أن تأتي متأخرا خير من أن لا تأتي أبدا. تذكرت هذه المقولة الشهيرة مع الإعلان عن قرب التئام أول قمة صينية- عربية في مدينة الرياض بالمملكة العربية السعودية في شهر ديسمبر سنة ألفين واثنتين وعشرين. كمتابع لمسيرة العلاقات الصينية- العربية على مدى أكثر من ثلاثين عاما، شهدت محطات عديدة في العلاقات بين الجانبين تدفع باتجاه لقاء جماعي لزعماء الدول العربية والصين، لأن مثل هذا اللقاء من شأنه أن يحدث اختراقا في مستوى ونهج العلاقات بين الجانبين.
العلاقة بين الصينيين والعرب، ليست ذات تاريخ طويل فحسب، وإنما أيضا تتسم بدرجة عالية من التوافق والتكامل، ينطبق ذلك على الفترات السابقة لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين الصين والدول العربية وعلى فترة ما بعد إقامة الروابط الدبلوماسية الرسمية بينهما. ومن نافلة القول إن مصر هي أول دولة عربية- وأفريقية- أقامت العلاقات الدبلوماسية مع جمهورية الصين الشعبية، في الثلاثين من مايو عام 1956، وهو اليوم الذي يؤرخ لبداية العلاقات الصينية- العربية والعلاقات الصينية- الأفريقية. كما أن المملكة العربية السعودية هي آخر دولة عربية أقامت علاقات دبلوماسية مع الصين، في يوليو عام 1990. وما بين مصر والسعودية، جاء ترتيب إقامة العلاقات الدبلوماسية بين الصين والدول العربية، على النحو التالي: سوريا والعراق (أغسطس 1956)، اليمن (سبتمبر 1956)، المغرب (نوفمبر 1958)، الجزائر (ديسمبر 1958)، السودان (فبراير 1959)، الصومال (ديسمبر 1960)، تونس (يناير 1964)، موريتانيا (يوليو 1965)، جيبوتي (يناير 1971)، الكويت (مارس 1971)، لبنان (نوفمبر 1971)، الأردن (إبريل 1977)، ليبيا (إبريل 1978)، عُمان (مايو 1978)، الإمارات (نوفمبر 1984)، قطر (يوليو 1988)، البحرين (إبريل 1989)، فلسطين (نوفمبر 1988). ولا مندوحة هنا عن التذكير بأن الصين هي أول دولة غير عربية اعترفت بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني وفتحت مكتبا للمنظمة في بكين ومنحته الحصانة الدبلوماسية الممنوحة للسفارات الأجنبية. وفي الثلاثين من شهر يناير عام 2004، تم الإعلان عن إنشاء منتدى التعاون الصيني- العربي خلال زيارة الرئيس الصيني السابق هو جين تاو إلى مقر جامعة الدول العربية في القاهرة بمصر. وفي شهر يناير عام 2016، وخلال زيارة الدولة التي قام بها الرئيس شي جين بينغ إلى مصر، زار مقر جامعة الدول العربية وألقى كلمة مهمة بعنوان "التشارك في خلق مستقبل أفضل للعلاقات الصينية- العربية". وقد استبقت الصين تلك الزيارة بإعلان الحكومة الصينية في الثالث عشر من شهر يناير سنة 2016 "وثيقة سياسة الصين تجاه الدول العربية"، والتي تعد الأولى من نوعها، وتناولت الروابط التاريخية التي تجمع الصين بالدول العربية، والسياسات ومجالات وآفاق التعاون المشترك بين الجانبين.
تكتسب القمة الصينية- العربية الأولى أهمية كبيرة ومغزى خاصا، كونها تأتي في ظل أوضاع عالمية شديدة التعقيد لأسباب عديدة، في مقدمتها تداعيات جائحة كوفيد- 19 والأزمة الأوكرانية وانعكاساتهما على تباطوء الاقتصاد العالمي وسلاسل الإمداد وارتفاع معدل التضخم في معظم بلدان العالم. كما أنها تأتي بعد مرور شهر ونصف تقريبا على المؤتمر الوطني العشرين للحزب الشيوعي الصيني الذي عقد بنجاح في بكين في الفترة من السادس عشر إلى العشرين من أكتوبر 2022، وهو المؤتمر الذي حدد ملامح سياسات الصين خلال السنوات الخمس المقبلة وما بعدها. كما يجتمع قادة الدول العربية والصين بعد مرور نحو شهر على انعقاد الدورة العادية الحادية والثلاثين للقمة العربية التي كان عنوانها "لم الشمل" في الجزائر يومي الأول والثاني من نوفمبر 2022. والجدير بالذكر هنا، أن الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط رحب في كلمته أمام ممثلي الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية بانعقاد القمة الصينية- العربية، وقال: "إن الدول العربية تحتاج أكثر من أي وقت مضى، إلى تعزيز شراكاتها عبر العالم." وقد بعث الرئيس شي جين بينغ، برسالة تهنئة في الثاني من نوفمبر 2022، إلى الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون بمناسبة انعقاد القمة العربية. وقال الرئيس شي، وفقا لما نقلته وكالة أنباء الصين الجديدة ((شينخوا)): "إن جامعة الدول العربية، الملتزمة بالسعي إلى تحقيق القوة من خلال الوحدة في العالم العربي، تعمل بنشاط على تعزيز السلام والاستقرار في الشرق الأوسط وتبذل جهودا حثيثة لصون تعددية الأطراف والمصالح المشتركة للدول النامية." وأكد الرئيس شي أن الصين مستعدة للعمل مع الدول العربية لتعزيز الدعم المتبادل وتوسيع التعاون في جهد مشترك لبناء رابطة المصير المشترك بين الصين والدول العربية للعصر الجديد، من أجل خلق مستقبل مشرق للعلاقات الصينية- العربية وتقديم مساهمات للسلام والتنمية العالميين.
