موريتانيا تقف على عتبة تغيير سياسي حاسم في مشهد إقليمي معقد

اثنين, 15/04/2019 - 19:10

تقف موريتانيا على عتبة تغيير سياسي حاسم، مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية (يونيو 2019)، وسط مراقبة كثيفة من الخارج والداخل حول تأثير التطورات التي تعيش على وقعها كل من الجزائر والسودان على الوضع في موريتانيا في ظل استمرار الأزمة بين الحكومة والمعارضة حول لجنة الانتخابات، وتطور الأمر إلى خروج مظاهرات في شوارع نواكشوط. وهي ولئن كانت تحركات محدودة إلا أن السياق الاجتماعي والسياسي والإقليمي في هذه الفترة الحرجة يمكن أن ينتهي بها إلى عواقب مجهولة لمسار هذا البلد.

نواكشوط – تتابع عين المجتمع الدولي باهتمام ما يجري في الجزائر والسودان من تطورات، فيما تتجه عينه الأخرى صوب موريتانيا، التي تقف على عتبة تغيير سياسي حاسم وتشهد بدورها تحركات ومظاهرات بشأن الانتخابات الرئاسية المقررة في يونيو القادم، يُخشى أن تنتهي بتكرار سيناريو الجزائر.

تحمل موريتانيا الكثير من الخصوصيات الاستراتيجية التي تجعلها محط اهتمام العالم المشغول بعودة الحديث عن الجهاديين في أفريقيا، كما التنافس التجاري والعسكري في المنطقة مع دخول قوى صاعدة لها.

وهي محط أعين اهتمام الإسلاميين الذين يجدون أنفسهم اليوم محاصرين وقد قصقصت أجنحتهم، ولم يعد لهم إلا بعض الأوراق الضعيفة يسعون إلى الاستفادة منها للبقاء في المشهد، بأي طريقة كانت، وموريتانيا أحد هذه الرهانات.

بول ميلي: المعارضة تواجه تحدي تزويد الناخبين برسالة متماسكة

لذلك، ولئن لم تشهد البلاد مظاهرات بزخم ما تعيش على وقعه الجزائر والسودان إلا أن السؤال ما فتئ يتردد هل تحذو موريتانيا حذو الدولتين الأفريقيتين، وتشهد بدورها أحداثا أكثر تطورا من مظاهرات لتغيير لجنة الانتخابات إلى مطالبات بتغيير كل النظام.

تشهد موريتانيا في القادم انتخابات رئاسية أعلن الرئيس الحالي محمد ولد عبدالعزيز أنه لن يترشح لها، فيما دفعت أحزاب المعارضة بأربعة مرشحين بارزين للانتخابات الرئاسية هم: وهم الوزير الأول الأسبق سيدي محمد ولد بوبكر، والسياسي المعارض محمد ولد مولود، والناشط الحقوقي بيرام ولد اعبيدي، والأكاديمي كان حاميدو بابا.

وعبّر المرشحون الأربعة عن قلقهم إزاء إقدام السلطات على تنظيم انتخابات، منتصف العام الجاري، في ظروف “غير شفافة”. وشدّدوا على ضرورة تغيير اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات، التي قالوا إن المعارضة غير ممثلة فيها وذلك “لضمان أبسط معايير الشفافية”.

لكن، تواجه المعارضة تحدي تزويد الناخبين برسالة متماسكة لتصبح خيارا بديلا في السباق الرئاسي المقبل.

وفي تفاعل مع مطالب المعارضة، تظاهر موريتانيون في شوارع نواكشوط للمطالبة بضرورة تغيير اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات، وجعلها مناصفة بين أحزاب المعارضة وأحزاب الأغلبية الحاكمة، لكن ردت الحكومة باقتراح زيادة أربعة أعضاء من المعارضة إلى اللجنة، مع الإبقاء على الأعضاء الحاليين وعددهم 11 عضوا.

رفضت المعارضة هذا المقترح متمسكة بتقاسم اللجنة مع أحزاب الأغلبية، الأمر الذي قد يوسع من رقعة الغضب، خاصة وأن البلاد تملك الأرضية الخصبة، فرغم الإصلاحات التي تحسب للرئيس الحالي محمد ولد عبدالعزيز إلا أن البلاد ترزح تحت طائل من المشاكل الاجتماعية المزمنة، من الوضع الاقتصادي المترهل إلى تشديد الضغط على الاقتصاد العام في السنوات الأخيرة، بالإضافة إلى الحساسية الأمنية، حيث يظل تهديد الإرهاب الجهادي مستمرا عبر الحدود مع مالي.

