بينما أكدت مجلة "جون أفريك" أن الملك المغربي، محمد السادس، سيكون حاضرا في قمة الجامعة العربية، المقررة بالجزائر في الأول من نوفمبر القادم، يتردد تساءل حول رمزية هذا الحضور إن تم، خصوصا وأن العلاقات مقطوعة بين البلدين، وإمكانية أن تكون هذه فرصة، لردم الهوة بين الجزائر والمغرب.
لم تؤكد الرباط ولا الجزائر زيارة العاهل المغربي، ولم تنفياها وهو ما يعتبره متابعون "شبه تأكيد على أن الخبر صحيح".
وقطعت الجزائر علاقاتها مع المغرب منذ صيف العام الماضي، متهمة إياه "بأعمال عدائية" ضدها، فيما أعرب الأخير عن أسفه للقرار ورفض "مبرراته الزائفة" ولم تربطهما أي نشاطات دبلوماسية منذ ذلك الحين حتى بعث الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، بدعوة للعاهل المغربي لحضور القمة العربية.
"بداية" أم "بروتوكول"؟.. هل تؤثر "دعوة القمة" على الأزمة المغربية-الجزائرية؟
تطرح زيارة وزير العدل الجزائري وزير العدل الجزائري، عبد الرشيد طبي، الى المغرب العديد من التساؤلات بشأن مدى إمكانية أن تؤثر مثل هكذا زيارة على ملف العلاقات المتوترة بين البلدين منذ عدة أشهر.
وفي 27 سبتمبر الماضي، تلقى محمد السادس دعوة من تبون لحضور القمة العربية، وفق ما أفادت وزارة الخارجية المغربية.
واستقبل وزير الخارجية المغربية، ناصر بوريطة، مبعوث الرئيس الجزائري، وزير العدل، عبد الرشيد طبي، الذي سلمه "رسالة الدعوة الموجهة إلى الملك".
ولم يعلن المغرب رسميا بعد عمّن سيمثله في هذه الدورة الحادية والثلاثين لقمة الجامعة العربية، لكن صحيفة الشرق الأوسط ومجلة جون أفريك ذكرتا منتصف سبتمبر الماضي، أن الملك المغربي، هو من سيحضر أشغالها شخصيا، في حين قالت وسائل إعلام مغربية إن المملكة سوف تكون ممثلة برئيس الحكومة، عزيز أخنوش، وبوريطة.
خفض التصعيد
عدم تأكيد الخبر رسميا، جعل المحلل المغربي، أشرف طريبق يرى بأن من الضروري التريث لإصدار أي تحليل في الصدد، رغم أنه لم يستبعد أن يكون الخبر شبه رسمي طالما لم يتم تكذيبه "وبالنظر إلى سعي الملك خفض التوتر مع الجزائر منذ مدة".
وفي اتصال مع موقع الحرة، شدد طريبق على أن الملك المغربي كان دائما يسير باتجاه خفض التصعيد مع الجزائر، مذكرا بحديثه خلال خطاب العرش.
وقال: "من الممكن أن تساهم هذه الزيارة في تأكيد مسعى الملك خفض التوتر ويده الممدودة للجارة الجزائر".
وسبق للملك محمد السادس، أن دعا الرئيس الجزائري، بمناسبة خطاب العرش في يوليو الماضي، إلى تطبيع العلاقات وفتح الحدود بين البلدين المغلقة منذ 1994، مجددا دعوة مماثلة كان وجهها العام الماضي.
وتشهد علاقات البلدين توترا منذ عقود بسبب قضية الصحراء الغربية، حيث تدعم الجزائر جبهة بوليساريو التي تطالب باستفتاء على تقرير المصير، بينما يعتبرها المغرب جزء لا يتجزأ من أرضه ويقترح منحها حكما ذاتيا تحت سيادته.
ويكتسي حضور العاهل المغربي في الجزائر، إن تم، أهمية في ظل التوتر بين البلدين الذي بلغ أوجه عندما أعلنت الجزائر في أغسطس الماضي قطع علاقاتها الدبلوماسية مع الرباط متهمة إياها "بارتكاب أعمال عدائية.. منذ استقلال الجزائر" في 1962، قبل أن تغلق مجالها الجوي في وجه الطيران المغربي.
لكن المحلل السياسي الجزائري، توفيق بوقعدة يرى بأن زيارة الملك المغربي إذا تأكدت "لن تكون للجزائر بقدر ما هي مشاركة في القمة العربية التي تعني المغرب كذلك".
شروط الطرفين
في حديث لموقع الحرة، أشار بوقعدة إلى أن "القول بأن هذه الزيارة يمكن أن تساهم في تطبيع العلاقات بين البلدين أمر سابق لأوانه".
وإذ لا يرى بوقعدة أي إشارات من الجزائر على أن هناك نية لتحسين العلاقات مع المغرب، يؤكد بالمقابل أن هناك إمكانية لأن يستجيب الملك المغربي "لشروط الجزائر لإعادة العلاقات".