كما تأتي القمة الصينية- العربية الأولى في أعقاب المؤتمر السابع والعشرين للأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (COP27)، الذي عقد في الفترة من السادس إلى الثامن عشر من شهر نوفمبر 2022، بمدينة شرم الشيخ في مصر. وحسب تقرير لمنظمة الأمم المتحدة فإن تغير المناخ يعتبر القضية الحاسمة في عصرنا، ونحن الآن أمام لحظة حاسمة. فالآثار العالمية لتغير المناخ واسعة النطاق ولم يسبق لها مثيل من حيث الحجم، من تغير أنماط الطقس التي تهدد الإنتاج الغذائي، إلى ارتفاع منسوب مياه البحار التي تزيد من خطر الفيضانات الكارثية. إن التكيف مع هذه التأثيرات سيكون أكثر صعوبة وكلفة في المستقبل إذا لم يتم القيام باتخاذ إجراءات جذرية الآن. وتغير المناخ له تداعياته على بلدان العالم كافة، والصين والدول العربية ليست استثناء. في الصين، وحسب كتاب أزرق أصدرته هيئة الأرصاد الجوية الصينية في الثالث من أغسطس 2021، فإن الدولة الأكثر سكانا في العالم سجلت ارتفاعا في الظواهر الجوية المتطرفة، مثل هطول الأمطار الغزيرة ودرجات الحرارة المرتفعة، وشهدت زيادة في هطول الأمطار الغزيرة في العقود الستة الماضية. وأظهرت بيانات هيئة الأرصاد الجوية الصينية، أن الحرارة الشديدة وشدة الأعاصير في البلاد قد زادت أيضا منذ تسعينيات القرن العشرين. وتشير العديد من المؤشرات الخاصة بالنظام المناخي إلى أنه من المرجح أن تواجه الصين المزيد من الظواهر الجوية المتطرفة مع استمرار ظاهرة الاحتباس الحراري. وحسب تقرير لمجموعة البنك الدولي، صدر في الثاني عشر من أكتوبر 2022، فإن تغير المناخ يشكل خطرا كبيرا على ازدهار الصين في الأمد الطويل. وأشار التقرير إلى أن الصين في وضعٍ جيد يُمكِّنها من الوفاء بالتزاماتها المناخية والتحول إلى اقتصاد أكثر اخضرارا، وفي الوقت نفسه تحقيق أهدافها الإنمائية. في المنطقة العربية، وحسب تقرير لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة في السادس من نوفمبر 2022، فإن تغير المناخ برز كواحد من أهم العوامل التي تؤدي إلى تفاقم الفقر وانعدام الأمن البشري في المنطقة العربية. ويؤدي تغير المناخ إلى تضخيم التحديات الحالية المتمثلة في انعدام الأمن المائي وانخفاض الإنتاجية الزراعية وهشاشة الأراضي وخدمات النظم الإيكولوجية. ونتيجة لذلك، يؤدي تغير المناخ إلى حدوث ضعف اجتماعي، مما يؤدي إلى تفاقم النزاعات الداخلية والدولية القائمة ويضيف إلى أزمة اللاجئين والنزوح البشري في المنطقة. وقد أبدت الدول العربية في مناسبات عديدة استجابتها وتوافقها مع دعوة الصين إلى بناء نظام عالمي أكثر عدالة وإنصافا، وطرح مفهوم "رابطة المصير المشترك للبشرية" ومفهوم "رابطة حياة مشتركة للإنسان والطبيعة"، باعتبار ذلك جزءا من سعي البشرية للتكيف مع تغير المناخ والتخفيف من آثاره.
