قمة الجزائر : فلسطين أولوية عربية

جمعة, 04/11/2022 - 19:12

بعد انقطاع دام ثلاث سنوات بسبب جائحة كورونا انعقدت القمة العربية الواحدة والثلاثين في العاصمة الجزائرية بحضور جميع الدول العربية ما عدا سوريا. تزينت الطرقات في العاصمة ومنطقة الاجتماعات بأعلام الدول العربية جميعها، كما جرت عمليات إصلاح وتنظيف وطلاء للمباني المحاذية للطرق التي مرت فيها مواكب الزعماء العرب. كما اختارت الجزائر أن تضع قبالة الجامع الكبير مجسمات تمثل جميع الدول العربية مثل الأهرام لمصر وبوابة بابل للعراق وبرج العرب للإمارات. وقد تفنن الحرفيون الجزائريون في إنتاج مجسم ضخم لقبة الصخرة المشرفة في القدس الشريف رمزا لفلسطين، ورسالة للقادة العرب بأن «قمة جمع الشمل» ستكون قمة فلسطين فهي نقاط لقاء بين الجميع وستظل كذلك.
اختارت الجزائر أن تنطلق القمة يوم 1 نوفمبر، الذي يصادف الذكرى الثامنة والستين لثورة الجزائر العظيمة ضد الاستعمار الفرنسي، فهذا التاريخ يمثل نقطة ضوء في تاريخ الأمة العربية الحديث، يذكرهم بالعمل العربي المشترك في دعم ثورة الشعب الجزائري المظفرة. وقد دعي الزعماء العرب لمشاهدة احتفالية بهذه المناسبة في مقام الشهيد، كما دعي وزراء الخارجية لمشاهدة أوبرا متقنة وطويلة تحت عنوان «ألا فاشهدوا» تحكي تاريخ الجزائر من عهد الرومان إلى عهد الاستعمار فالثورة فالاستقلال.
أما موعد انتهاء القمة فقد كان في الثاني من نوفمبر الذي يصادف الذكرى 105 لوعد بلفور البريطاني المشؤوم، الذي أسس لقيام الكيان الصهيوني على أرض فلسطين. تاريخان لهما رمزية كبيرة واحد يذكر الأمة بانتصاراتها عندما تتحد وتعمل معا وتواجه القوى الخارجية المعادية وتسقيها كأس الهزيمة، وواحد يذكر بتفكك الأمة والسماح لأعدائها بتمزيق وحدتها والاعتداء على سيادتها وسلب أراضيها وإنشاء كيان هجين في موقع القلب منها.
نقاط الخلاف
كانت القضية الفلسطينية موضع إجماع، كما أعلن ذلك وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي، لكن ليس كل المسائل كانت موضع توافق أو إجماع وقد جرت نقاشات عميقة خلف الكواليس، وحدثت توترات وانسحابات ووساطات وتهدئة خواطر إلى أن التأم الجميع وعاد التوافق بين الجميع، لينتج بيانا ختاميا جامعا شاملا صدر بالإجماع يوم الأربعاء الماضي عن زعماء الدول العربية المشاركين في القمة تلاه السفير الجزائري لدى الأمم المتحدة نذير العرباوي. تمحورت الخلافات حول مسائل أساسية أولها، التدخلات الخارجية، حيث كانت مصر، مدعومة من دول الخليج، تدعو إلى ذكر إيران وتركيا بالاسم قائلة، إن ذلك قد حدث في القمم الماضية، إلا أن الجزائر أصرت ألا تذكر الأسماء لأن هناك تدخلات إسرائيلية وأجنبية فلماذا لا تكون الإشارة إلى التدخلات الخارجية بشكل مطلق وأيا كان مصدرها وهكذا كان.

