مهرجان شمامه للثقافة والتنمية
- ملاحظات أولية-
مهرجان شمامه للثقافة والتنمية،
جرت فعاليات هذا المهرجان بين الرابع والسادس والعشرين من شهر نوفمبر الماضي في عاصمة بلدية اتيشطيات الريفية الحديثة.
(24-26-2023)
فكرة هذا المهرجان الفريد من نوعه جاء بها المين ولد المختار احد اطر حي اتيشطيات العريق. ثم شقت الفكرة طريقها بصعوبة كبيرة خلال اكثر من سنة، حيث كانت اتحديات لا تحصي. اولا استقبلت الفكرة بشكل من الشك والريبة علي المستوي المحلي داخل حي صاحب الفكرة. وحتى الذين استقبلوها بارتياح كانوا يدركون صعوبة تنفيذها علي ارض الواقع.
وعلي مستوي المحيط الجغرافي الواسع لبلدة اتيشطيات اثارت الفكرة تحفظا شديدا تحول شيئا فشيئا الي معارضة متزايدة ولو لم تكن صريحة. كان يدعم ذالك الاتجاه مزيج من الغيرة وانعدام ثقافة روح التنافس الايجابي. يضاف الي ذالك نوع من الانزعاج المزمن من تاريخ اتحدي الذي ميز سكان حي اتيشطيات خلال العقود الماضية وحتي علي ما يمتد الي ما سبق القرن العشرين الماضي.
" نحن شعب قد صلبته الماسي# سهرته الالام والنكبات" يقول الشاعر احمدو ولد عبد القادر اطال الله عمره وشفاه. فالحقيقة ان ميلاد بلدية في اتيشطيات كان ثمرة صراع مرير وطويل مع الطبيعة ومع محيط اجتماعي غير ملائم كثيرا ما يكشف عن عدائه.
ففي الماضي البعيد نسبيا تمكن "اهل اتيشطيات" من تحرير انفسهم من نير العبودية وانتزاع سيادتهم,قبل التقري في بلدة اتيشطيات كانوا بدو ا رحلا يمارسون التنمية الحيوانية وتارة الزراعة في بحيرة اركيز. و كان رجالهم من بداية القرن العشرين يمارسون تجارة البضائع والحيوان في دولة السينغال المجاورة. كانت نسائهم يمتهنون الصناعة التقليدية بالشكل الذي يمارسها نساء الصناع التقليديين. كانت ممارسة كل من هذه النشاطات الاقتصادية ثمرة صراع مرير من اجل اكتساب مزيد من السيادة علي امورهم.
قبل افتتاح مدرستهم سنة 1968 كان يطلق علي حيهم " حي لعبيد" أي حي العبيد. من اجل التميز عن باقي احياء "لحراطين" أي العبيد والعبيد السابقين. كانوا يفتخرون بتلك التسمية سابقًا حتي بعد ان اصبحوا احرارا يمتلكون العبيد في ما مضي بدورهم. فتنافس اهل اتيشطيات لم يكن مع امثالهم اجتماعيا. فالمنافسة المستمرة و العنيدة كانت مع الجماعات الشريفة من المجتمع. حتى في المجال
الثقافي التقليدي كان العديد من رجالهم يحفظون القرءان الكريم ويتعلمون العلم والفقه الاسلامي.
فافتتاح المدرسة الابتدائية نهاية الستينيات من القرن الماضي كان هو الاخر ثمرة صراع مع محيط يخشى من التحدي الذي يمتاز به هذا الحي الفريد اجماعيا من نوعه. انزعج البعض بعد الاعلان عن نجاح جميع التلاميذ المترشحين من حي اتيشطيات في امتحان التجاوز الي السنة الاولي اعدادية سنة 1975. ومن خلال صراعات مريرة ومتعددة تمكن شباب اتيشطيات من الالوج الي العديد من الوظائف والمناصب الادارية والنجاح في ممارسة العمل
التجاري الراقي. فيمثل حي اتيشطيات اليوم شعاعًا ثقافيًا لا مثيل له في المنطقة.
وبحثا عن الحرية والانعتاق لجأ الكثير من الذين يعانون من ممارسة الاستعباد الي حي اهل اتيشطيات واندمجوا بسهولة في مجتمعهم واستفادوا كثيرا من مستوي تمدرسهم وتعلمهم وتمتعهم جميعا(بما فيهم عبيدهم في ما سبق) بالحرية والانعتاق. وهكذا اصبح حي اتيشطيات بمثابة " مدينة حرية" بامتياز.
فهذا الاختراق الاستثنائي لحي ريفي متواضع اجتماعيا وفي عدده اذهل كل من تابع ميلاد ونمو ونجاح مهرجان شمامة للثقافة والتنمية. لا اتذكر ان صاحب الفكرة عرض للنقاش تسمية المهرجان. إلا انه يرجع لأهل كل مولود جديد اختيار الاسم المناسب لمولودهم. ولا يحق لاي أحدٍ ان يلومهم علي ذالك. فكلمة شمامه تطلق فعلا علي كافة المساحة التي تغطي المجال الزراعي الذي يستفيد من سيول مياه نهر السينغال. وتعتبر بحيرة اركيز من هذا المجال الزراعي ولو اذا كانت لا تحمل اسم شمامه. فحوض اركيز اكثر انخفاضا من المناطق الاخري التي لا تحتفظ بمياه سيول النهر قبل ان يمتلأ حوض بحيرة اركير والتي تقع بين هضبتين رمليتين كبيرتين.
