أعلن الرئيس الموريتاني، محمد ولد الشيخ الغزواني، عن «البدء في تحويل مهرجان المدن الموريتانية القديمة من مجرد موسم ثقافي إلى مناسبة تراثية وإنمائية، في الآن ذاته».
وجاء ذلك في خطاب افتتح به أمس الجمعة من مدينة ولاته التاريخية الواقعة بأقصى الشرق الموريتاني، الدورة الثانية عشرة لمهرجان مدائن التراث، المخصص للعناية بالمدن التاريخية الموريتانية وانتشالها من الإهمال بوصفها الشاهد على عراقة موريتانيا وأصالتها العربية والإسلامية. وقال: «لقد تضمنتْ المكونةُ الإنمائيةُ لهذه النسخةِ العديدَ من البرامجِ المتعلقةِ بفك العزلةِ، وبتحسين مستوي النفاذِ إلى الخِدْماتِ الأساسيةِ، كالماء والكهرباء، والصحة، والتعليم والاتصالات، وبدعم قدرةِ المواطنين على الصمود، بتَوسيع استفادتهم من شبكة الأمانِ الاجتماعيِ، والعملِ على ترقيةِ إنتاجِهم المحلي، وأنشطتهم المدرة للدخل، موازاةً مع دعم قدراتهم في مجال صيانة المخطوطات والمحافظة على العمران الأثري».
وقال: «إن تراثَ موريتانيا التاريخي، الماديَ والمعنويَ، يمثل، في ثرائه وتنوعه، تعبيراً أصيلاً عن هويتها الحضارية، وقيمنا الدينية والثقافي، فهو الذاكرةُ الأمينةُ التي تحفَظُ قيمنا وأعرافنا، وطرائِقَ عيْشِنا، وتخلِّد أيامنا المجيدةَ وحقَبَنا التاريخيةَ المضيئةَ». وأضاف: «ولا أدَلَّ على ذلك من مدينةِ ولاته التاريخيةِ، التي لا تزال، رغم عادياتِ الزمانِ، صامدةً في حِفظ هويتنا الحضاريةِ، عبر مخطوطاتها النفيسةِ، ومكتباتها الزاخرةِ، وآثارِ بَدِيعِ عمرانها، وأنماطِ زخرفتها الأخًاذةِ، وصِيتِ علمائها الذي طَبَّقَ الآفاقَ».
«ولقد شكلت، هذه المدينةُ» يضيف الرئيس الغزواني، «على مدي حِقبٍ متتاليةٍ، محوَرَ التبادلات التجارية في فضائها الجغرافي، ومركزَ إشعاعٍ ثقافيٍ بارزٍ، استقطبَ العُلماءَ من مختلفِ الأقطارِ، كما كان لها دورٌ متميزٌ في نشر تعاليمِ ديننا الإسلامي السمحِ، شمالَ الصحراء وجنوبها؛ فهي بحقٍ كنزٌ تراثيٌ فريدٌ».
وزاد: «إن صونَ هذا الكنز التراثي، علاوةً على دائمِ استحضاره، والاحتفاء به، يتطلب منا تعهداً مستمراً لمظاهرِهِ الماديةِ، من عمرانٍ، ومخطوطاتٍ، وتحفٍ فنيةٍ، بالترميم والصيانة المنتظمةِ، درءًا لاندثارِهَا، كما يتطلب كذلك، توفيرَ الشروط الإنمائية الضرورية لترقية المدينة، والمحافظة على عَرَاقَتِها التراثية».
هذا ويشمل مهرجان مدائن التراث تنظيم ندوات ثقافية وسهرات فنية، ومعارض للكتب والمخطوطات والمصنوعات التقليدية الموريتانية بمختلف أنواعها ومنتوج التعاونيات الزراعية ومنتوجات النخيل.
وأظهرت معارض المهرجان بما ضمته من قطع تراثية أن مدينة ولاته وشقيقاتها المدن التاريخية الأخرى، شكلت عبر تاريخ موريتانيا بؤر تلاق وتمازج بشري ومراكز تبادل تجاري ومنارات إشعاع علمي وفكري.
وظلت مدينة ولاته ولردح طويل من الزمن، مركزاً تجارياً عامراً ومنارة علم مشعة وفضاء امتزاج بين مختلف الأعراق، وقد أنجبت العديد من رجالات العلم ورواد الفكر اشتهر من بينهم محمد يحي الولاتي والطالب محمد بن أبي بكر الصديق البرتلي.
وقد زارها الرحالة الشهير ابن بطوطة عام 1352 للهجرة، ووصف عادات أهلها وتقاليدهم التي قد أدهشه ما كانت تتصف به من تلقائية وانفتاح لا مكان فيه للتزمت والانغلاق والانزواء، كما نوه بالجو العلمي والمناخ الفكري المتميز الذي كان قائماً فيها في تلك الفترة.
وأسست مدينة ولاته المصنفة لدى اليونسكو ضمن التراث الإنساني، عام 1226 للهجرة لتظل على مدى قرون متوالية مركزاً تجارياً هاماً ونقطة تلاقي القوافل التي تحمل الملح والذهب والحبوب والتمور ومختلف البضائع السودانية والشمال الإفريقية، كما شكلت منارة علم ذات إشعاع كبير.
وقد أنجبت فقهاء وشعراء وأدباء ذاع صيتهم وامتد تأثيرهم إلى تخوم السودان ومختلف أرجاء المغرب والمشرق العربيين.
وقد صادقت الحكومة الموريتانية في اجتماعها الأخير على مخطط تقطيع توسعة مدينة ولاته لخلق إطار حياة ملائم يضمن الأمن والسكينة للمواطنين.
ويغطي هذا المخطط مساحة إجمالية تقدر ب 85 هكتاراً. وخصصت 37 هكتاراً من هذه المساحة للسكن و826 قطعة أرضية بمساحة 400م2 في منطقة التوسعة، ومساحة ـ16 هكتاراً، لتجهيزات عمومية، ومبان إدارية، في حين خصصت مساحة 32 هكتاراً لشبكة طرقية
عبد الله مولود
«القدس العربي»: