قادت التحولات التي شهدتها منطقة الساحل الأفريقي في العقد الأخير إلى تغير المشهد الجيوستراتيجي لدول المنطقة، فمنذ بداية سلسلة الانقلابات في مالي وتدهور الوضع الأمني في بوركينا فاسو، وتراجع الدور الفرنسي في جنوب الصحراء، ظهر لاعبون جدد تتقدمهم روسيا الطامحة إلى موضع قدم وكذلك الصين وتركيا وإن بمستوى أقل.
هذه التحركات لا تخفى على حلف "الناتو" الذي لا يريد تغيير المشهد في تلك المنطقة الغنية بالطاقة وتعاني في الوقت نفسه من تحديات أمنية، من قبيل الإرهاب وتهريب المخدرات والهجرة غير الشرعية، فباتت هناك معركة صامتة بين أطراف دولية كبيرة بحسب تقارير إعلامية، ستحسم اتجاهاتها موقف موريتانيا التي يأمل "الناتو" أن تعزز شراكتها معه، لتقطع الطريق على روسيا المتوثبة لعلاقات جديدة مع نواكشوط، ومن خلالها تدلف إلى دول منطقة الساحل.
قبل أيام تحدث تقرير روسي عن إمكانية تشكيل جبهة مواجهة جديدة بين "الناتو" وروسيا، في منطقة الساحل، وستكون موريتانيا بالموقع الأمامي للحلف في تلك المواجهة.
وبحسب التقرير الذي أعده معهد الدراسات الشرقية التابع لأكاديمية العلوم الروسية فإنه "بعد فشل بعثات حفظ السلام الغربية في مالي، من المنتظر أن يعزز تحالف "الناتو" وجوده في موريتانيا، لمواجهة المد الروسي في المنطقة".
وتوصل التقرير إلى أنه "في وقت قصير جداً باتت موريتانيا الشريك الأساسي لحلف "الناتو" في المنطقة، فمن خلال النظر في البيانات الصادرة عن بروكسل، فإن نواكشوط لن تصبح قاعدة "الناتو" لمواجهة التوسع الروسي في غرب أفريقيا فحسب، بل ستكون أيضاً مفيدة في مواجهة السياسة الخارجية الروسية في القارة الأفريقية بأكملها".
قيمة متزايدة
يتردد اسم موريتانيا كلاعب قوي في منطقة الساحل، إذ لا يمكن للاعبين الدوليين الكبار الحصول على موطئ قدم من دون التنسيق مع نواكشوط التي تزداد قيمتها كخيط ناظم لتوجهات دول الساحل.
ويرى المحلل السياسي سيد المختار سيدي أن "موريتانيا بلد محوري في منطقة الساحل حالياً، بخاصة على الصعيد الأمني، لأنها الدولة الوحيدة التي استطاعت الحفاظ على أمنها واستقرارها طيلة أكثر من عقد".
ماذا تعني "رسائل" الرئيس الجزائري حول وجود "فاغنر" في مالي؟
ويضيف سيدي أن "موريتانيا نقطة ربط بين الساحل الأفريقي والمغرب العربي والعضو المؤسس لمجموعة الخمس في الساحل. وهذه العوامل تجعلها مؤهلة لقيادة أي تحالف أمني في المنطقة، بخاصة أنه باستثناء مالي وبوركينا فاسو، تصنف بقية دول المجموعة كمناهضة لوجود فاغنر في المنطقة"، مستدركاً "بطبيعة الحال لا يعني ذلك أن موريتانيا بصدد مجابهة التمدد الروسي في المنطقة، لكن يمكن لها أن ترفع مستوى التنسيق مع "الناتو" ودول المنطقة ضد انتشار قوات فاغنر الروسية غير النظامية".
وتضاف إلى هذه العوامل محددات أخرى يذكرها التقرير الروسي، حيث يعتبر أن "القيمة الجيوستراتيجية المتزايدة لموريتانيا بالنسبة لحلف "الناتو"، تتزايد مع أهمية البلد كمنتج ومصدر للغاز الطبيعي".
"باغرام" جديدة
أدى انسحاب فرنسا من الساحل الأفريقي إلى تأزم الأوضاع في منطقة يتقاذفها مثلث الشر المتمثل في "الهجرة غير الشرعية والإرهاب وتجارة الأسلحة" بحسب تعبير الدكتور سليمان حمدي رئيس مركز الدراسات والاستشارات والتدريب.
يقول سليمان إن "فشل المقاربة الفرنسية في منطقة الساحل، حيث كانت باريس عرابة الاستراتيجية الغربية بشكل عام في غرب أفريقيا، أدى إلى خروج مالي وبوركينافاسو من منظومة الدول المستقرة أمنياً".
ويضيف، "هذا الواقع جعل من المنطقة بؤرة توتر ومحل اهتمام دولي، بخاصة بعد الحرب الروسية- الأوكرانية وتهديد مصادر الطاقة ووجود مخزون كبير من الغاز والبترول في خليج غينيا ويمتد ليشمل سواحل موريتانيا على المحيط الأطلسي"، مشيراً إلى أنه "من هذا المنطلق رشح "الناتو" موريتانيا لاحتضان القاعدة الكبيرة (باغرام الجديدة) التي ينوي بناءها في المنطقة".
ويرى سليمان أن "موريتانيا هي التي ستحدد طبيعة هذه القاعدة، وهل لها دور لوجيستي أم دور متقدم عملياتي؟"، مشدداً على أن "نواكشوط يجب أن تعي الأهمية الاستراتيجية التي تلعبها، لتنطلق منها وتحدد أين ستكون، وما هو المقابل لذلك؟".
طموح روسي
تحركات "الناتو" في المنطقة كان آخرها زيارة لوفد منه لنواكشوط برئاسة الأمين العام المساعد للشؤون السياسية في يونيو (حزيران) الماضي، التقى خلالها الرئيس الموريتاني محمد الشيخ الغزواني، وصرح خلالها المسؤول في الحلف بأن "موريتانيا دولة محورية في المنطقة وشريك رئيس للحلف وسنكثف التعاون معها خلال الأشهر المقبلة".
وبحسب مصدر في الخارجية الموريتانية تحدث لـ"اندبندنت عربية" فإن "نواكشوط ستستقبل وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف خلال هذا الأسبوع".
الزيارة المرتقبة تؤكد طموح موسكو الساعي إلى إيجاد موطئ قدم لها في منطقة الساحل من بوابة نواكشوط، وفي هذا الإطار يرى المحلل السياسي سيد المختار سيدي أنه "من الواضح أن روسيا تطمح لتوسيع حضورها في الساحل، بعد أن أوجدت لها مكانة في مالي منذ وصول المجلس الانتقالي الحالي للسلطة في البلاد".
وأضاف "هناك معلومات تتحدث عن تواصل بين الجانب الروسي والمجلس العسكري في بوركينا فاسو المجاورة وربما ترتمي الأخيرة لاحقاً في حضن الطرف الروسي نتيجة عوامل عدة بينها تدهور الوضع الأمني والرفض المتنامي للشراكة مع فرنسا، بينما تسعى موسكو لنقل تجربة وجودها في وسط أفريقيا إلى دول أفريقية أخرى تعاني هشاشة أمنية كبيرة مثل بوركينا فاسو ومالي"
أقريني أمينوه مراسل
اندبندنت عربية