
ملوك المملكة المغربية العلوية ليسوا كغريهم من سلاطين العالم، كونهم بذلوا الغالي والنفيس من اجل تحرير وبناء وتطوير شعوبهم وبلدهم، متحملين العناء والمشاق في ذلك السبيل، بعيدا عن البحث عن الرفاهية و الشهرة والجبروت و الدكتاتورية وغيرها من امراض العرش التي لا تزال بلدانها في ذيل الامم المتقدمة.
ويتجلي ذلك التحرير والبناء و التطور اليوم علي كل الاصعدة في المملكة العلوية التي اصبحت من رواد العالم في التنمية و التحضر و رفاهية الشعوب و الصدارة في الشأن الاقليمي والقاري و الدولي.
محمد الخامس الرائد المحرر
ينفرد هذا الملك العظيم من بين ملوك الدولة العلوية و سلاطينها و أمرائها ملكا رائدا و قائدا محررا جبلت نفسه الأبية و روحه الكريمة على حب الحرية و عشقها و الجهاد من اجلها و التضحية بكل غال و نفيس في سبيلها و الدعوة إليها بالقول و العمل في السر و العلن و هو من اجل ذلك لم يكد يتسلم زمام أمور الأمة و يتخلص من البطانة التي أحاطت به مدة الوصاية محاولة جاهدة صرفه عن غايته و هدفه حتى أعلن بوضوح و جلاء عما تجيش به نفسه و يمتلئ به خاطره من آمال و أماني لتحقيق تحرر وطنه و استقلال بلاده.
فقد كان محمد الخامس-رحمه الله- يومن و يوقن منذ البداية و قد أدى و شاهد ما آل إليه وطنه، و على أية حال أصبحت عليها أمته، و من ظلم و استعباد، و فاقة و حرمان، فآمن و أيقن، بان هذا الشعب لا يمكنه أن ينهض من كبوته، أو ينتبه من غفلته، و هو يجديه أي إصلاح و لن يفيده أي ترميم و لا صلاح لامته و لا فلاح لها إلا بالحرية، حرية الوطن من الاستعمار و حرية المواطن من الظلم و الاستعباد، و حرية الفكر من الدجل و الجهل.
و أن الدارس المدقق المحقق لحياة هذا الرائد العظيم، منذ أن بويع ملكا على المغرب، و سنه لا يتعدى السادسة عشرة، يلاحظ جليا انه كان من اكبر رواد الحرية و دعاتها، و انه كان يصدر في كل تصرفاته، و موقفه و قراراته، منذ البدء، كان يصدر عن مبدأ ثابت لا يريم عنه و لا يحيد، و هو تعلقه بالحرية، و إيمانه الراسخ بها، و دعوته و جهاده الدائم من اجل شعبه و أمته، و قارته، بل و من اجل تحرير المظلومين و المضطهدين و المستعبدين، في كل مكان في العالم اجمع، فلنستمع إليه في أول نطق ملكي له بمجرد بيعته و اعتلائه عرش المغرب، حيث قال مخاطبا أمته سنة 1927:
«أن الشعب المغربي ينتظر منا مجهودا مستمرا، لا من اجل تنمية سعادته المادية وحدها، و لكن لنكفل له الانتفاع من تطور فكري، يكون متلائما مع احترام عقيدته، و يستمد منه الوسائل التي تجعله، يرتقي درجة عليها في الحضارة بأكثر ما يمكن من السرعة».
لقد آمن محمد الخامس منذ أول ممارسته لمهامه أن الاستعمار يقف حجر عثرة في وجه شعبه و يضع شتى العراقيل في طريقه، ليبقيه مستعبدا مضطهدا، جاهلا خاملا، و لذلك بدا يعمل في صمت، و يخطط في هدوء ليحرر الإنسان في بلاده، ليحرر عقله و فكره أولا، ثم يحرر عيشه و مجتمعه ثانيا
لقد آمن بان سبيل التحرر الكامل و الاستقلال الشامل، هو تحرر الفكر المغربي، من الجهالة و الضلالة، و أن تحرر الفرد من الجهل، هو أعظم أنواع التحرر، و انه اقصر طريق نحو الحرية و الاستقلال، و هو من اجل ذلك نادى بفتح المدارس و إنشاء المعاهد، و أغرى شعبه و مواطنيه، بالإقبال على التعلم و التعليم، و الجد في التحصيل، كي يعرف المواطنون حقوقهم و واجباتهم، و ليكونوا أكثر وعيا و أقوى شكيمة، في الدفاع عن أنفسهم و بلادهم، و خوض معركة الجهاد و النضال بوعي و تفهم و إدراك.
