صادف القرار المتعلق بتخلي الحكومة الموريتانية عن نسبة 30% من دعم سعر الوقود، والذي أكدت الحكومة أنها اضطرت لاتخاذه، ظرفا صعبا بالنسبة لنظام الرئيس الغزواني، المستهدف منذ أشهر بحملة انتقاد شديدة لأداء حكومته ونظامه.
فقد فجّر هذا القرار احتجاجات بعضها متواصل وبعضها الآخر مبرمج نهاية السبوع الجاري، وأهمها المسيرة التي يخطط إسلاميو “حزب التجمع”، ذي القدرة التعبوية الواسعة، لتنظيمها يوم السبت المقبل.
ولمواجهة مطبات الظرفية غيّر الرئيس غزواني اسم الحزب الحاكم ورئيسه وخطابه السياسي، كما برمج زيارات في الداخل لتدشين سدود ومشاريع زراعية.
هتافات الملعب
وجاءت هتافات أطلقتها جماهير ملعب العاصمة في وجه الرئيس الغزواني، الذي جاء ليشرف على نهايات مباريات كأس الرئيس، والمصحوبة بشعارات تتحدث عن ارتفاع أسعار المحروقات في البلاد، لتبرز درجة التذمر الملاحظة منذ بعض الوقت.
وأخطر من ذلك أن المحتجين رددوا ضمن هتافاتهم اسم «عزيز»، وهو ما أثار جدلا في مواقع التواصل الاجتماعي، بين من يقول إنهم يهتفون باسم الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز، فيما قال آخرون إن الهتاف باسم رجل الأعمال عزيز بو غربال، أحد ملاك فريق «أفسي نواذيبو» المشارك في المباراة.
مؤسسة المعارضة تحتج
ونددت مؤسسة المعارضة الديمقراطية، التي يتولى الإسلاميون رئاستها الدورية، بما سمته «مضاعفة معاناة المواطن من خلال هذه الخطوة المرتجلة»، وطالبت الحكومة «بالتراجع الفوري عن زيادة أسعار الوقود وتكثيف العمل لتلافي تدهور أوضاع المواطنين قبل فوات الأوان».
ودعت مؤسسة المعارضة القوى الحيّة للقيام بدورها في التضامن مع المواطن والضغط على الحكومة للتراجع عن هذا القرار.
ووصفت المؤسسة قرار زيادة أسعار الوقود بـ «الخطوة الصادمة للمواطن وللرأي العام الوطني»، مؤكدة «أن القرار خلّف استياء عارما في الشارع خاصة لدى الطبقات الهشة التي تكتوي بنار الأزمة الاقتصادية في ظل غياب برامج حكومة مؤثرة».
كتلة التغيير والمغالطة
وعبّرت كتلة التغيير الجاد، التي يرأسها النائب البرلماني المعارض محمد الأمين ولد سيدي مولود، عن إدانتها قرار الحكومة رفع أسعار المحروقات، ووصفته بالقرار الكارثي وأنه «ضربة موجعة للشعب وخاصة الفقراء».
وجاء في بيان صادر عن الكتلة: «نعتبر أن الحكومة غالطت الشعب وخدعته بالتزامات قبل أشهر قليلة، بعدم تأثر أسعار الوقود والغاز بأي إجراء، وها هي اليوم تعلن هذه الزيادة التي ستؤدي حتما إلى غلاء البضائع وخاصة المواد الغذائية وتكاليف نقل الركاب».
وحمل البيان الحكومة والنظام ما قد ينجر عن هذا القرار من تبعات، واستغرب «تزامنه مع زيادة الإنفاق العام ليصل إلى عتبة لم يصل إلية قط (1000 مليار أوقية قديمة)».
ودعت الكتلة قوى الشعب الحية إلى «التحرك السريع من أجل الضغط على النظام للتراجع عن هذا القرار المؤسف والموجع».
ووصف البيان النظام بأنه «فشل في كل السياسات التنموية، وكانت قراراته وبالاً على الشعب ابتداء بحماية المفسدين ونهب المال العام وإعادة الثقة فيهم، وصولاً إلى مشكل ارتفاع الأسعار وضعف الرواتب رغم الزيادات الصاروخية في الإنفاق العام».
كما شددت على أنه «آن الأوان لمراجعة العلاقة مع النظام الحالي وحزبه (بجميع نسخه) المحكوم به بشكل مباشر منذ 2008، وفك الارتباط به، والتخلص من الولاء والتأييد له».
نقابة الشغيلة قلقة
ونددت الكونفدرالية الوطنية للشغيلة الموريتانية بقرار الحكومة زيادة أسعار المحروقات بنسبة قاربت 30% ووصفته بـ «الإجراء البالغ التأثير».
ودعت الحكومة «إلى الرجوع عنه واتخاذ تدابير راشدة تجنِّب البلاد المزيد من الأزمات».
كما دعت الكونفدرالية العمالية كافة القوى الحية خاصة النقابية إلى اتخاذ الإجراءات المدنية السلمية الضامنة لتراجع الحكومة عن هذا القرار، والعمل على خفض الأسعار، وتحسين ظروف حياة المواطنين، وتعزيز السلم الاجتماعي».
ورأت الكونفدرالية «أن الغريب في الأمر أن أسعار النفط بدأت تنخفض عالميا، وتعود إلى ما كانت إليه قبل الحرب الروسية الأوكرانية، لكن الحكومة الموريتانية قررت رفع أسعار المحروقات رفعا صادما بنحو 30%، مؤكدة أن ذلك يعني تلقائيا مزيدا من ارتفاع الأسعار البالغة حدا لا يطاق أصلا، ويعني ذلك تنامي معاناة المواطنين عامة والعمال خصوصا».
آراء المدونين
وفي رأي قريب من الموالاة، كتب القيادي الإسلامي البارز جميل منصور، في تدوينة حول الموضوع: «الحديث عن انتفاضات ومظاهرات غاضبة، حديث خارج السياق، والإسقاطات مع وجود الفارق خطأ على المستويين التكتيكي والاستراتيجي».
وقال «الاعتراض على سياسات الحكومة وارد ومطلوب، وأسلوب الاعتراض يأخذ شكله باستحضار أوضاع البلد وبعيدا عن تضخيم ومبالغات لا يسعفها الواقع؛ أما الحكومة فعليها أن تدرك أن الناس وهم يشاهدون الإسراف في بعض مظاهر الإنفاق، ويحسون التساهل في استرجاع المنهوبات والتعايش مع مفسدين ومظاهر فساد، لن يتقبلوا تفسيرات زيادات في الأسعار تطحنهم في حياتهم اليومية وقوت معاشهم الضروري».
وكتب الإعلامي حنفي دهاه عن تداعيات أزمة الوقود والحل الممكن لتجاوزها فقال «أعتقد أنه كان ينبغي التدرج في الزيادة التي فرضتها ظروف قاهرة: ارتفاع الأسعار عالميا وعجز ميزانية الدولة عن مواصلة الدعم، فلا تكون الزيادة بنسبة 30٪ دفعة واحدة، وأن تتم تهيئتها والإعداد لها إعلامياً: فلو أن الدولة مهدت للأمر بإعلان سياسة تقشف قبل رفع أسعار المحروقات، فأوقفت السيارات الحكومية في غير أوقات الدوام، ونقصت قليلاً من رواتب كبار المسؤولين مثل الرئيس ووزرائه ومدراء الشركات الكبيرة، لكان من شأن ذلك أن يخفف من وقع الزيادة المفاجئة»
القدس العربي