وثيقة سفره صارت خبرا.. رحلة موريتاني من غوانتانامو إلى هوليوود

أربعاء, 13/11/2019 - 17:56

أخيرا حصل محمدو ولد صلاحي، المهندس الموريتاني الشهير العائد من غوانتانامو بعد رحلة عذاب طويلة، على وثيقة سفره بعد 3 سنوات من الانتظار.

وأيضًا بعد الرفض الصريح والضمني الذي واجهت به سلطات الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز كل مطالب ومناشدات ولد صلاحي.

رحلة العقدين

عاصر ولد صلاحي في رحلة متاعبه التي استمرت قرابة عقدين من الزمن عددًا من الرؤساء الموريتانيين

مرت رحلته بمنعطفات حاسمة في عهد ثلاثة منهم، هم:

الرئيس الأسبق معاوية ولد الطايع الذي سلمه للأمريكيين.

الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز الذي أفرج عنه في عهده ولكنه حرمه وثيقة (جواز) سفره وحوله إلى مواطن "بدون".

الرئيس الحالي محمد ولد الغزواني الذي أفرج عن جوازه واستقبله في القصر الرئاسي الثلاثاء بعد استلامه لجوازه.

احتفى السجين السابق بسجن غوانتانامو (سيئ الصيت)، بحصوله على جواز سفر، دون أن ينسى التذكير بأن الظلم والتعسف هو الذي يجعل الحصول على جواز سفر خبرًا وقصة يتناولها الإعلام وأملًا ينتظره رجل قطع 14 سنة من عمره بين السجون والتعذيب.

الجواز الذي صار خبرًا

ولد صلاحي كتب على صفحته بفيسبوك: ما كان لتسلّمي لهذا الجواز أن يكون خبرًا لو لم أحرم منه ظلمًا على مدى عشرين عامًا. آمل أن تكون هذه الخطوة بداية النهاية لمسلسل معاناتي وأسرتي.

ثم عادت به الذكرى إلى سنوات خلت حين عاد من سجن غوانتانامو بعد رحلة قهر وعذاب استمرت لسنوات طويلة، وما كان يتوقعه عند عودته.

ولد صلاحي: عندما رجعت إلى بلدي قبل ثلاث سنوات خيل إلي أني حر طليق، فوجئت بأنني ممنوع من حقي في الأوراق المدنية فقررت أن أبدأ معركة سلمية تطلبت كثيرًا من الجهد والمال.

شكر ولد صلاحي كل الذين وقفوا معه في محنته المتعددة الوجوه، وطالب باعتذار رسمي له ولأسرته وللشعب الموريتاني "من أجل موريتانيا وسمعتها" وبرفع "المظالم عن كل من مُنع حقه خارج نطاق القانون".

ثلاث أولويات

ولد صلاحي كشف عن ثلاث أولويات تتصدر جدول أعماله في الفترة القادمة بعد حصوله على جواز سفره:

على الصعيد الشخصي أولويتي هي في تسجيل الابن أحمد الذي ما زال ممنوعًا من الإحصاء بسبب عدم توفر جوازي.

أن أذهب للعلاج بعد تعقيدات إثر عملية جراحية أجريت لي في غوانتانامو أدت إلى آلام حادة لم أزل أعاني منها.

أنوي مواكبة فيلم الموريتاني للمخرج كفن ماك دونالد.

ولد صلاحي ختم تدوينته الطويلة برسالة للذين ظلموه وأوقعوا به في سنوات الجمر التي عاشها خلال العقدين الماضيين: أعيد القول لكل من ظلمني "لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين". بلادي وإن جارت على عزيزة.. وأهلي وإن ضنوا علي كرام.

عذاب ومعاناة

يجزم حقوقيون أن قصة السجين السابق المهندس محمدو ولد صلاحي واحدة من أكثر الجرائم البشعة التي تورطت فيها حكومة بلاده في عهد الرئيس الأسبق معاوية ولد الطايع.

قصته أيضًا كانت مثالا آخر على الجرائم الوحشية التي ارتبكت داخل أسوار معتقل غوانتانامو السيئ الصيت.

كان ولد صلاحي أحد الطلاب الأذكياء في موريتانيا، وحصل نهاية تسعينيات القرن الماضي على منحة لدراسة الهندسة والاتصالات في ألمانيا.