و قد خاطب شعبه و أمته في احد المواسم الثقافية بقوله:
«لقد أتفق العقل و الدين على أهمية المعرفة لتقدم البشرية و تطورها، إذ الإنسان لا يكون-في نظرهما- كاملا إلا إذا زالت عن بصيرته غشاوة الجهل، المانعة من التمييز بين ما يضر و ما ينفع فاستفاد من موهبة التفكير الحي بها عن باقي المخلوقات، ما يجعله قادرا على أن يغمر بالسعادة هذه الأكوان التي سخرها الله له».
و لذلك بدا بنفسه و بأسرته، فعلم أبناءه الأمراء و الأميرات على السواء، و ثقف عقولهم و حرر أفكارهم، كأحسن ما تكون الثقافة، و رباهم تربية إسلامية صحيحة كأحسن ما تكون التربية، و جعلهم مثالا حسنا و نموذجا رائعا يحتذى للشباب من أبناء وطنه، و اخذ يؤسس المعاهد و ينشئ المدارس من ماله الخاص و يدعو الشعب إلى التسابق إلى بنائها و تأسيسها، و الإقبال عليها و يسميها باسمه و بأسماء الأمراء والأميرات ويدشنها تارة بنفسه و أخرى بواسطة أنجاله، فقامت في طول البلاد و عرضها مؤسسات تعليمية، و معاهد عظيمة كانت أساسا للوعي الشامل، والنور الساطعة، الذي عم إرجاء الوطن و كانت سببا و نتيجة لما جناه الوطن من خير و تقدم و انتصار.
الحسن الثاني رائد البناء
بعد توليه العرش يوم 3 مارس 1961، توجه جلالة المغفور له الحسن الثاني إلى القيام بإنجاز منجزات كبرى على المستويين الاقتصادي والترابي لبناء المغرب المزدهر. ففي مجال استكمال الوحدة الترابية، قام في البداية بفتح مفاوضات مع القوى الفرنسية والإسبانية والأمريكية التي مازالت تحتفظ بجيوشها على أرض المغرب. وكان أهم انجاز تم في الميدان الاقتصادي هو إصدار الظهير الشريف المؤرخ يوم 2 مارس 1973 والذي وجه لتفعيل عملية مغربة الأطر والقطاعات الحيوية في المجالين الاقتصادي والصناعي. وقد تم استرجاع أراض كثيرة من المعمرين ليتم إخضاعها للإصلاح الفلاحي
أهم حدث سياسي عرفه المغرب الحديث هو استرجاع صحرائه من يد الاستعمار الإسباني. وقد تم ذلك بعد أن أعلن جلالة المغفور له الحسن الثاني عن إبداع فكرة القيام بتنظيم مسيرة خضراء في اتجاه الأقاليم الصحراوية لإجبار السلطات الإسبانية عن الجلاء عن الأرض المغربية التي تحتلها منذ 1884. وقد أعلن جلالته في خطابه الموجه إلى الشعب عن الفكرة يوم 6 أكتوبر 1975.
وبالفعل استجاب المغاربة قاطبة للإرادة المولوية، إذ توجه 350.000 مغربي، ومن بينهم 35.000 مغربية إلى الصحراء ليسجلوا ملحمة تاريخية أرغمت المستعمر على التخلي عن الصحراء ليسترجع المغرب سيادته عليها
فكانت كذلك أولى الخطوات التي باشرها جلالة المغفور له الحسن الثاني في المجال تدعيم المؤسسات الديمقراطية في البلاد هي الإصلاحات التي أدخلت على الدستور المغربي منذ 1962. وكان آخر إصلاح تم إدخاله على الدستور هو إصلاح سنة 1996. ظلت سياسة الملك الحسن الثاني تنحو نحو إيجاد توازن سياسي في المغرب، فكثيرا ما نادى بضرورة التعايش بين الملكية والأحزاب وخصوصا المعارضة منها. وقد توجت سياسته التوازنية بإيجاد حكومة التناوب في التسعينيات والتي أمسك بزمامها حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ذو التاريخ الطويل في المعارضة في فبراير/ شباط 1998. وبذلك ترك الملك الحسن الثاني بصماته واضحة في تحريك المشهد السياسي المغربي وانفتاحه نحو مشاركة مكوناته في العمل السياسي التداولي بين أحزاب القصر وأحزاب المعارضة
محمد السادس رائد التطور
يفهم دائما عند الحديث عن الدول أن لكل دولة رجال و لكل زمان رجال. وللمملكة العلوية رجال من سجلوا تاريخا حافلا في حياتهم لقوا حتفهم، رحمهم الله كما اسلفنا و يعتبر العاهل المغربي الملك / محمد السادس الرجل الذي حمل ذلك المسار حتي اوصله الي اعلي القمم. ان نه بدون منازع، ملك التنمية و الاصلاح الحقيقي،
ان الرجل الذي يؤمن عندما يتولي السلطة أنه لابد أن يبدأ بالملفات القاسية و أن يضع يده في النار فهو رجل قوي لديه ايمان بالله ثم بالوطن و بحتميه التحدي .
