قانون حماية الرموز.. يمجد الرئيس والوطن والدين ويثير مواقف متضاربة في موريتانيا

أربعاء, 28/07/2021 - 14:06

لم يعد بالإمكان "انتقاد" الرئيس، ومن يمارس حقه في "نقد" الرئيس والمسؤولين الكبار سيجد نفسه وراء قضبان سجن قد يمتد 4 سنوات، وغرامة مالية بآلاف الدولارات. هكذا يعتقد خصوم مشروع قانون "حماية الرموز الوطنية وتجريم المساس بهيبة الدولة وشرف المواطن"، أو قانون الرموز كما يسميه خصومه في فضاءات التواصل الاجتماعي.

أما مناصروه فيرون فيه سدا لثغرة قانونية، ومعالجة لسيل السباب والشتائم التي تفيض بها وسائل التواصل الاجتماعي في موريتانيا، ولن يكون مانعا من انتقاد الرئيس ولا كبار مسؤولي البلاد لكنه يمنع توجيه السب الشخصي لهم ولعائلاتهم، أو تسريب محادثاتهم الهاتفية والإلكترونية، خصوصا تلك التي تنتهك خصوصياتهم الشخصية.

الدين والوطن ثم الرئيس

ويتشكل مشروع القانون المعروض حاليا على البرلمان من 8 مواد، ويسعى وفق مادته الأولى إلى "تجريم ومعاقبة الأفعال المرتكبة عن قصد باستخدام تقنيات الإعلام والاتصال الرقمي ومنصات التواصل الاجتماعي، المرتبطة بالمساس بهيبة الدولة، ورموزها، وبالأمن الوطني، والسلم الأهلي، واللحمة الاجتماعية، والحياة الشخصية، وشرف المواطن".

أما المادة الثانية، فتتحدث عما يعدّ مساسا بهيبة الدولة ورموزها، وتحدد المساس المذكور "بثوابت ومقدسات الدين الإسلامي، أو بالوحدة الوطنية والحوزة الترابية أو بسب أو إهانة شخص رئيس الجمهورية أو العلم أو النشيد الوطنيين".

ويجرم القانون في مادته الثالثة أي تصوير أو نشر لصور الجنود وقوات الأمن، في أثناء أدائهم مهامهم، ويربط تصوير التشكيلات والوحدات العسكرية والأمنية بترخيص من قيادتها، ويفرض غرامة وعقوبة تبلغ  السجن عامين على المخالفين.

"تقديس" الرئيس وحماية الأمن

ويستنكر منتقدو مشروع القانون المذكور ما يعدّونه "تقديسا" لرئيس الجمهورية، بإضافته إلى الرموز الوطنية التي تشمل أيضا مقدسات الدين، والنشيد والعلم الوطنيين، والوحدة والسلم الاجتماعي.

ويرى هؤلاء في تحويل رئيس الجمهورية إلى رمز محمي بالقوانين جزءا من صناعة الدكتاتورية وتقديس الحكام.

في حين يدفع مناصرو مشروع القانون بأن الأمر ضروري في المرحلة الحالية، بعد فوضى السباب والشتم التي توجهت بشكل خاص إلى شخص الرئيس وأسرته، ولم تكتف فقط بنقد أدائه.

ويركز معارضون للقانون أيضا على ما يعدّونه حماية لممارسات قوات الأمن، إذ لم يعد بالإمكان توثيق انتهاكاتها لحقوق الإنسان ولا قمعها للمواطنين.

وعدّه بعض المدونين تضييقا غير مسبوق على هامش الحريات الصحفية والعامة، وأشار هؤلاء إلى أن الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز -على علاته وما شهدته البلاد خلال حكمه من أزمات سياسية واقتصادية ومجتمعية- تلقى الإهانات والشتائم المتعددة، ولكنه لم يحول نفسه إلى رمز محمي بالقوانين.

بل ذهب النائب البرلماني والمحامي العيد ولد محمد إلى أن مشروع القانون الحالي "ربما يكون القانون الأسوأ خلال الـ20 سنة الأخيرة"، وقال إنه "يتضمن مقتضيات خطيرة على الحريات ويحمي مرتكبي جرائم التعذيب ويميِّز بين المواطنين".

 

ويذهب المحامي محمد المامي مولاي اعل إلى أن القانون أقام 3 طبقات من المواطنين، فوضع رئيس الجمهورية في الدرجة الأولى، وحمى المسؤولين العموميين بوضعهم في الدرجة الثانية، وترك حماية أعراض المواطنين العاديين (الدرجة الثالثة) للقواعد العامة ولم يتحدث عنهم هذا النص، باستثناء نقل شبه حرفي لإحدى مواد قانون الجريمة السيبرانية في ما يتعلق بالمساس بالحياة الشخصية.

 

من جانبه يرى حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية (تواصل) الإسلامي المعارض أن القانون يمثل انتكاسة للحريات العامة، داعيا السلطة إلى التراجع عنه والرأي العام إلى رفضه.

ويؤكد خصوم القانون أنه سيمهد لمزيد من سطوة السلطة وعنفها لأن ضعف الرقابة يعني إطلاق يد الفساد والتجبر، ويؤكد المدوّن الحسن بمباري أنه "إذا كان الشعب فعلا هو من انتخب الرموز وهو من يسدد رواتبهم وثمن وسائل راحتهم، ويستمدون مشروعيتهم منه؛ فلماذا أول ما يخطر في بالهم هو التواري عنه خلف قانون أو درع مصطنعة، تحجب الراعي عن رعيته، وولي الأمر عن شؤون عامته، والرئيس عن مواطنيه والموظف عن مهامه؟.. ضعف الرقابة يورث الفساد والتجبر، ولا ينبغي حماية الموظفين من الشعب حتى لا يتجاوزوا صلاحياتهم".

