
مع التقدم الذي حصل في التحضير للحوار أو التشاور السياسي الموعود منذ أكثر من سنتين، ومع أن الرئيس الغزواني وافق على مبدأ تعيين شخصية تمثله مستقلة عن المعارضة والمولاة للإشراف عليه، فلا شيء حتى الآن يدل على قرب انعقاده، فالصمت سيد الموقف هنا والتشكك في نيات السلطة هو سيد الموقف هناك.
ويظل الأمر الجديد في هذا الاستحقاق الذي يعول عليه المعارضون والذي يرى فيه الموالون “تكرماً من الرئيس الغزواني”، هو كثرة الأسئلة المطروحة من جميع الاتجاهات حول الحوار: فهل ما تزال السلطة راغبة وجادة في انعقاده، أم إن الأمر مجرد ملهاة سياسية، أم إن هناك أولويات لدى السلطات، أهم من ترف الحوار ما تزال تحول دون انعقاده وتنظيمه؟
وقد حرصت الحكومة على لسان الناطق باسمها الأستاذ المختار ولد داهي على التأكيد بأن انطلاقة التشاور وملف التشاور السياسي شأن يخص الأحزاب السياسية.
والمتفق عليه حتى الآن هو أن طرفي المولاة والمعارضة قد قررا منذ أسابيع، أن تتشكل لجنة الإشراف على الحوار من 12 عضواً بمعدل ستة ممثلين عن كل طرف، كما وجها طلباً للرئيس لتعيين شخصية مستقلة توافقية للإشراف على هذا الكشكول.
ومعلوم أن وجود شخصية بالمواصفات المقبولة للإشراف على الحوار أمر بالغ الصعوبة؛ لأن انشغال الموريتانيين المفرط بالسياسة جعل من المستحيل وجود شخصية غير مصنفة هنا أو هناك.
ووصفت محلل سياسي معارض الشخصية المطلوبة لإدارة الحوار بأنه “يجب أن يكون نظيف اليد مجرباً وبأن “لا يكون لسانه في جيبه”، كما يقال.
ومع ندرة هذه الشخصية، فإن رئيس الجمهورية الذي تولى إدارة الأمن لسنوات، وقيادة أركان الجيش لسنوات، لا يمكن إلا أن يجد بين هذا العدد الهائل من السياسيين والإداريين المتقاعدين شخصاً توكل إليه هذه المهمة.
ويرى مراقبون لهذا الشأن “أنه من مصداقية النظام أن يسرع بعد هذا التأخير الكبير، في حسم قضية الحوار، لأن كبار معارضيه ما زالوا رغم قبوله بالحوار، متشككين في اهتمامه بتنظيمه وحتى بتطبيق مخرجاته، إن هو تمخض عن مخرجات”. وفيما الأمور واصلة إلى هذا الحد، تضاربت آراء السياسيين الموريتانيين إزاء قضية الحوار وذلك في نقاشات عرضتها منصة “مجابات” الموريتانية، شارك فيها عدد كبير من رجال السياسة.
يقول النائب المعارض محمد بوي الشيخ محمد فاضل: “الحوار قضية غير ديمقراطية، فالديمقراطية الحقيقية هي احترام آجال الاستحقاقات الانتخابية واللجوء إلى صناديق الاقتراع؛ لذا فالمطلوب من الحكومة هو تكريس الوقت الذي خصصه لها الشعب للإنجازات وليس للاستهلاك السياسي؛ ولهذا فالحوار السياسي خلف أبواب مغلقة بانتقاء لأشخاص لم ينتخبهم الشعب الموريتاني هو تمالؤ مضاد للتطوير الديمقراطي”.
وقال: “لذا أنا مبدئياً، أنصح رئيس الجمهورية أن يخصص هذه الفترة التي منحهم إياها الشعب لحل مشاكل المواطنين”.
وفي مداخلة أخرى، يقول نور الدين محمد منسق مشروع “إلى الأمام موريتانيا” وهو مشروع حزب إصلاحي شبابي قيد الترخيص: “نحن نهتم بالحوار من منطلق أنه قد يمكن من إنجاز أي خطوة تساهم في تقدم البلد”. وأضاف: “المتعارف أن المهم من الحوارات هو ما يتمخض عن تغييرات كبرى، وليس ما عهدناه هنا، ورأينا هو أن يركز الحوار على إعادة بناء موريتانيا وإعادة بناء منظومتها الدستورية بما يضمن ظهور جمهورية ثالثة جديدة، لا مجرد حوار لترضية أطراف أو لتنظيم حفلات”.
