قصة قصيرة / أريده لا أريد غيره بقلم : محمد الدرقاوي

أربعاء, 05/02/2020 - 13:15

بالكاد خرجت من محنة عمرها ،محنة حنطتها في حداد على نفسها
أوقفت زمانها عن الفرح ،صيرتها جثة تطل على الحياة ، سجينة من يفك قيدها ؟
وأتاها على حصان أبيض ، أركبها وراءه ثم انطلق ، لها قال :
ـ تمسكي بي ، بعد اليوم لن تسقطي ..
بكت وله اعترفت : السقطة في قلبي والجرح غائر يا سيدي
بدأ الحصان يمشي الهوينى ، وكلما زاد بهما خطوات أحست بحصنها
بقوتها ، بحريتها ، برغبتها في التحدي ...
ماعادت تخشى أحدا ،فالفارس قد غرس في أعماقها ان ما تحسه مجرد هواجس خوف طفولي ، تحكمت فيه تربية وتقاليد ،فهي كما هي ،منها لم يتغير غير قدٍّ كلما نمت زادته السنوات تناسقا ، جمالا وأنوثة ..
كلما خبب الفرس زادت بالفارس التصاقا ،له تفتح السمع والبصر، تفتح الصدر ، صارت تحسه لها ، فهو من أباد تربية الاقاويل البائدة في نفسها ، من علمها كيف تهرب من زمن كم أرقها ، حمامة صيرها تفر من سجنها ، تغني للحياة من جديد وتنصت لنشيد الأماني .. مهما كان في حياته من أنثى غيرها فلن تستطيع نزعه منها حتى ولو ظلت له عاشقة بلا أمل ، المهم أن يبقى لها ، وله تأوي بحديث ، بعقل وجسد وروح ..
صارت وهي في فصلها تستبطن الابتسامات من تلامذتها، تراقب فرحهم وغضبهم ، خوفهم وانشراحهم ، هم أنفسهم لاحظوا تغيرها ، ماعادت وجها مغلقا بصرامة ، ولا أنياب يأس تمضغ الحصرم ، أثر المرآة صار تورد خدود وكحل عين واتقان هندام ..
وطرق الباب رجل بذكورته مغرور .. قال: أنا زوج ولي أبناء ، فهل يكون لي في العانس بنتكم نصيب ،تساعدني براتبها على هم الزمان ؟
وأتت فارسها تهرول من خوف القبول يوقعه أب شاخ ،وعنوسة بها قد مرحلت السنين ..
حبيبي رأسي ينكمش ،وعلى نفسي قد فقدت السيطرة ،افتني في رجل أتاني يستغل عنوستي ، يتطلع لراتبي ، توهمني قطرة كالحة ..
قال: أريد رأيك أولا ..
قالت ، انا بك محاصرة ، مطوقة برأيك ، بما منك قد اكتسبت ..
قال : ايتها المحصنة بي ،من أتت خلفي بلا رهب و عاهدتني أن بعدي تقتفي الأثر : الرجال صاروا عناكب فساد ، فكيف يطولك الرضى ،وانت تصرفين على شبه رجل، لايأتيك الا ليلا لينهب راتبك، ويرمي فيك أزمته، ثم يعود لبنيه ؟
أظن زمن الاماء مات ، وانت حرة ، عانس تحيا بعناية خير ألف مرة من زواج استغلال و ذل ..
قالت : حبيبي لك ابقى ولغيرك لن أكون ..أنت نسمة صيف بددت قحط حياتي
ووجدت نفسها تعيش حياة ماعرفتها من قبل ، استسلمت لفارسها بالروح والعقل والجسد ..ماعاد يربطها بعالمها غير اعمال يومية عادية لا يمكن أن تبعدها عن فارسها ..
ولأول مرة تتذوق الجنس ، يعرفها الفارس بعض خباياه ، تستمتع ، وكلما ارتجفت بين يديه أحست أن الدنيا تكبر بها ، تفتح لها الأذرع ، لم يعد يؤرقها غير رصيد حياتي تتجاوب به ومن خلاله مع فارسها ، هو يبثها لغة تحيط بكل شيء ، حتى الفجور حين يهمس لها به .
ـ حبيبي علمني ، تكلم ودعني أردد بعدك ..
يقبلها ، يلعق جيدها وخديها ثم يعض شحمة أذنها :
لا اريدك أن تكوني ببغاء مرددة ، قولي كل ما تحسين به ، أي لفظ على لسانك رقص ، تفوهي به ..
هكذا صارت تذوب شخصيتها في فارسها ، صارت نسخة منه ، سمكة هو ماؤها ، لايغيب لحظة عنها في عمله الا أحست بالدنيا تنقلب في عينيها ،
بمزاجها يتعكر ، ونفسها تنقبض .. أين ذهب ؟ أين تأخر ؟ من يكون معه ؟
أسئلتها لا تنطلق من غيرة عليه ، وانما من خوف أن يتركها وقد تعودته ،
لا تتصور نفسها الا معه ، ولا تستعذب وجودها الا بين احضانه ، حبها له هو غير حب أنثى لرجل ، حبها له تلتحم فيه كل جزيئاتها ، تريد ان الا يفارق حضنها ولا تغيب عن ذراعيه ،هو فكرها وتفكيرها ، هو أحلامها التي تتلون بخلفياتها القديمة والتي تصارع النفس على ان تبيدها في عقلها وتجويفات نفسها ..

جديد الأخبار