الجدل الدائر حالياً حول الشيخ محمد متولي الشعراوي ليس بريئاً ولا عابراً، والانتقادات التي تم توجيهها له مؤخراً لا يمكن أن تكون عابرة، ولا هي مجرد مصادفة، خاصة أنها ذاتها سبق أن وجهت النقد لشخصيات إسلامية شعبية أخرى مماثلة للشيخ الشعراوي، وإن كان الجدل الحالي أكبر بسبب كون الشيخ الشعراوي لا يزال مصدر إلهام لكثير من عوام الناس ومحل ثقة في أوساطهم.
ومن المعروف أن الشيخ محمد متولي الشعراوي هو وزير أوقاف سابق في مصر، وهو أحد أبرز الرموز الاسلامية المستقلة، ولا ينتمي لأي تيار سياسي، كما أنه لم ينشط خلال حياته في أي عمل سياسي أو حزبي، ولم يكن يطمع بأي سلطة أو مسؤولية، بل يُقال بأن توليه وزارة الأوقاف لفترة وجيزة كان ناتجاً عن ضغوط مورست عليه من قبل السلطة السياسية في مصر آنذاك.
وبينما لم يكن للشعراوي أي دور سياسي أو حزبي، فإنه كان بالمقابل جليساً لكل المصريين وأغلب العرب في بيوتهم عبر شاشات التلفزيون طوال عقدي الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، فهو صاحب جلسات تفسير القرآن الكريم وتهذيب النفوس، التي تعودت عليها أجيال من العرب كل يوم جمعة، ولذلك فهو مصدر الإلهام الديني الذي لا يقبل التشكيك بالنسبة لأجيال من العرب والمصريين.
وانطلاقاً من هذه المقدمة فإن حملة الانتقاد والتشكيك التي يتعرض لها الشيخ محمد متولي الشعراوي (توفي في حزيران/ يونيو سنة 1998)، إنما هي محاولة لضرب أساسات التدين لدى عوام الناس والتشكيك به، وجعل كل ما هو إسلامي قابل للشك والجدل والمراجعة ولا يُمكن التسليم به، والهدف من ذلك هو أن السلطة السياسية في العالم العربي أصبحت تدرك أن التدين الشعبي العام هو الحاضنة الحقيقية والأهم للحركة الاسلامية السياسية، أو ما يُسمى «الاسلام السياسي»، ولذلك فإن القضاء على الإسلاميين الراغبين بالعمل السياسي لا يُمكن أن يتم إلا بتجفيف منابع التدين في الشارع وفي أوساط الناس، لأن هذا التدين هو الذي يؤدي إلى التعاطف مع الحركة الإسلامية سياسياً، ويؤدي الى تأييدها عند كل انتخابات أو حركة تغيير. الحملة ضد الشعراوي لا علاقة لها إذن بشخصه، ولو كانت كذلك فلا مشكلة فيها، إذ أننا جميعاً نؤمن بأن الشعراوي كغيره ليس شخصاً مقدساً، ولا هو منزه عن الانتقاد والمراجعة،
كما أنه ترك إرثاً فكرياً يمكن أن نجد فيه الجيد وغيره، وهذا كله لا غبار عليه، لكن الحقيقة أن الحملة الأخيرة ضده لا علاقة لها بذلك، ولا هي بريئة، لأن الذين يقومون بها ليسوا علماء دين أصلاً، ولا هم مؤهلون لمناقشة الفكر الديني الذي تركه الشعراوي. الذين يشنون الحملة اليوم ضد الشعراوي هم أنفسهم قادوا حملات مشابهة ضد الشيخ القرضاوي،
وضد عدد كبير من الدعاة والمفكرين المؤثرين في مستوى العالم الإسلامي، وهذا يؤكد أن المقصود هو تشكيك الناس بالمصادر التي يعتمدون عليها دينياً، وهدف هذا التشكيك هو زعزعة التعاطف الديني والتدين البسيط لدى عامة الناس. ومحاربة التدين في الشارع ولدى عموم الناس هو مشروع سياسي بحت أصبح واضحاً جلياً وتتبناه جملة من الأنظمة السياسية في المنطقة العربية، وهي أنظمة تحارب الدين عموماً منذ سنوات لأنها تعتقد بأنه الحاضنة لتيار «الإسلام السياسي» ولذلك فإنها ترى أنه لا يُمكن القضاء على هذا التيار بما فيه جماعة الإخوان المسلمين وحركة حماس إلا بالقضاء على ظاهرة الالتزام الديني في الشارع العربي.
محمد عايش
كاتب فلسطيني