فرضت تداعيات أزمة كوورنا أجندتها في وقت مبكر من عام 2020 على موريتانيا، فيما لم يمهل ملف التحقيقات بقضايا الفساد الحكومة كثيرا من الوقت.
فمع بداية العام الجاري، تشكلت اللجنة البرلمانية المكلفة بتلك التحقيقات، وهما ملفان ستتمخض عنهما قرارات يتم اتخاذها لأول مرة في تاريخ هذا البلد.
مفاجآت عام 2020 على الساحة الموريتانية لم تقتصر على الشأن الداخلي، بل اندلعت في هذا العام أزمة معبر الكركرات بالمغرب على حدود البلاد الشمالية مع الرباط، والذي كان يزود موريتانيا بمواد غذائية كالخضراوات من جاره الشمالي، قبل أن يتدخل المغرب لإنهاء تلك الأزمة وفتح المعبر.
دعم موريتانيا لمغربية الصحراء يحقق مصالح المنطقة.. وخبراء يفسرون
وعلى صعيد علاقات موريتانيا الخارجية بدأت البلاد تحركات دبلوماسية بأول زيارتين عربيتين للرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني منذ انتخابه إلى دولة الإمارات مطلع فبراير 2020 وأخرى للمملكة العربية السعودية في الشهر نفسه، ستتبعهما مواقف أخرى تجسد عمق الروابط الأخوية بين موريتانيا ودولتي الإمارات والسعودية.
زلزال تحقيقات الفساد
التحقيقات البرلمانية في ملفات الرئيس الموريتاني السابق محمد ولد عبدالعزيز، التي بلغت أوجها باعتقال الأخير قبل إخلاء سبيله، ووضعه تحت الرقابة القضائية، كان حدث العام سياسيا على الساحة الموريتانية، لما لها من انعكاسات وتداعيات على المشهد، أبرزها إقالة أول حكومة للرئيس الغزواني، واستدعاء عدة وزراء مشمولين في الملف.
وبدأ ملف التحقيقات بإنشاء لجنة برلمانية مطلع 2020، عهد إليها بالتحقيق في شبهات فساد في 11 ملفا شملت الصيد البحري والطاقة وصفقات تنازل عن أملاك وعقارات هذا البلد.
وأحالت لجنة التحقيق البرلمانية التي شكلتها الجمعية الوطنية الموريتانية بعد 6 أشهر من البحث والتحري، تقريرا إلى النيابة العامة بالبلاد حيث تناول شبهات الفساد المذكورة أثناء فترة حكم الرئيس السابق ما بين عامي 2010 و2019.
كما تسملت النيابة العامة بولاية نواكشوط الغربية، ملف التحقيق البرلماني، بعد إحالته إليها من طرف المدعي العام لمباشرة إجراءات الاستماع للمشمولين في الملف.
وزراء سابقون وبعض كبار الموظفين مثلوا أمام شرطة الجرائم الاقتصادية للتحقيق الابتدائي في شبهات فساد أثارها التقرير الصادر عن لجنة التحقيق البرلمانية، الذي تم إحالته إلى القضاء.
وتوسعت على مدى عام 2020 التحقيقات لتشمل جميع الشخصيات التي ورد اسمها في التحقيق البرلماني، بالإضافة إلى شخصيات رأت السلطات القضائية أن بحوزتها معلومات قد تفيد التحقيق.
وأطاح تقرير لجنة التحقيق البرلمانية المحال إلى القضاء بالحكومة الموريتانية برئاسة الوزير الأول السابق إسماعيل ولد سيديا، فيما كلف الرئيس الحالي محمد ولد الغزواني، خبير المياه محمد ولد بلال بتشكيل حكومة جديدة.
وألقى التحقيق في ملفات الفساد بظلاله على تشكيلة الحكومة الجديدة في موريتانيا من خلال إبعاد جميع الوزراء الذين وردت أسماؤهم بالتحقيقات، وإعادة الثقة بآخرين لم تشملهم تلك التحقيقات.
