تبرير الاغتصاب... كلاكيت كمان مرة!

جمعة, 20/09/2019 - 15:16

"دي إنسانة ولها احتياجات" هكذا رد الشيخ عبد الله رشدي على إحدى متابعاته على موقع تويتر عندما سألته عن سبب اغتصاب السبايا في الحروب الإسلامية. وعندما لم يكن الرد مقنعا، أضاف: "نعم للمسبية احتياجات وهي ليست عيبا، وهذه الاحتياجات بالرضا لا بالإكراه، فطالما رضيت بعلاقة بينها وبين سيدها فلا حرج عليها ولا عليه؛ بالرضا لا بالقهر".

هنا يحاول الشيخ عبد الله رشدي، الباحث والداعية الإسلامي، جاهدا إقناعنا أن المرأة التي كانت تُسبى في الحروب، بعد أن يتم قتل عدد لا بأس به من رجال عائلتها وقبيلتها، وتشهد ذلك بعينيها وبعد أن يتم اختطافها وتتحول إلى أسيرة، فإنها تمارس الجنس مع خاطفها طواعية وبكل رضا! بمعنى أن الخاطف يسألها هل تقبلين أن نمارس الجنس سويا؟ فترد نعم يا سيدي بكل حرية. فهل يُعقل هذا الكلام؟

منهج الأصوليون ببساطة هو أن تُخضع الحاضر لمفاهيم وقيم الماضي

الحقيقة أن تبرير السبي وملك اليمين ليس بأمر جديد. فالأمثلة على تبريره عديدة منها مثلا ما فعلته الدكتورة سعاد صالح، أستاذة الفقه المقارن في جامعة الأزهر، عندما قالت في برنامجها "فقه المرأة" في عام 2014، والتي كانت تذيعه قناة الحياة 2، إنه يحق للقائد المسلم الاستمتاع بالأسيرات كما يستمتع بزوجاته، في محاولة منها للإجابة على سؤال عن ملك اليمين من إحدى المتصلات.

فمن وجهة نظر الأستاذة الأزهرية أن اغتصاب النساء غير المسلمات حلال في حال تم من خلال أسرهن في حرب مشروعة على حد قولها. وبررت ذلك بأن اغتصاب النساء في الحروب هو نوع من الإذلال المشروع للعدو. بل والأدهى من ذلك، أنها قالت إننا لو حاربنا إسرائيل وانتصرنا عليها فيحق لنا الاستمتاع بالنساء اللاتي من الممكن أسرهن في هذه الحرب!

وفي الواقع، هذه التصريحات والتغريدات ما هي إلا أمثلة بسيطة على المحاولات البائسة تبرير غير المبرر، والتي لا يمل بعض الأصوليون من القيام بها بغرض الوصول إلى مصالحة بين مفاهيم وقيم تنتمي لقرون سابقة مضت وبين مفاهيمنا نحن في القرن الحادي والعشرين.

أليس ذلك ما تقوم به "داعش" بالفعل؟ ألم نشاهد ما حدث مع الأيزيديات من اغتصاب واتجار بهن كنتيجة لهذه الأفكار. فربما يكون هذا الكلام متوقعا عندما يصدر من شيخ متطرف أو داعشي. لكنه يبدو خطيرا جدا عندما يصدر من أستاذة في جامعة الأزهر أو من شيخ يظهر بانتظام على الشاشات ولديه حضورا واسعا على السوشيال ميديا. فصفحة الشيخ رشدي على الفيس بوك وحدها يتابعها 1.8 مليون شخص.

فربما كان بالفعل سبى النساء في الحروب ثم ممارسة الجنس معهم أمرا معتادا في الماضي، وبالمناسبة فهو أمر كان موجودا من قبل الإسلام، ولكنه بالتأكيد أمر مرفوض شكلا وموضوعا في زماننا، بل ويصنف على أنه جريمة حرب. فأمور مثل السبي والعبودية والاتجار بالبشر كلها كانت أمور عادية في زمانها ولكن الوعي البشري تخطاها وأدرك أنها ممارسات غير إنسانية ويجب تجريمها ومحاربتها.

والقضية هنا أوسع من موضوع السبي، فالقضية هي إصرار الشيخ عبد الله والدكتورة سعاد ومن يشاركونهما نفس الأفكار على أن كل ما جاء وحدث في الأزمنة الأولى هو صالح لكل زمان ومكان، وتصميمهم على رفض فكرة تاريخية بعض النصوص الدينية؛ هنا تكمن الأزمة.

هؤلاء سيحاولون إقناعك أن ضرب المرأة جائز بل وربما مكرمة، كضرورة للحفاظ على كيان الأسرة

فبدلا من أن يقولوا إن هذه الممارسات تخضع لزمانها وبالتالي يجب فهمها في هذا السياق، تجدهم يريدون أن يقنعونا أن فعل مثل ممارسة الجنس مع سبايا الحروب يمكن تطبيقه في زماننا الحالي أو على الأقل يمكن مصالحته وتوفيقه مع مفهوم حديث مثل الـ Consensual Sex أو الجنس بالتراضي كشرط للممارسة الجنسية.

والحقيقة أنك لو مددت الخط على استقامته ستجد أمثلة لا حصر لها على نفس طريقة التفكير، لكنها ربما ليست على نفس الدرجة من الفجاجة. فنفس هؤلاء سيحاولون إقناعك أن ضرب المرأة جائز بل وربما مكرمة، كضرورة للحفاظ على كيان الأسرة. وهم أيضا من سيصرخون ضد أي تفسير ديني ينتصر لحق المرأة في التساوي بالميراث. بل إن هذا الشيخ هو نفسه الذي لقَّب المسيحيين بالكفار في مجتمع تحمل فيه كلمة الكفر تبعات خطيرة "تطير فيها الرقاب" كما يقال بالعامية المصرية.

فمنهج الأصوليون ببساطة هو أن تُخضع الحاضر لمفاهيم وقيم الماضي. فهم بدلا من أن يشجعوا العقل الجمعي على التعامل مع النصوص في سياقها التاريخي، يجتهدون ليل نهار لشيطنة أي محاولة لإعمال العقل فيها، حتى تبقى مجتمعاتنا وكأنها سقطت في فجوة زمنية تفصلها عن الزمن الحاضر.

اقرأ للكاتب أيضا: التحرش الجنسي وثقافة لوم الضحية!

ماهر جبره

الحرة

جديد الأخبار