كانت قمة فلسطين بامتياز، فقد تصدرت القضية الفلسطينية أولى فقرات البيان الختامي بالتفصيل وأكدت على مركزيتها

وكانت هناك نقطة خلاف حول سد النهضة، وإدانة تعنت إثيوبيا ودعوتها لحوار جاد وملزم وهو أيضا ما تم تجاوزه ليبقى الباب مفتوحا أما الوساطة الافريقية والجزائرية، واكتفي بالإشارة إلى الأمن المائي لجميع الدول العربية ليشمل العراق وسوريا، حيث أشار الرئيس العراقي إلى الممارسات التركية التي أدت إلى شح المياه في بلده وجفاف منطقة الأهوار. وكان هناك خلاف حول الملف الليبي والنص صراحة على إخراج المرتزقة والقوات الأجنبية، وحذفت هذه الإشارة واكتفي بالتأكيد على الحل الليبي- الليبي، الذي يحفظ وحدة وسيادة ليبيا ويصون أمنها وأمن جوارها بالوصول إلى انتخابات في أسرع وقت. وكان هناك خلاف حول تشكيل لجنة وزارية بقيادة الجزائر لعرض مسألة العضوية الكاملة لفلسطين على دورة استثنائية خاصة للجمعية العامة للأمم المتحدة، فاكتفى البيان بدعم جهود دولة فلسطين للحصول على العضوية الكاملة، دون الإشارة إلى تشكيل وفد وزاري. إلا أن الرئيس عبد المجيد تبون ذكر استعداد الجزائر للقيام بهذه المهمة في خطابه الختامي. كما اعترضت بعض الوفود على تضمين البيان ترحيبا خاصا بجهود الجزائر في المصالحة الفلسطينية واقترحوا الإشادة بجميع الجهود العربية لإتمام المصالحة الفلسطينية، وقد قبلت الجزائر أن تشير الفقرة إلى الجهود العربية المبذولة في سبيل توحيد الصف الفلسطيني «والترحيب بتوقيع الأشقاء الفلسطينيين على «إعلان الجزائر» المنبثق عن مؤتمر «لم الشمل من أجل تحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية المنعقد في الجزائر بتاريخ 13 أكتوبر 2022». صحيح لم يتم تخصيص الثناء للجزائر، لكن الجزائر ذكرت مرتين. وليس غريبا أن يتجاهل الرئيس المصري في خطابه مسألة المصالحة الفلسطينية في الجزائر. أثيرت كذلك مسائل ثانوية خاصة مع الوفد المغربي بقيادة ناصر بوريطة، الذي انسحب من الاجتماع في لحظة توتر بسبب خريطة استخدمتها قناة الجزائر الدولية، فتم سحبها واستطاع وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، أن يحتوي المسألة. كما أثيرت ضجة حول منع دخول وفد صحافي مغربي وعندما استفسرنا من المسؤولين أكدوا أن جميع الصحافيين، مغاربة وغير مغاربة ممن سجلوا للاعتماد قبل الموعد النهائي في 30 سبتمبر ثم مدد عشرة أيام أخرى دخلوا البلاد بمن فيهم تسعة صحافيين مغاربة. أما أن تصل المطار مجموعة كبيرة من الصحافيين دون أوراق اعتماد مسبق فلن يسمح لهم بالدخول بغض النظر عن جنسياتهم.
نجاح للجزائر
نجحت القمة العربية، كما قال السيد أحمد أبو الغيط الأمين العام للجامعة العربية، في المؤتمر الصحافي الختامي. لقد وضعت الجزائر جميع الإمكانيات لإنجاح القمة. أعدت الفنادق والمواصلات ورجالات الأمن والتكنولوجيا المتطورة في كل مكتب وقاعة ومنصة. قمة تعقد دون استخدام الورق لأول مرة. فأجهزة الكمبيوتر السريعة والاتصالات الشبكية في منتهى الجاهزية، لم يحدث أي خلل لا من قريب ولا من بعيد، آخذين بعين الاعتبار وصول أكثر من 700 صحافي من كل الأقطار. القمة سجلت نجاحا للجزائر بمستوى الحضور الرفيع الذي قال عنه الأمين العام أبو الغيط من أكثر القمم العربية ارتفاعا في التمثيل. فقط دولتان مثلتا على مستوى وزراء الخارجية (المغرب والسعودية) وبقية المندوبين، إما رأس الدولة، أو نائبه أو ولي عهده. نجحت الجزائر في لم شمل العرب والخروج برؤية توافقية شاملة في جميع القضايا التي قسمت إلى خمسة مواضيع رئيسية أولها، القضية الفلسطينية ثم الأوضاع في العالم العربي، انتقالا إلى بند تعزيز وعصرنة العمل العربي المشترك ثم العلاقات مع دول الجوار والشراكات وأخيرا الأوضاع الدولية.