ويرى عدد من الباحثين الموريتانيين والمغردين على تويتر أن موريتانيا يمكن أن تحذو حذو السودان والجزائر، مستحضرين احتجاجات سنة 2011، التي جاءت كتفاعل مع ما شهدته مصر وتونس، وغيرهما، واليوم يتكرر سيناريو التأثر بالجزائر والسودان.

ورغم أن التحركات التي يشهدها الشارع الموريتاني، كما سقف المطالب، مازالت محدودة، إلا أن بول ميلي، الباحث المتخصص في الشأن الأفريقي في المعهد الملكي البريطاني للسياسات الخارجية (تشاتام هاوس)، يؤكد أن البلاد تقف عند مفترق حاسم.

ويربط ميلي، في دراسة نشرها تشاتام هاوس مؤخرا، بين هذا التغيير والرئيس الذي سيتم اختياره، وهل سيواصل السير على نفس نهج ولد عبدالعزيز الإصلاحي، أم سيغرق البلاد في دوامة الفوضى.

يفسر هذا إلى حد بعيد لماذا تبدو الحكومة الموريتانية قلقة من التحديات التي تطرحها قوى الإسلام السياسي تحديدا، والتي تسعى إلى الدخول عبر الثغرات التي يولّدها غياب الثقة المزمن بين الحكومة والشعب.

السباق الرئاسي في موريتانيا سيختبر قدرة النظام على التطور بعد 11 عاما من قيادة ولد عبدالعزيز، في الوقت الذي تسعى فيه الحكومة إلى احتواء تحدي المعارضة المتزايد

وتعمل موريتانيا على إعادة موازنة علاقاتها الدولية، وعلى الأخص عبر الدور المركزي الذي لعبته في تشكيل مجموعة دول الساحل الخمس في فبراير من سنة 2014، لتنسيق التعاون الإقليمي ومتابعته. بالإضافة إلى هذه المبادرة، تعمل موريتانيا على تعزيز علاقاتها مع دول جنوب الصحراء ودول الخليج العربية. وترتبط إعادة توجيه البلاد دبلوماسيا واقتصاديا بمحاولات الحكومة الرامية لمعالجة الفقر والبطالة والإحباطات الاجتماعية التي تغذي جاذبية الأيديولوجيا المتطرفة وتزيد من التجنيد الجهادي.

وفي حال، تطورت الأوضاع إلى الأسوأ في هذا البلد الأفريقي فإن الكثير من هذه المخططات يمكن أن تنسف. ويشير ميلي إلى أن السياق الاجتماعي والسياسي الذي تتخذ فيه الخيارات معقد، ولا يمكن اعتباره طريقا واضحا أو مباشرا.

ويمكن أن تخلف إجراءات القادة السياسيين والمجتمع الأوسع خلال هذه الفترة الحرجة عواقب كبيرة وطويلة المدى في تحديد مسار تطور البلد.

وستختبر هذه الفترة قوة النظام وقدرته على التكيّف للحفاظ على زمام السلطة وضمان العمل السلس للحكومة في ظل بيئة سياسية متطورة. كما ستمثل الأشهر المقبلة اختبارا للمعارضة أيضا، إذ يجب عليها التحضير للانتخابات الرئاسية وما بعدها.

سيختبر السباق الرئاسي في موريتانيا قدرة النظام على التطور بعد 11 عاما من قيادة ولد عبدالعزيز. في الوقت الذي تسعى فيه الحكومة إلى احتواء تحدي المعارضة المتزايد. لكن، يمكن أن تصبح الحملة الساعية للحفاظ على الهيمنة محركا للتغيير الاجتماعي والاقتصادي، إذ يمكن أن يقوض الفشل في تحقيق الرخاء والاستحقاقات للسكان، السلطة السياسية للنظام وأن يقلب موازين القوى لصالح المعارضين والنقاد داخل المجتمع المدني وتلحق بذلك موريتانيا بالجزائر والسودان.

/alarab.co.uk

جديد الأخبار