مع إطلالة الألفية الحالية بدأت رحلة أخرى في حياة الشاب الذي انفتحت له أبواب صلة وقرب من القصر الرئاسي عندما أشرف لأول مرة على تركيب وتوصيل شبكة الإنترنت إلى القصر الرئاسي، وأشاد الرئيس السابق معاوية ولد الطايع بكفاءة الشاب النحيل المتوقد ذكاء.

واشنطن اتهمت ولد صلاحي بالعلاقة بتنظيم القاعدة وأنه كان جزءًا من خلية ميونيخ، وبعد ضغوط غير قوية تم تسليم الشاب إلى الولايات المتحدة، التي وجهته إلى سجن مروع بالأردن ومن ثم إلى سجون في أفغانستان ومنها إلى غوانتانامو.

لاحقًا، عاد مدير المخابرات الموريتانية دداهي ولد عبد الله ليعترف بتسليم الرجل، ويؤكد أنه كان مأمورًا بما قام به من رئيسه ولد الطايع.

يوميات غوانتانامو

قصة الألم والعذاب التي تلقاها ولد صلاحي طيلة 14 سنة دوّن أكثرها في كتاب عن مذكراته عنوان "يوميات غوانتانامو"، وهو الكتاب الذي سرد فيه ولد صلاحي ذكريات السجن الحزينة والمؤلم، وحاول من خلاله إطلاع العالم على ما عاشه هو ورفاقه في خليج كوبا من انتهاكات حقوقية.

لكن تلك المذكرات التي تحولت لاحقًا إلى كتاب، طالها كثير من الحذف من السلطات الأمريكية التي راجعتها حرفيًا قبل أن تسمح له بنشرها.

بعد نشر الكتاب حقق أعلى المبيعات في الولايات المتحدة واستقبلته كبريات الصحف المتخصصة بحفاوة وإطراء.

قاد الزخم الذي أحدثه الكتاب في الوسطين الحقوقي والإعلامي –بالإضافة إلى عوامل أخرى- إلى الإفراج عن ولد صلاحي وتسلميه إلى بلده موريتانيا في أكتوبر/تشرين الأول 2016.

في تلك المذكرات تمنى محمد ولد صلاحي أن يحتسي الشاي مع جلاديه "حتى يتعلم البعض من الآخر في جلسة دون تعذيب"، وهو ما تحقق حين استضاف ولد صلاحي سجانه السابق ستيف وود في موريتانيا وتناولا الإفطار الرمضاني سويًا واحتسيا الشاي الأخضر على كثبان رملية في أعماق الصحراء.

لاحقًا، أعلن ستيف وود اعتناقه للإسلام متأثرًا بأخلاق وسلوك سجينه.

إلى أضواء هوليوود

قصة ولد صلاحي التي حركت أكثر من ساكن في الضمير الغربي، ستتحول قريبًا إلى فيلم سينمائي من إنتاج الغارديان البريطانية وبتمويل واسع من شركات إنتاج متعددة.

يعتمد الفيلم على مذكرات ولد صلاحي التي تصدرت المبيعات منذ صدورها، وسيكون أول فيلم تنتجه هوليود عن موريتانيا.

وفق ما كتبه التراد ولد صلاحي وهو ابن أخت المعتقل السابق بغوانتانامو ومرافقه الدائم، فإن تصوير الفيلم سيتم في دول متعددة من بينها جنوب أفريقيا والمغرب والأردن.

انضم عدد من كبار نجوم السينما في العالم إلى فريق فيلم السجين 760 من بينها جودي فوستر وبندكت كمبربانس وشايلين وودلي وطاهر رحيم.

يطل ولد صلاحي على العالم من زاوية السينما هذه المرة بعد أن أطل عليه لسنوات من زاوية الألم والعذاب.

أكثر ما يؤسف ولد صلاحي ويجرح قلبه الذي ألِف الحزن لأكثر من عقد ونصف، أنه عاد إلى وطنه ليجد والدته قد غادرت إلى الآخرة كمدًا وحسرة عليه. يستعيد أسفه بشدة لأنه لم ينعم بحضنها كما نعم بدعائها في غربة عنيفة تحت سياط غوانتانامو.

 

الجزيرة مباشر

جديد الأخبار