كل تلك البنود عكست رؤية الجزائر في ضرورة العمل المشترك في كل القضايا وتعريب الحلول، ورفض التدخلات الخارجية وتحديث وتطوير وإصلاح آليات العمل العربي المشترك، خاصة في مسائل الأمن بمفهومه الشامل والأمن الغذائي وتأسيس آليات لدرء النزاعات قبل وقوعها، وآلية وساطة عربية للتدخل في حل النزاعات القائمة. كما دعا البيان إلى إشراك المجتمع المدني وتمكين الشباب، ولعب دور فاعل في القضايا الدولية، ومتابعة الوساطة في الحرب الروسية الأوكرانية.
لقد لعب الرئيس تبون، كما جاء في البيان، دورا محوريا في إنجاح القمة، «لما بذله من جهود في تنظيم وتسيير اجتماعات القمة بكل حكمة وتبصر وتعميق التشاور وإحكام التنسيق وتوفير الشروط كافة لنجاح هذا الاستحقاق العربي المهم الذي سادته روح أخوية وتوافقية مثالية».
ونجاح لفلسطين
كانت قمة فلسطين بامتياز، فقد تصدرت القضية الفلسطينية أولى فقرات البيان الختامي بالتفصيل وأكدت على مركزيتها. وتختلف القرارت عن سوابقها في عدة نقاط:
– ارتقى البند المتعلق باللاجئين الفلسطينيين من «حل عادل»، كما جاء في مبادرة السلام العربية عام 2002 ليثبت هنا «حق العودة والتعويض وفقا لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194 لعام 1948». ولنلاحظ هنا حق العودة والتعويض معا حسب مرجعية القرار المذكور.
– إعادة التمسك بمبادرة السلام العربية لعام 2002، لكن ألحقت بهذا كلمتا «بكافة عناصرها وأولوياتها» والمعروف أن الأولية لتحقيق حقوق الشعب الفلسطيني قبل التطبيع. واعتبر أن هذا البند موجه للمطبعين، ودعوتهم للعودة إلى قرارات الإجماع.
– شملت القرارات دعم القدس ومناهضة تغيير ديموغرافيتها وهويتها العربية الإسلامية والمسيحية، كما طالب بند آخر برفع الحصار عن غزة، وإدانة استخدام القوة من قبل قوات الاحتلال والاغتيالات والمطالبة بالإفراج عن الأسرى والمعتقلين.
– وكخطوة عملية أقرت القمة ضرورة التوجه لحصول فلسطين على عضوية كاملة في الأمم المتحدة، ومحاسبة الاحتلال على جرائم الحرب التي اقترفها وما زال.
– وأخيرا إيجاد آلية عربية لمتابعة الجهود للعمل على تحقيق هدف الوحدة الفلسطينية
أن يلتقي العرب تحت سقف واحد ويتحاورون دون صراخ وانسحاب وتشنجات خطوة في الاتجاه الصحيح. وأن يجتمع العرب ويتخذوا قرارات مهمة وشاملة خطوة ثانية في الاتجاه الصحيح، والخطوة الأخيرة والأهم والتي ينتظرها الشارع العربي هي ترجمة تلك القرارات إلى أفعال وبرامج وإنجازات. إن حدث هذا، فستكون قمة الجزائر هذه قد أسست لمرحلة جديدة من العمل العربي المشترك، علامة يشعر العرب فيها بقوتهم ويستخدمونها في خدمة مصالحهم الجمعية في عالم التكتلات والمنافسات والاصطفافات الإقليمية والدولية.

 

عبد الحميد صيام

أستاذ دراسات الشرق الأوسط بجامعة رتغرز بولاية نيوجرسي

جديد الأخبار