اندلع خلاف قانوني مصحوب بجدل بين النيابة العامة بولاية الحوض الغربي (شرق موريتانيا) وهيئة المحامين الموريتانيين، وذلك بعد أن طلبت النيابة من الهيئة تمكينها من استجواب أحد المحامين في قضية تتعلق باتهام مفوض شرطة مدينة العيون باستلام أموال مقابل حمايته من المتابعة.
ويعود أصل هذه القضية إلى تعهد المحامي معمر محمد سالم بالدفاع عن الطرف المدني في قصة قتيل وجد مرمياً قبل شهر في بئر بمدينة الطينطان شرق موريتانيا، واعترف متهمون بقتله في مقطع فيديو مسرب.
وفي إطار تعهد المحامي بالدفاع عن الطرف المدني، ظهرت عناصر جديدة تتعلق بتصريح مدون في محضر أمام قاضي التحقيق، وفي إشعار قام به قاضي التحقيق موجه لوكيل الجمهورية لأحد المتهمين بأنه، أي المدون، “منح الأموال التي كانت لدى الضحية، والتي تبلغ قرابة 6 ملايين أوقية موريتانية (85 ألف دولار) لمفوض الشرطة وشخص معه، على أن يحموا المتهمين بالقتل من المتابعة”.
وعلى هذا الأساس تقدم المحامي، وفقا لتصريحات لنقيب المحامين الموريتانيين الأستاذ إبراهيم ابتي، “بطلب في يوم 25 يوليو 2022، أمام القاضي حول مصير المبالغ التي كانت موجودة مع المتوفى، فيما تقدم القاضي بإشعار للنيابة العامة بالوقائع الجديدة”.
واعتبر ولد أبتي “أنه بدل أن يُبحث عن كل ما له صلة بجريمة القتل، وما إلى ذلك، “أصبح البحث عن طريقة يكون زميلنا كبش فداء بها، في الوقت الذي يجب أن يكون البحث عن مصير المبالغ المذكورة”.
وذكر ولد أبتي “أن ابن المتوفى نشر مقطعا صوتيا تحدث فيه عن المبالغ التي كانت بحوزة والده، وعما صرح به المتهم من منحها لمفوض الشرطة مقابل حمايته من المتابعة”.
وتحدث ولد أبتي “عن تقديم الشرطة لشكاية من المحامي بعد بث التسجيل الصوتي لابن الضحية، “لتقدم النيابة إشعارا للنقيب بطلب استجواب المحامي”، معتبراً، في تصريح لوكالة “الأخبار” الموريتانية، “أن القضية مجرد محاولة إيقاع بالمحامي واعتداء على أسرار زبائن مكتبه المحمية بالمادة 44 من قانون المحاماة”.
واحتجت هيئة المحامين على استدعاء النيابة للمحامي معمر محمد سالم، وأكدت أن مجلس الهيئة سيظل في حالة انعقاد دائم من أجل متابعة هذا الموضوع واتخاذ الإجراءات المناسبة في وقتها.
وأضافت، في بيان احتجاجي، “أن موضوع الاستدعاء المذكور يتعلق بوقائع يُدعى وقوعها داخل مكتب المحامي بينه وبين زبونه، فهي مشمولة بالسر المهني المحمي بالقانون، والذي يؤدي المحامي اليمين على حمايته”.
واعتبر البيان “أنه لا يمكن مساءلة المحامي حول الوقائع المتعلقة بالآراء والإجراءات التي يقوم بها أثناء ممارسته لمهنته أو بمناسبتها، وذلك استنادا على حصانة الدفاع التي تكرسها المادة 44 من قانون المحاماة”.
وأشار بيان الهيئة “إلى أن حماية مكتب المحامي ومراسلاته، تعد من أهم ركائز دولة القانون والحريات، القائمة على تكريس ضمانات المحاكمة العادلة وتحقيق الأمن القضائي، وقد نصت عليها قوانين المحاماة وكرستها الاتفاقيات الدولية”.
ولم يكد بيان هيئة المحامين ينشر، حتى سارعت النيابة العامة بولاية الحوض الغربي للرد عليه، مؤكدة أنه “عقب تداول ونشر معلومات تفيد بتسليم متهم بجريمة قتل لمبلغ مالي كبير لضابط شرطة قضائية مقابل حمايته، تقدمت الإدارة العامة للأمن الوطني بشكاية إلى النيابة العامة في الحوض الغربي، وتضمنت الشكاية أن الإدارة العامة للأمن الوطني، وكمبدأ، لم ولن تحمي أو تكون ظهيرا لأي موظف من موظفيها ثبت بالوقائع والأدلة ارتكابه فعلا أو أفعالا مجرمة، وعليه فإنها تطلب فتح تحقيق في القضية لا يستثني أحدا، إحقاقا للحق ونصرة للعدالة”.
يضيف البيان: “وبناء على هذه الشكاية، باشرت النيابة العامة في ولاية الحوض الغربي التحقيق في القضية، واستمع في إطار التحقيق لجميع الأشخاص الذين اقتضى الأمر الاستماع إليهم، وأشارت المعطيات إلى ضرورة الاستماع إلى أحد المحامين، بعد أن قادت الأدلة المتوفرة إلى الاشتباه في ارتكاب جريمة سيبرانية”.
وأوضح البيان “أن الوقائع التي اقتضت الاستماع للمحامي لا تتعلق بحقوق الدفاع، ولا بأمور مشمولة بالسر المهني، ولا بمكتب محاماة، بل هي وقائع يشتبه في تعلقها بجريمة سيبرانية أضرت بأشخاص وهيئات محمية قانونا، وقعت بشكل منفصل عن حق الدفاع، وبعيدة منه بشكل مطلق، وتتنافى تماما مع أدبيات وأخلاق مهنة المحاماة”.
وزادت النيابة مؤكدة: “التحقيق في هذه الوقائع هو لمصلحة العدالة بجميع أطرافها ومنتسبيها والمتعلقين بها، وغير موجه ضد أحد”.
وختم البيان: “إن النيابة العامة، بقدر الحرص على حماية وصون حقوق الدفاع، وخلق جو ملائم للتعاون مع الهيئات القانونية، تحرص أيضا على سلامة الإجراءات القانونية، وحماية أعراض وحقوق الأفراد والهيئات المختلفة، ولا يمكنها تحت أي ذريعة الركون إلى تأويلات بعيدة مخالفة للقانون، تعطي لأشخاص وضعا فوق القانون والمساءلةـ لم يعطه القانون لهم”.