واعتبر وزير شؤون الرئاسة الموريتانية، المكلف حينها، أداما بوكار سوكو، لدى إعلانه عن أسماء الوزراء، أن شكل الحكومة الجديدة "ذو ارتباطٍ وثيقٍ بتحقيق اللجنة البرلمانية"، حسب تعبيره.
ولفت إلى أن الرئيس الغزواني يريد من تشكيلة هذه الحكومة تكريس ما دعاه "مبدأ فصل واستقلالية السلطات".
وأوضح بوكار سوكو أن الرئيس الغزواني أراد من إعفاء بعض وزراء حكومته السابقة "تمكين من تناولهم التقرير من التفرغ لإثبات براءتهم"، تمهيدا للاستفادة مجددا "من تجارب وخبرات كل من تثبُتُ براءته منهم"، على حد تعبيره.
وكان الإعلان عن الحكومة فرصة لإطلاق هيكلة الحكومة تم خلالها دمج بعض الوزارات مع بعضها كما الحال مع وزارات التعليم الأساسي والثانوي، ثم وزارتي الاقتصاد والاستثمار.
تحدي كورونا
كغيرها من بلدان العالم وجدت موريتانيا نفسها أمام تلك الأزمة الصحية غير المسبوقة ذات التداعيات بالغة التأثير على مختلف أوجه الحياة الاقتصادية والاجتماعية والأمنية..
ومع أن انتشار الوباء كان محدودا بالبلاد في بداية تفاقم الجائحة على المستوى العالمي، إلا أن تطبيق إجراءات درء خطر الفيروس على مستوى البلد كانت مبكرة وصارمة، وشاملة، من خلال إغلاق المجال الجوي والحدود البرية باستثناء عبور شاحنات التموين من المغرب والسنغال، ثم إغلاق المدارس ووقف حركة النقل والمواصلات بين المدن وتطبيق حظر ليلي داخلها..
إلا أن تلك الإجراءات لم تمنع دخول الوباء الذي تصاعد بشكل ملفت في مايو/أيار 2020 من خلال انتشار العدوى المجتمعية بعد أن اقتصرت الإصابات في البداية على الوافدين وذلك خلال الموجة الأولى من الوباء.
وواجهت موريتانيا التداعيات السلبية للجائحة بخطط وتدخلات للحماية، كان أبرزها خطة الدعم الاقتصادي التي أعلن عنها الرئيس ولد الشيخ الغزواني في 7 سبتمبر/أيلول 2020 بدعم مالي قدر بـ 700 مليون دولار أمريكي.
ومع تصاعد الأزمة بالبلاد أرسلت دولة الإمارات، الإثنين الماضي، مساعدات إنسانية عاجلة إلى نواكشوط لدعم جهود احتواء جائحة " كوفيد- 19".
وتحتوي المساعدات الإماراتية على أكثر من 10 أطنان من الإمدادات الطبية، وأجهزة الفحص والتنفس، إضافة إلى فريق طبي متخصص.
خندق الاعتدال
وشهد عام 2020 تحركات موريتانية نحو محور الاعتدال جاء من خلال اختيار الغزواني دولة الإمارات، كأول وجهة لزياراته الخارجية نحو البلدان العربية الشقيقة في موقف يعكس انحياز موريتانيا والتزامها بقضايا الأمة من منظور الاعتدال.
وزار الرئيس الغزواني دولة الإمارات مطلع فبراير/شباط 2020 ، في تلك الزيارة التاريخية وفق ما رآه الخبراء والمحللون.
واعتبر عدد من الخبراء والمحللين السياسيين الموريتانيين أن العلاقات الموريتانية الإماراتية تعكس المثال الحي والنموذج الأفضل للتكامل والتآخي بين الأشقاء، من خلال تعدد مجالات التعاون وأهمية ملفات التنسيق المشترك على الصعيدين الإقليمي والدولي.
وفضلا عن رمزية هذه الزيارة في بعدها التاريخي والجيوستراتيجي، كانت الزيارة هامة في نتائجها بما تمخضت عنه من اتفاق استثماري بين البلدين قدر بنحو 2 مليار دولار، وهو أيضا ما يعكس تميز وخصوصية هذه العلاقة.
