الخيار الوسطي..(خير الأمور أوسطها)

أربعاء, 27/05/2020 - 15:29

لقد فرض التعامل مع فيروس كورونا المستجد الذي انتشر دون سابق إنذار علي البشرية رهانا صعب المنال علي الأقل في المدى القريب.

وفي هذا الخضم تسعي شعوب العالم، بكل ما أوتيت من قوة، أن تواجه تحديا من نمط جديد. إنه التحدي الذي يجوز لنا أن نصفه اليوم بعد الدمار الذي نجم عن تفشي الوباء، بالتحدي ثلاثي الأبعاد، إذ يترتب علينا ونحن نسعى لمواجهته الانطلاق من مجالات ثلاث هي: الصحة والاقتصاد والحرية. كما أن علينا ونحن في وضع المواجهة أن نعي جيدا كيف نوائم بين هذه الأقطاب الثلاثة دون الإخلال بأي منها.

ولعل الحكمة تكمن في إيجاد حل مناسب لجذور معادلة صعبة يتم بواسطته المحافظة على الصحة العمومية وديمومة النشاط الاقتصادي وفضاء حرية المواطن ضمن استراتيجية منسجمة ومتعددة الجوانب.

لقد كانت هذه هي الفلسفة والرؤية العميقة التي أسست عليها موريتانيا استراتيجيها في مواجهة جائحة كوفيد-19 .

إن البعد المنطقي في تسيير هذه الأزمة، يكمن، دون أدنى ريب، في فلسفة التشاور وتقاسم الأدوار وإقحام كل الفاعلين، بعيدا عن النزوات الشخصية والممارسات البدائية التي تنمي إلى حد كبير الجنوح نحو النرجسية والأنا الخارق.

ومن أجل اتخاذ سلسلة القرارات، اختارت السلطات العمومية نهج العقلانية من خلال توسيع دائرة الرؤية. وهكذا اعتمدت علي خبرات المجلس الأعلى للفتوى والمظالم، أعلى هيئة دينية في البلاد، مع الاستئناس بتجربة الدول التي اجتاحها الوباء إبان ظهوره.

لقد اعتمدت المقاربة على وضع استراتيجية عامة منسجمة، ومندمجة تأخذ في الحسبان مرونة منبثقة من متطلبات تطور الوضعية الوبائية، في كل مرة، ومجابهتها بترسانة من الإجراءات الوقائية التي يتم تنشيطها وفق مقتضيات المرحلة.
فقد ابتعد قطاع الصحة عن الخيارات العشوائية التي لا تجدي نفعا ليعتمد منهجا علميا يمكن القطاع من الانسجام مع التوصيات الصادرة عن منظمة الصحة العالمية، المرجع الأوحد في الموضوع..

وبالفعل شكل ذلك خيارا أمثل كان له دور أساسي في تجنيب المواطنين عواقب وخيمة.
ولم يقتصر علي هذا الحد، بل تكيف النظام الصحي، بطريقة طردية وسريعة مع المقتضيات الفنية، رغم قلة الطواقم الطبية وشح الوسائل والتجهيزات ليتمكن، في النهاية، من خوض مقاومة قوية بما هو متاح، حيث تم تجهيز مراكز عزل للأشخاص المخالطين ومتابعة صحية للمشتبه فيهم والتكفل بالمرضى والقيام بالكشف مع الكشف يوميا، بما تقتضيه الشفافية القصوى، عن الحالة الوبائية في البلاد.

وعلى المستوى الاقتصادي كانت الإجراءات صارمة، حيث تم إغلاق الأسواق وتوقيف النشاط غير المصنف الذي يقتضي تجمع المواطنين وتم عزل الولايات و وإغلاق الحدود من أجل الحد من توسيع الدائرة الجغرافية لتفشي الوباء..

بيد أنه لم يخلُ الأمر، في كل سانحة، من تخفيف تلك الإجراءات الاحترازية لئلا يؤثر ذلك، قدر الإمكان، على أدنى حد من طبيعية الحياة الاقتصادية والنشاط الاجتماعي.. ولصون الحريات الشخصية والجماعية قدر المستطاع..

واستطاعت السلطات العمومية، كذلك، أن ترسي دعائم مستوى من التعاون المشترك رفدته وثبة تعاضدية لا مثيل لها من أجل تعبئة موارد مالية للتكافل الاجتماعي ضد الوباء وتداعياته.. وتم إشراك المعارضة والمجتمع المدني والوسطاء المختلفين بصورة جوهرية في تسيير تلك الموارد..

وبحكم هذا، من حقنا أن نعترف أن السلطات العمومية قد استطاعت أن تمنح القوس لباريها عن طريق خيارات وسطية مضبوطة ومعتبرة، بصورة ذكية، تستجيب لمختلف مقتضيات المعادلة المتمثلة في الصحة والاقتصاد والحرية...

ومكن هذا الخيار، حتى الآن، من الحد من تفشي الوباء الذي ما زال يفتك بشعوب دول أخرى تمتلك نظما تفوق وسائلها ما لدينا من وسائل بكثير...

ولكن هذه الإستراتيجية، بكل ما تمتلكه من نجاعة، تبقى مرهونة بمستوى تجاوب كل المواطنين معها.. لأنه، كما قال رئيس الجمهورية في خطابه إلى الأمة بمناسبة عيد الفطر المبارك، فإن: "أثر سلوك كل منا إزاء الإجراءات الاحترازية والوقائية، يتعداه شخصيا ليطال المجتمع بأسره سلبا أو إيجابا".

الوكالة الموريتانية للأنباء

جديد الأخبار