لعل أهم ما يميز العلاقات الصينية- العربية هي أنها علاقات متطورة، استنادا إلى أي مؤشر لرصد العلاقات الدولية، ومرجع ذلك أن الصورة النمطية للصين في الدول العربية لا تزال جيدة وكذلك الحال بالنسبة للصورة النمطية للدول العربية في الصين، برغم ما يتعرض له الجانبان من حين إلى آخر من محاولات تشويه الصورة من جانب وسائل إعلام ومؤسسات غربية، ويعزى ذلك رئيسيا إلى عدم وجود تاريخ من الصراع بين الجانبين، وأيضا عدم تعارض مصالحهما الإستراتيجية بشكل عام، وحقيقة تعرض الجانبين الصيني والعربي لمعاناة متشابهة من طرف ثالث مشترك هو الغرب، مما جعل التقارب بينهما له أسباب عاطفية وتاريخية. وقد انعكس ذلك في الدعم العربي للصين في المحافل الدولية في مواجهة الغرب، مثل دعم العرب للصين لاستعادة مقعدها الشرعي في الأمم المتحدة ودعمها في قضايا حقوق الإنسان وقضايا السيادة ووحدة الأراضي، ودعم الصين للدول العربية في قضاياها العادلة وخاصة في القضية الفلسطينية.
خلال مسيرة العلاقات الرسمية بين الجانبين الصيني والعربي الممتدة منذ أكثر من ستة وستين عاما، شهدت العلاقات الصينية- العربية تطورات ملحوظة وفترات من المد والجزْر، ولكنه مد لم يصل إلى التحالف الشامل وجزْر لم يصل في أي وقت إلى حد الأزمة على المستويين الرسمي والشعبي. وإذا كانت تلك العلاقات بدأت في معظمها لأغراض سياسية، في ظل منظومة العلاقات الدولية التي سادت النصف الثاني من القرن العشرين، وانقسام العالم إلى معسكرين شرقي وغربي بينهما صراع إيديولوجي خيمت عليه أجواء الحرب الباردة، فإنها اكتسبت خلال السنوات الأخيرة وجوها أخرى، أبرزها الوجه الاقتصادي، تماشيا مع التطور الاقتصادي الذي شهدته الصين خلال الأكثر من الأربعين عاما الماضية وارتفاع القوة الشاملة لها وصعود مكانتها في السياسة الدولية خلال السنوات الأخيرة، مع بروز العديد من الدول العربية كلاعبين إقليميين مهمين على الصعيدين الاقتصادي والسياسي. وقد تجسد الخط العام للعلاقات الصينية- العربية في التوافق العام حول قضايا العلاقات الدولية، بما في ذلك قضايا حقوق الإنسان والتنمية وإصلاح الأمم المتحدة والنظام الاقتصادي العالمي، من دون انخراط أي من الطرفين بشكل مباشر ومؤثر في قضايا تدخل في دائرة الاهتمام الإستراتيجي لأي منهما.
إن القراءة التحليلية لواقع السياسة الدولية ومؤشرات الاقتصاد العالمي والتحديات التي تشهدها الصين والدول العربية في الفترة الراهنة، تكشف عن حاجة الجانبين الصيني والعربي إلى دفع علاقاتهما إلى مستويات تتجاوز نمو حجم تبادلاتهما التجارية وتعاونهما في مجال الطاقة والاستثمار والمقاولات وغيرها من المجالات التقليدية، إلى فضاءات أخرى تواكب ما يواجه الطرفان من تحديات. ولكوني منخرطا في العمل الإعلامي الصيني- العربي منذ سنوات، يمكنني القول إن ثمة فجوة في معرفة كل جانب بالجانب الآخر، وجسر هذه الفجوة مهمة تتطلب مثابرة وجهودا جبارة، من خلال توظيف آليات متنوعة أهمها العمل الثقافي بمختلف أشكاله، والتواصل الجماهيري المباشر، واقتراب كل طرف بشكل مباشر من قضايا الطرف الآخر والتأثير فيها بما يتاح له من أدوات، لتصبح الشراكة الإستراتيجية الشاملة الصينية- العربية واقعا يشعر به المواطن العادي من الجانبين. لابد أن تتبنى مؤسسات رسمية وبحثية وإعلامية صينية وعربية مشروعا يحدد آليات من شأنها تعزيز معرفة كل جانب بالجانب الآخر، بما في ذلك خلق حالة من الزخم الشعبي الصيني والعربي لدفع الجانبين لمعرفة بعضهما البعض. هذه الجهود ليست مسؤولية طرف واحد وإنما مسؤولية الجانبين لأنها في النهاية تحقق مصالح الشعبين الصيني والعربي. إن الرصيد الكبير الذي تراكم للعلاقات الصينية- العربية يمكن أن يكون قاعدة انطلاق لعلاقات صينية- عربية أكثر قوة وتنوعا في المستقبل، خاصة وأن الجانبين يؤمنان بأن "السلام والتنمية" هما تيار العصر، وأن حجم المصالح المشتركة بينهما يتنامى بشكل كبير. إن انعقاد القمة الصينية- العربية الأولى خبر سار لكل متابع لهذه العلاقات، فهذه القمة ينبغي لها أن تكون انطلاقة أخرى نحو المستقبل.
""""
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة الصين اليوم ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من الصين اليوم ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.