مغرب المستقبل ومستقبل المغرب .... رشيد الركراك *

أحد, 12/07/2020 - 20:36

بعد مرور أكثر من عقدين من الزمن على اعتلاء جلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده لعرش أسلافه الميامين، لا يمكن لأي مغربي أو أجنبي أن يتنكر للمشاريع الاقتصادية والإصلاحات الحقوقية والسياسية والقانونية والتشريعية والإدارية الكبرى التي أطلقها عاهل البلاد، وبدأت نتائجها تظهر على أرض الواقع، الأمر الذي جعل المغرب مؤهلا أكثر من أي وقت مضى لريادة القارة السمراء والمنطقة المغاربية، لقد بدت رغبة العاهل المغربي واضحة في تحقيق مشروع مجتمعي يقوم على انخراط المغرب في مناخ تعمه الديمقراطية والحداثة منذ 23 يوليوز 1999، وكشف جلالته في هذا الصدد عن رؤية ومبادرات جريئة لإعادة هيكلة المجتمع، من خلال إعادة الاعتبار لدور الأسرة وتكريمه المرأة ومنحها كافة الفرص للانخراط في العمل السياسي وتحمل كبرى المسؤوليات في الدولة، وتكريس ثقافة حقوق الإنسان وثقافة المواطنة وسياسة القرب والمشاركة المواطنة وتحديث الإدارة وعصرنتها، وإصلاح القضاء وترسيخ التضامن الاجتماعي.

إن محمد السادس وبعد واحد وعشرين سنة من جلوسه على كرسي العرش يكون قد جعل من المغرب واحدا من البلدان القلائل في العالم العربي والقارة الإفريقية التي تخطو بخطى ثابتة نحو التنمية المستدامة، وذلك من خلال تركيزه على بناء اقتصاد عصري وحديث، مع العمل على الانفتاح بشكل متدرج ومدروس على القارة الإفريقية، دون أن يغفل تقوية العلاقات التجارية مع الاتحاد الأوروبي وآسيا وأمريكا وتوفير المناخ الملائم لجلب الاستثمارات الأجنبية للمغرب من خلال تشييده لمشاريع عملاقة في مجال الطاقة والصناعات الميكانيكية والإلكترونية، وقد ظهر ذلك جليا من خلال خلق أقطاب صناعية جديدة وذكية ذات مواصفات عصرية بكل من طنجة الدار البيضاء والقنيطرة، غير أنه موازاة مع المجهود الاقتصادي الكبير لعاهل البلاد، والذي تم بذله على مدى أكثر من عقدين من الزمن لا تزال بعض الفوارق الاجتماعية تمثل شرخا عميقا داخل الوطن، فما هي يا ترى أسباب عدم إقلاع المغرب خصوصا على المستوى الاجتماعي؟ وما هي العوائق الحقيقية التي تحول دون تحقيق تنمية شمولية على الرغم من كل الجهود المبذولة؟

لقد أقر المغرب رسميا بفشل منظومته التنموية السابقة، واقتنع الجميع بعجز السياسات العمومية المتبعة من طرف الحكومات التي تناوبت على السلطة طيلة العقدين الأخيرين عن الحصول على نسبة نمو معقولة كفيلة بتشغيل العاطلين، وبخلق الثروة وتوزيعها في إطار قواعد الإنصاف والعدل والتوازن وتوفير العيش والسكن اللائقين للجميع سواء بالعالم القروي أو الحضري.

إن سبب فشل النموذج التنموي لا يمكن تشخيصه في دراسة أو مقال، وعموما فاللجنة التي شكلها جلالة الملك والتي يترأسها السيد شكيب بنموسى ما زالت تقوم بأشغالها والجميع ينتظر تشخيصها للأعطاب السابقة وتوصياتها للإقلاع السليم، غير أن أهم أسباب الفشل للنموذج الحالي من وجهة نظري المتواضعة هي غياب الاهتمام لدى الدولة بالطبقة الوسطى، وعدم وجود أي تصور عمودي لصناع القرار لجعل هذه الطبقة طبقة مواطنة لها تطلعات تاريخية في بناء وطن يسع الجميع، حيث أصبحت هذه الطبقة غارقة في هموم الكلفة الاجتماعية وتفاصيل تدبير المعيشة اليومية مما جعلها تبتعد يوما تلو الآخر عن الخوص في السياسات العمومية والابتعاد عنها، لفائدة قلة قليلة من أصحاب المال والأعمال الذين وجدوا الباب مفتوحا على مصراعيه لولوج عالم السياسة ومن خلالها تدبير الشأن العام، كما أن الدولة فشلت بشكل أو بآخر في منح الأولوية للتربية من خلال تخلفها عن زرع القيم النبيلة للناشئة سواء داخل الأسرة أو المدرسة أو المجال العام، مما جعل المغرب ينتج إن صح التعبير فئة مهمة من الشباب تعد بحق عائقا أمام التنمية، شباب بدون روح ولا رؤية مستقبلية ولا طموح، لأجل ذلك لا بد من تعزيز فرص الشباب داخل المجتمع من خلال خلق فرص الشغل وتعزيز ثقتهم في وطنهم وإعداد برامج مواطنة خصيصا لهم، وفق مبدأ رئيسي يقوم على الاستثمار في تنمية المهارات وتقوية الكفاءات والثقة في النفس، وهذا الأمر لن يتحقق إلا بإصلاح المدرسة العمومية والمناهج التعليمية وخلق فضاءات متعددة الاختصاصات موجهة للشباب في كل القرى والمدن، وتعزيز الفرص العادلة لمشاركة الشباب إناثا وذكورا في تدبير الشأن المحلي وولوج سبل تدبير الشأن العام دون الحاجة إلى دعم من هذا أو وساطة من ذاك.

إن الإنسان هو الذي يصنع تاريخه وهو من سيصنع طبعا طريق مستقبله، فالمستقبل القريب لا يمكن أن يكون أحسن حالا من الماضي إذا لم نقم جميعا بصنع غدنا كما نحلم به جميعا، ولعل أجمل حلم هو أن نعيش في ديموقراطية حقيقية يتشارك فيها جميع المغاربة في تشييد تنمية اقتصادية واجتماعية شاملة وبالتالي إخضاع كل البرامج للاختيار الديموقراطي ومحاسبة كل ممارس للسلطة في الجوانب المسؤول عنها.

جديد الأخبار