في مقابل ذلك، يرى طريبق بأن هناك فرصا لأن تكون هذه الزيارة سانحة لإعادة العلاقات بين البلدين "إذا ما خفضت الجزائر من دعمها لجبهة بوليساريو".
وقال: "يمكن أن يساهم حضور الملك المغربي القمة العربية بالجزائر في إعادة الدفء للعلاقات معها وتخفيف مساعدة الجزائر للبوليساريو".
وتطالب جبهة بولسيساريو، مدعومة من الجزائر، بإجراء استفتاء لتقرير المصير بإشراف الأمم المتحدة، كان تقرّر عند توقيع اتفاق وقف إطلاق النار بين المملكة والجبهة في سبتمبر 1991، لكن الرباط تصر على مقترح الحكم الذاتي، وتسعى لحشد الدعم الدولي لذلك.
"لتوحيد الصف".. الجزائر تؤكد توفير شروط إنجاح القمة العربية
أكد رئيس الحكومة الجزائري، أيمن بن عبد الرحمان، الاثنين، أن الجزائر هيأت كافة الشروط اللازمة من أجل إنجاح القمة العربية التي تنعقد في الفاتح والثاني من نوفمبر القادم، مشيرا إلى أن بلاده تسعى إلى "إعادة بناء العمل العربي المشترك".
في المقابل، تحضى جبهة بوليساريو بدعم الجزائر، في المحافل الدولية، كما تستقبل الصحراويين في مخيمات للاجئين في تندوف (جنوبي غرب الجزائر).
وهذه القضية، تسببت في تشنج العلاقات بين البلدين لعقود، كما عطلت أي تكتل إقليمي، لا سيما ما يعرف باتحاد المغرب العربي.
دلالات.. من سيستقبل الملك بالجزائر؟
يرى بوقعدة أن مشاركة الملك المغربي تدخل في إطار السعي المغربي المستمر لإعادة العلاقات مع الجزائر، حيث يرى محمد السادس أن "القمة العربية فرصة للتقدم خطوة عملية في اتجاه الجزائر ولقاء المسؤولين الجزائريين، وعرض رؤيته لحل المشاكل بينه وبينها".
لكنه أبدى تخوفا من أن تكون المشاركة مجرد تسويق "لإحراج الجزائر امتدادا لتصريحاته السابقة التي قال فيها إنه يمد يده للجزائر" ثم أردف "هذه المسارات ترفضها الجزائر لأنها لا تستجيب فعليا لشروطها لإعادة العلاقات."
لكن طريبق يرى أن زيارة الملك المغربي تدخل فعلا في مسعى التصالح مع الجزائر بل بشكل أوسع "تدل على انخراط المغرب في أي مبادرة للم الشمل عموما".
وذهب لأبعد من ذلك بالقول: "الزيارة فرصة، للتأكيد كذلك، على أن المغرب لا يعارض خطوة الجزائر التي جمعت الفصائل الفلسطينية لأجل توحيد صفها".
في نظر طريبق لم تكن التصريحات والتراشقات بين البلدين رسمية البتة، بل كانت على مستوى إعلامي ضيق ومواقع التواصل الاجتماعي، لذلك، لم يبد أدنى شك بأن الرئيس تبون هو من سيستقبل العاهل المغربي في مطار هواري بومدين الدولي بالجزائر إن قرر حضور القمة.
طريبق قال في الصدد "الأعراف الدبلوماسية تفرض علينا ذلك، لا يوجد شك بأن تبون هو من سيستقبل الملك المغربي".
كذلك رأى بوقعدة، الذي قال إنه لا يوجد أي عائق أمام استقبال الرئيس تبون للملك المغربي لأن الأعراف الدولية تفرض ذلك.
العاهل المغربي الملك محمد السادس (إلى اليسار) مع الرئيس الجزائري الراحل، عبد العزيز بوتفليقة في 21 مارس 2005 في الجزائر العاصمة على هامش القمة العربية
وقال:"الجزائر التزمت دائما بالأعراف الدولية ولا يوجد أي سبب لأن تحيد عن ذلك".
من جانبه، قال طريبق إن العلاقات المتوترة بين البلدين لا يمكن أن تبرر لأي بلد الخروج عن الأعراف الدبلوماسية، مشيرا إلى استقبال بوريطة لمبعوث الرئيس الجزائري، لتلقي دعوة المشاركة في القمة العربية، واستقبال الرئيس الجزائري السابق، عبد العزيز بوتفليقة، لوزير الخارجية المغربي السابق، سعد الدين العثماني، في عام 2012 الذي حل بالجزائر وقتها، بدعوة من نظيره، الوزير الجزائرية السابق، مراد مدلسي، رغم أن العلاقات لم تكن في أوجها
الحرة / واشنطن
.