بالطبع ملف حقوق الانسان هو ملف قاس جدا ليس في المغرب فقط بل في معظم بلاد الدنيا حتي في الدول الكبري التي تتشدق ليل نهار بحقوق الانسان و لا تطبقها.
لكن الرجل المؤمن بضرورة الاصلاح في بلاده أصر علي البدء بهذا الملف الشائك جدا لكي يقضي علي الماضي القاسي و يفتح بابا جديدا للأمل بانشاء هيئة الانصاف و المصالحة في 2004 لكي تعمل علي تسويه ملفات الانتهاكات التي صدرت بحق الكثير من المواطنين و تعويضهم عن الأضرار التي لحقت بهم .
لأن الايمان بحقوق الانسان هو المدخل الكبير الي التنمية الشاملة و المستدامة التي يشهدها المغرب منذ أكثر من عقد كامل و لنشهد بعد ذلك الضوء الكبير بانشاء مؤسسات لحقوق الطفل بانشاء المرصد الوطني لحقوق الطفل و المرأة التي نظر اليها الدستور المغربي بعين الاعتبار بادخال تعديلات و تشريعات جديدة لحقوقها و نشهد حالة من الحراك الاجتماعي الكبير لمؤسسات المجتمع المدني و مساهمات هذه المؤسسات الفعالة في التنمية الاجتماعية و تنمية المجتمعات الريفية و الحضرية علي السواء.
تتقدم المسيرة لتذهب الي أفاق للنمو لم تكن متوقعة و مع الايمان بضرورة أكتمال حقوق الانسان بدأت المعركة الكبري من أجل توفير مسكن يضمن للمواطن كرامتة و هنا كانت حرب التنمية في ملف البنية التحتية و الحرب الضروس لاعادة توطين القاطنين بأحياء الصفيح أو مايقصد بها العشوائيات علي أطراف المدن في وحدات سكنية تليق بآدمية البشر و صدرت التشريعات التي تسمح بادخال القطاع الخاص كشريك في التنمية و مؤسسات المجتمع المدني أيضا و هذه نقله نوعية في هذا الملف الحيوي و الهام .
معركتي الانفتاح الدولي تصل افرقيا و امريكا اللاتينية
دبلوماسية الانفتاح على الخصوم وبناء شراكات جديدة مع أهم حلفاء جبهة البوليساريو الانفصالية، لن تقتصر على إفريقيا. فبعد أقل من ثلاثة أشهر من استعادة المملكة لمقعدها في الاتحاد الإفريقي، وأياما قليلة بعد زيارة “سياحية” غير مسبوقة من نوعها للملك محمد السادس إلى كوبا، أعلنت كل من الخارجية المغربية ونظيرتها الكوبية، توقيع اتفاق لإعادة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، بعد 37 سنة من القطيعة. العاصمة هافانا التي ستستقبل قريبا سفارة مغربية.
ومن ما يدل علي الاهتمام الكبير الذي يوليه العاهل المغربي للتنمية، حين أعفى جلالته عددا من الوزراء وكبار المسؤولين لإخفاقهم في رفع تحديات التنمية و في تحسين الوضع الاقتصادي بمنطقة الريف وشهدت منطقة الريف.
وذكر بيان للديوان الملكي أن العاهل المغربي قرر اتخاذ مجموعة من التدابير والعقوبات، في حق عدد من الوزراء والمسؤولين بعد الاطلاع على تقارير المجلس الأعلى للحسابات التي أوضحت وجود تقصير وخلل في تنفيذ عدد من المشاريع وأهمها برنامج الحسيمة منارة المتوسط.
كما أصدر العاهل المغربي قرارا بحرمان بعض وزراء الحكومة السابقة من تولي أي مناصب وزارية في المستقبل