فإذن تسمية مهرجان شمامه وهذا بعد تشاور واسع ومعمق اتفقت النواة الاولي لإدارته علي هذه التسمية. كما اتفقوا علي ان يشمل كافة مقاطعات ولاية اترارزه كل بدوره. وذالك من اجل اعادة لشمامه كافة دورها التقليدي التنموي والثقافي في المحيط الحالي للولاية.
وخلال اكثر من سنة ما فتئ مهرجان شمامة يعطي اكله. فقام بالعديد من النشاطات الثقافية في امكنة مختلفة وفي العاصمة نواكشوط التي تنتمي جغرافيا في الاصل الي نفس الولاية. وقد استفادت عدة مهرجانات انعقدت خلال هذه الفترة من المواضيع والشعارات التي تبنتها ادارة مهرجان شمامه. كما استفاد الكثير من الموطنين من توزيعات واسعة لبعض المواد الطبية والمدرسية. و اطلق الاسم شمامه علي بلدية حديثة مجاورة لبلدية اتيشطيات لحسم نزاع اهلي، وهي تقع فعلا في قلب مجال شمامه.
وتوج هذا المجهود الاستثنائي بنجاح منقطع النظير مما اجمع عليه تقريبا جميع الذين حضروا المهرجان او شاهدوا تقارير مصورة او مسموعة عنه. فكان التنوع هو ميزته: تنوع الحضور، تنوع تشكيل ممثلي كافة المقاطعات المعنية، تنوع المواضيع والمحاضرات، تنوع الانشطة الثقافية والفنية...
وكانت وزارة الثقافة قد اوفدت مدير الثقافة في الوزارة السيد اوليد الناس ولد هنون، وكان حضور قامات روحية امثال الولي محمذن ولد محمودا مرفقا بصالونه الثقافي الشهير ومحاضريه الاكفاء أمثال الصديقين الحميمين الاستاذ احمد ولد امبيريك والاستاذ محمد ولد احظان و المحاضر المقتدر الدكتور والعقيد محمد لمين ولد الشيخ المصطف، والشيخ القادري الشيخ عبد العزيز ولد اياه ولد الشيخ سعد بوه ، اياما قليلة بعد توليه عرش الزاوية، وكذالك تولي الرئاسة الشرفية للمهرجان من طرف سعادة السفير الفلسطيني في نواكشوط في الوقت الذي يعيش فيه الشعب الفلسطيني احدي اخطر محنة في تاريخه. فحضور هؤلاء الشخصيات العالية الرمزية يمكن اعتباره مباركة من السماء و مهرجانا ثقافيا اضافيا.
فهنيئا لكل من ساهم من قريب او بعيد في نجاح هذا الحدث الذي تجاوز صداه في النهاية حدوده
الجغرافية المحلية والإقليمية والجهوية. فهنيئا لشخصيات حطمت المقاييس في العطاء امثال كل من احمد ولد احمدو(احميديت) والمدير، الابن البار للحي، احمد ولد خطري والنائبين البارزين بدورهما احمد ولد اب والمختار ولد اخليف والعضو البارز في ادارة المهرجان داداه ولد منيه وكافة أعضاء ادارة المهرجان، وفدرالي حزب الإنصاف محمد باب حمدي ورئيس جهة اترارزه محمد ولد الشيخ وكل من الوزير بمب ولد درمان عمدة روصو و يعقوب ولد موسي عمدة لكصيبه و محمد ولد بوكف عمدة اتيشطيات وممثلين عن المقاطعات الاخري امثال العمدة محمد ولد احمدوا رئيس رابطة عمد اترارزه وممثلة عن العميد العمدة ابيجل ولد هميد. وكذالك فاعلين بارزين أمثال يوسف ادياكيتي وابراهيم ولد رمظان… وكافة المساهمين من اطر وناشطي بلدية اتيشطيات الفتية. اشيد هنا بالدور الرائد والمركزي للصديق العزيز ديدي ولد سيد ميل مد الله في عمره وفي صحته. وكذالك جميع "الجنود المجهولين" الذين يصعب حصر اسمائهم هنا امثال الشباب المشرف علي النظام( الناشط المستنير محمد ولد الزئد والاستاذ السالك ولد الناه والشاعر النح ولد اسلمو و عباد ولد احمد ومحمد ولد جمال وغلام ولد البكاي واخرون كثيرون)، وجميع المتطوعين بالخدمات المختلفة من نساء ورجال. فجميع المدعون والحاضرون اشادوا بالمستوي الراقي والمتحضر للتظاهرة. فهنيئا لالاهل في اتيشطيات علي رفع اتحدي و اعتراف الجميع لهم بالمستوي العالي من اكرام الضيف.
وأخيرا وليس اخيرا تحياتي الخالصة لرائد المهرجان وصاحب مبادرته الاخ المين ولد المختار الذي سهر الليالي وعاني الكثير من اجل النتيجة المظفرة لمهرجان شمامه للثقافة والتنمية وحظ اوفر للعمدة الوزير بمب ولد درمان علي استضافة النسخة القادمة للمهرجان.
اكتشف كولومبوس امريكا واكتشفت موريتانيا "حية
لعبيد" في عاصمة بلدية اتيشطيات !
والله ولي التوفيق
احمد سالم المختار- شداد