تُحاك فيه المؤامرات الخليجية لسحب تنظيم مونديال 2022 من الدوحة، إذ يسهم هذا الفوز التاريخي في تحسين الصورة الرياضية للدولة التي تطور نفسها داخل حدودها على طريقة (دعنا نعمل، ودعهم يتكلمون).
فرحتنا بفوز قطر ليست فرحة بانتصار رياضي، وإنما فرحة لمظلوم كتب له التوفيق في أحد الميادين، غير أنها فرحة منقوصة بسبب هذه المظاهر والسلوكيات وردود الأفعال بالغة السوء، التي عكست السقوط السياسي وجعلتنا مثار سخرية.
قد كنا نتحدث في الماضي، أن العرب لا يتوحدون إلا في التفاهات ولطالما اعتبرنا كرة القدم من تلك التفاهات المُخدّرة للشعوب، لكن حتى التفاهات أبت وحدتهم، فيبدو أنهم لا يتفقون على شيء سوى اتفاقهم على الخلاف والتشرذم، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
كاتبة أردنية

جديد الأخبار