ويشير الإعلامي أحمد محمد المصطفى إلى أنه في الوقت الذي تقوم فيه دول العالم بتثبيت كاميرات المراقبة على صدور أو خوذات الشرطة للحد من تجاوزاتهم في حق الأبرياء، وتوثيقها إن حدثت، تسعى الحكومة الموريتانية لتجريم تصويرهم إلا في الاستعراضات الاحتفالية.

في حين ذهب مدونون آخرون إلى اعتبار القانون المذكور من بنات أفكار وزير العدل محمد محمود ولد عبد الله ولد بيه، القادم من غربة طويلة خارج البلاد.

وخاطبه الإعلامي محمد موسى دهاه بالقول "أرجوك توقف عن تأليه (شيخ) بسيط لا يحمل ضغينة لأحد (يشير إلى رئيس الجمهورية)، سترمونه بعد استبدال الكرسي بمطلة صالونه الوثير وتتركونه في مواجهة ضباع الساسة".

قانون رادع لمواجهة سيل الشتائم

ويذهب مناصرو القانون إلى اعتباره ضرورة الوقت، بعد تفاقم موجات السباب والشتائم والتسريبات التي أضرّت بالحياة العامة والخاصة للمسؤولين والأفراد، وأججت الضغائن والأحقاد بين الجهات والعرقيات الموريتانية.

وفي هذا الصدد يجزم القيادي في الأغلبية الحاكمة والوزير السابق سيدي محمد ولد محمد بأنه لا توجد فقرة واحدة من مشروع القانون "تشكل في اعتقادي مساسا بالحريات العامة ولا حق مواطنينا في التعبير عن آرائهم ومواقفهم، بل إن سنّ هذا القانون يشكل ضرورة ملحة لضبط فضاءات الإعلام وتنظيفها وتمكين الكل من الولوج إليها دون أن يتلقى شتيمة أو قذفا أو إهانة في عرضه أو دولته ورموزها".

وأكد أن الذين هاجموا القانون إنما كانوا يدافعون عن "حق" الذين لا خلاق لهم في توزيع الشتائم والإهانات والاعتداء على خصوصيات الناس دون أي رادع، ولم يفكروا في حق المهانين ومتلقي الشتائم والضحايا، والذين تنشر خصوصياتهم وتسرب مكالماتهم.

وأضاف أنهم أيضا "لم يفكروا في حقنا بأن لا يمس بهيبة الدولة التي أجمعنا على إقامتها، والرئيس الذي انتخبناه ليُجسدها، والعلم الذي يرمز إليها والنشيد الذي يعبر عن مكانتها وتاريخها ورسالتها".

بدوره، يرى الإعلامي والمدون حبيب الله ولد أحمد أن كل دول العالم تنتبه متأخرة إلى أن فوضى الحرية ستضرّ بأمنها واستقرارها، فتتدخل بتشريعات تعيد الحرية إلى سكة الصواب "في كل دول العالم هناك انتباه مفاجئ لخطورة الحرية المطلقة (…) هنا في موريتانيا بلغ سيل الفوضى الإلكترونية زباه حتى تمنينا لو أُغلقت شبكات التواصل الاجتماعية حفاظا على السكينة العامة فقد كنا افتراضيا شعبا متناحرا ودولة بلا مهابة، ولكن واقعيا والحمد لله كنا شعبا واحدا وبلدا له سيادة وكرامة ولو استمر الشحن الافتراضي لسحب ذيله على الواقع".

 

ويخلص إلى أنه لو كان تصوير شرطي يؤدي عمله حرية لما رفضته (سيدتكم) فرنسا التي لديها صحافة حقيقية وقانون صارم.

في حين رأي الأستاذ الجامعي محمد المختار امليل أهمية تكريس احترام الثوابت الوطنية باعتبار ذلك من عناصر بناء الدولة كتجسيد للإرادة الجمعية، مؤكدا أن "الحاجة إلى بناء منظومة قانونية تحمي كل الحقوق والحريات في البلاد مسألة حيوية تخرجنا من الفوضى واللادولة وعدم الارتكان إلى أي ثوابت على الجميع احترامها".

 

وفي الاتجاه نفسه يكتب الإعلامي محمد المختار الفقيه "إن واقع الحياة الوطنية الحالي أصبح يستلزم وجود نص خاص يسهم في لجم ظاهرة التهاون المتصاعد بكل الثوابت والقيم الوطنية، بدءا من المجال الديني، مرورا برموز وطنية في طليعتها ما يقرّه الدستور من قيم جامعة، وعلى رأسها هوية الأمة ولغاتها الوطنية، وتنوعها الحضاري، وشرف مواطنيها ومساواتهم في الحقوق والواجبات".

 

وبين الآراء المتضاربة إزاء القانون وما أثاره من جدل غير مسبوق في ساحة النقاش الافتراضي في موريتانيا، يبقى أبرز معلم قانوني لمواجهة سلطة التدوين، وموجات "البث المباشر" التي صنعت خلال السنوات الأخيرة رموزا متعددة من المؤثرين في المشهد العام، وبلغة وأساليب يراها خصوم القانون كفيلة بدفع عشرات المدونين إلى التوجه إلى "الأسماء المستعارة" من أجل الكشف عن المستور من ممارسات وفساد، وللتعبير بالأسلوب الذي يرونه مناسبا

جديد الأخبار