وقوف الإمارات مع موريتانيا وثقت أحداث 2020 بالعديد من أوجه الود الأخوي الصادق، عبرت عنه دفعات الدعم التي حصلت عليها موريتانيا من الإمارات لمواجهة كورونا، التي لم تقتصر فقط على شحنات الأدوية والمعدات الطبية، بل شملت تشييد المستشفيات وبناء المرافق الخدمية في إطار أعمال البر والإحسان التي تنفذها هيئة الهلال الأحمر الإماراتي.
وعكست المساعدات الإماراتية لموريتانيا وفق المراقبين التزام الدولة بالتضامن الإنساني والأخوي تجاه الأشقاء والأصدقاء في الظروف الاستثنائية.
كما أكد الخبراء أن شحنات الدعم الطبية المقدمة من الإمارات لموريتانيا لمواجهة فيروس كورونا تعكس التزام الإمارات بالتضامن الإنساني والأخوي تجاه الأشقاء والأصدقاء في الظروف الاستثنائية.
وعبرت موريتانيا عن دعمها للإمارات في المواقف التي تتخذها وفق مصالحها الوطنية ومصالح العرب والمسلمين وقضاياها العادلة.
وثمّن بيان لموريتانيا خلال شهر أغسطس/آب 2020، مواقف الإمارات الثابتة تجاه فلسطين وحق شعبها في إقامة دولته وعاصمتها القدس الشريف.
وأكد البيان دعم نواكشوط لمعاهدة السلام بين الإمارات وإسرائيل، تقديرا منها لروابط الأخوة والعلاقات التاريخية، وثقة منها بحكمة وحسن تقدير قيادة الإمارات وما قدمته من تضحيات كبيرة وخدمات جليلة لصالح القضايا العربية والقضية الفلسطينية.
كما جاءت السعودية المحطة الثانية ضمن زيارات الغزواني، كثاني بلد يزوه منذ توليه السلطة، في أواخر فبراير/شباط 2020.
اعتبر عدد من الخبراء والمحللين أن زيارة الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني للسعودية، تشكل فرصة لدفع العلاقات بين البلدين لآفاق أرحب في ظل خصوصية التواصل التاريخي بين الشعبين.
وأشار الخبراء إلى أن تطابق المواقف السعودية-الموريتانية حيال القضايا الدولية والإقليمية، ودعم المملكة لمجهود التنمية في موريتانيا يعكس جانبا آخر من تميز هذه العلاقات.
"الكركرات"..لغة المصالح
فرضت أزمة معبر "الكركرات" المغربي التي نشبت في 21 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، نفسها على موريتانيا كحدث ألقى بتداعياته على البلاد رغم التزامها الصمت في البداية.
لكن مع قطع عناصر مليشيات البوليساريو المعبر بين البلدين، وجدت موريتانيا نفسها أمام شح الإمدادات بالخضراوات التي كانت تستوردها من المغرب، مثلما كان تصدر السمك من نفس المنفذ إلى أراضي المملكة وبعض البلدان الأوروبية.
وعلى إثر ذلك اتخذت موريتانيا خطوات رآها المراقبون أبلغ من الكلام، جسدها أول اتصال هاتفي بين الرئيس الموريتاني والعاهل المغربي الملك محمد السادس، كأول اتصال رئاسي بين البلدين منذ 10 سنوات.
وعلى الصعيد الدولي تجسدت خطوات موريتانيا حيال الملف مُكالمة هاتفية أخرى جمعت كُلاً من وزير الشؤون الخارجية إسماعيل ولد الشيخ أحمد، والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريس، تطرق خلالها الجانبان لتلك الأوضاع.
كما نشر الجيش الموريتاني، بالتزامن مع تحرير منفذ الكركرات، عناصره على مقربة من المنطقة، تحسباً لأي طارئ بعد التطورات المتتالية في المنطقة.
تعزيزات انتشرت على طول الحدود مع الصحراء المغربية، حيث دفع الجيش الموريتاني بعدد من وحداته إلى منطقة تُسمى "بولنوار"، على مقربة من المعبر الحدودي "الكركرات".
العين الإخبارية - إبراهيم طالب