وفي رأي آخر، يقول أحمد ولد هارون منسق نداء 8 سبتمبر الشبابي المعارض: “هذا الحوار المرتقب هو مجرد تمديد لحالة من الوهم تعيشها الدولة الموريتانية منذ قرابة ثلاث سنوات”.
وقال: “هذا الوهم يقوم على أسس الأول عبارة عن “تعهداتي” أي عنوان حملة الرئيس، والحوار نفسه تعهد وعد به الرئيس طرفاً من الأحزاب السياسية، ولا نستبعد أن يتمخض هذا الحوار عن “تعهدات” أخرى لأن من أخرج للمجتمع كله تعهدات يمكنه أن يخرج بأخرى لأحزاب سياسية معدودة”.
أما الدكتور محمد ولد مولود، رئيس حزب اتحاد قوى التقدم المعارض والمهادن، فقد ركز تدخله على العودة للمراحل التي مر بها الحوار منذ بدأ التفكير فيه إلى اليوم، فقال: “قبل أكثر من سنتين اتصلنا برئيس الجمهورية وطلبنا منه إطلاق حور وطني شامل، وقد أظهر تحفظاً إزاءه لكونه لم يفهم المقصود منه، لكن منذ آب/ أغسطس 2020، أظهر الرئيس تقبلاً لفكرة الحوار، وبدأنا نفكر مع الحزب الحاكم، في الطرق التي يمكن أن ينظم بها هذا الحوار، وتوصلنا في فبراير 2021 لخريطة طريق لهذا الحوار، ومنذ ذلك التاريخ حدث تباطؤ ليس مبرراً، لكن فرضته الحالة، والمسؤولية عنه تتقاسمها أطراف من الموالاة وأطراف من المعارضة”.
وقال: “لقد قامت في مارس/أذار 2021 حملة تعبئة شاملة لضمان مشاركة الجميع في الحوار وهو ما حدث بالفعل، حيث عبر الجميع عن الاهتمام بالمشاركة، قبل أن يعطي الرئيس الموافقة على الحوار في أغسطس/ آب 2021، ثم كان الاجتماع الذي عقد في أكتوبر/تشرين الأول 2021 بين جميع الأحزاب، بحضور المرشحين السابقين للرئاسة، وقد تمخض الاجتماع عن الاتفاق على تعيين لجنة إشراف من 12 عضواً: ستة يمثلون المولاة وستة يمثلون المعارضة، وهو ما يتواصل التشاور حوله منذ ذلك الوقت، وبقي التفكير يحوم حول رئاسة اللجنة حيث اقترحت الأغلبية أن تتولى الرئاسة واعترضنا نحن في المعارضة على ذلك وأكدنا أن الأغلبية طرف وأنه لا يمكنها أن تكون طرفاً ورئيساً في ذات الوقت، واقترحنا أن يعين رئيس الجمهورية ممثلاً له وقد وافق على ذلك قبل أسبوعين من الآن”.
وقال: “هناك بعض القضايا الجزئية التي تحتاج للضبط، لكن الحوار يمكن أن يبدأ فليست أمامه أية عرقلة في الوقت الحاضر، ويكفي أسبوعان لاستكمال تشكيل اللجنة المشرفة عليه”.
وأضاف ولد مولود: “أريد أن أبلغ الرأي العام بأن الحوار المرتقب ليس الغرض منه ترضية المعارضة ولا تأكيد الحرص على التهدئة، فهدفه أكبر من ذلك وهو حماية موريتانيا من المخاطر الداخلية والخارجية المحيطة بها والتي تهدد كيانها”.
وقال: “مستقبل موريتانيا يتطلب أن يجلس أبناؤها من كافة الأطياف على طاولة التفاوض، وأن يطرحوا بشكل صريح كافة المشاكل التي تهدد البلد وأن يبحثوا لها عن حلول وعن إصلاحات، وهو ما سيضمن الاستقرار والسلم المنشودين”.
نواكشوط – «القدس العربي»: