رغم المستمر للتصريحات والتقارير التي تتحدث عن محاولات إسرائيلية لتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة إلى بلدان أخرى، إلا أنّ مؤشرات كثيرة لا تخفي نيّة دولة الاحتلال حول هذه الخطوة في الوقت الراهن.
فإسرائيل التي تحدثت عن تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة إلى مصر، صرّحت قيادات كبيرة داخلها عن ضرورة اتخاذ هذه الخطوة، وكشفت تقارير عن مباحثات سرية مع بعض الدول لإتمام هذه الصفقة.
ونقلت صحفية (تايمز أوف إسرائيل) عن مصدر في مجلس الوزراء الإسرائيلي المصغر قوله: إنّ "إسرائيل تجري مباحثات مع الكونغو ودول أخرى لقبول مهاجرين من قطاع غزة".
وتجري إسرائيل أيضاً محادثات مع تشاد ورواندا لاستقبال فلسطينيين من غزة، مقابل حزمة من المساعدات العسكرية والمالية، ضمن خطتها للتهجير الطوعي لسكان القطاع، رغم الرفض الدولي لمخططها.
وقال موقع (زمان إسرائيل) الإخباري: إنّ "مسؤولي جهاز المخابرات (الموساد) ووزارة الخارجية يتفاوضون مع رواندا وتشاد لاستيعاب الفلسطينيين الذين يختارون الهجرة من غزة".
وأضاف: "تقدّم إسرائيل للدول حزمة مساعدات يحصل بموجبها أيّ فلسطيني يقرر الهجرة إلى هناك على منحة مالية سخية، إلى جانب مساعدات واسعة للبلد المستقبل، تشمل مساعدات عسكرية".
وأضاف المصدر أنّ "العمل معقد جداً، ويجب أن نكون حذرين للغاية من ردود الفعل في العالم، والخوف أيضاً من أن يتم تفسيرها على أنّها ترحيل وليس هجرة طوعية، ولهذا السبب نعمل بمشورة قانونية وثيقة".
بالمقابل، نفت تشاد بشكل قاطع الادعاءات بوجود محادثات لها مع إسرائيل بھدف استقبال آلاف الفلسطينيين من قطاع غزة ضمن خطة التهجير "الطوعي" التي تداولها إعلام عبري.
وقالت الحكومة التشادية في بيان نشرته وزارة الإعلام عبر (فيسبوك) أول من أمس: إنّ "تشاد تؤكد من جديد موقفھا الثابت المؤيد للتعايش السلمي بين الدولتين (فلسطين وإسرائيل)، امتثالاً للقانون الدولي"، مضيفاً أنّ الحكومة التشادية "تنفي بشكل قاطع الادعاءات الأخيرة التي بثتھا قنوات إسرائيلية، والتي تزعم فيھا أنّ المحادثات بين إسرائيل وتشاد تُجرى بھدف استقبال آلاف الفلسطينيين من غزة".
تشاد تنفي بشكل قاطع الادعاءات بوجود محادثات بھدف استقبال آلاف الفلسطينيين من قطاع غزة ضمن خطة التهجير "الطوعي"
وتابع: "لقد أيدنا دائماً موقفنا الدائم لوقف إطلاق النار، وضمان حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير، وفقاً للمعايير الدولية".
وبعيداً عن القارة الأفريقية دخلت دول أوروبية على خط عمليات تهجير الفلسطينيين من غزة، حيث اعتبر الكثيرون أنّ عمليات نقل المساعدات عبر البحر من قبرص اليونانية إلى القطاع ليس إلا محاولة للتهجير عبر البحر، بعد تفاهمات حصلت بين إسرائيل ودول في القارة العجوز وافقت بشكل ضمني على استقبال المهجرين.
وحول الموضوع أعرب رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية خلال لقائه القنصل اليوناني العام لدى فلسطين ديمتريوس أنجيلوسوبولوس الأسبوع الماضي، أعرب عن رفضه لمبادرة قبرص "لنقل المساعدات" إلى قطاع غزة بحراً.
وأكد في تصريح صحفي نقلته وكالة (وفا) الفلسطينية أنّ الممر المائي الذي تتحدث عنه قبرص تحت شعار نقل المساعدات إلى قطاع غزة مهمته تهجير الفلسطينيين إلى خارج القطاع.
وكان رئيس قبرص نيكوس خريستودوليدس قد ناقش مع وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن في وقت سابق مبادرة قبرص لإنشاء ممر بحري لإيصال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، ودور قبرص في إجلاء الأجانب من غزة، وفق ما نقلت وكالة (فرانس برس).
وفي مصر أيضاً كشف مصدر مطلع لوكالة (نوفوستي) عن وجود خطط للحكومة الإسرائيلية لتوطين عدد كبير من الفلسطينيين من قطاع غزة في مصر بذريعة ضمان سلامتهم خلال المرحلة النشطة من الحرب، وأنّ المحاداثات ما تزال تُجرى، إلا أنّ الجانب المصري يواصل إفشال تلك المخططات.
وفي سياق متصل، أثار حديث وسائل إعلام إسرائيلية عن تعيين رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير مسؤولاً عن ملف تهجير الفلسطينيين من غزة، أثار غضباً واستنكاراً واسعين على المستويين الشعبي والرسمي، إذ يمتلئ تاريخ بلير بالجرائم في حق الشعوب العربية، وكانت بلاده المساهم الأبرز بمأساة الشعب الفلسطيني الممتدة.
وقالت الخارجية الفلسطينية في بيان نقلته وكالة (وفا): إنّها تتابع باهتمام كبير ما ينشره الإعلام الإسرائيلي عن تولي بلير رئاسة فريق من أجل ما تسميه الحكومة الإسرائيلية "الإخلاء الطوعي" لسكان غزة، وإجراء مشاورات مع بعض الدول لاستقبالهم كلاجئين، مؤكدة أنّها جريمة إسرائيلية واستمرار للتهجير منذ النكبة.
الكثيرون يعتبرون أنّ عمليات نقل المساعدات من قبرص اليونانية إلى القطاع ليست إلا محاولة للتهجير عبر البحر
وقد أعاد كثيرون في مواقع التواصل الاجتماعي الحديث عن جرائم بلير بالمنطقة العربية، لا سيّما دوره في حرب العراق وتلطخ يديه بدماء العراقيين، دون أن يُحاسب حتى الآن.
من جانبه، نفى توني بلير بشدّة ما جاء في تقرير قناة تلفزيونية إسرائيلية حول محادثات أجراها الأسبوع الماضي في إسرائيل بشأن تهجير الفلسطينيين من قطاع غزّة إلى دول أخرى.
وفي الإطار ذاته المتعلق بتهجير الفلسطينيين كشفت صحيفة (إسرائيل اليوم) أنّ هناك مبادرة جديدة جرى تقديمها إلى الكونغرس الأمريكي تستهدف تحويل المساعدات المقدمة لدول مثل العراق ومصر واليمن وتركيا، مشروطة باستعدادها لاستقبال اللاجئين الفلسطينيين من قطاع غزة.
وأكدت المبادرة أنّ الولايات المتحدة ستسعى لتوزيع الفلسطينيين على تلك الدول، بشكل يتناسب مع عدد سكانها، ومع حجم المساعدات التي تقدّم لها من أمريكا.
هذا، ولاقت مخططات تهجير الفلسطينيين إدانة أوروبية جماعية، بما في ذلك من بريطانيا وألمانيا وفرنسا وإسبانيا وهولندا وسلوفينيا وأيرلندا وغيرها.
وأدانت فرنسا تصريحات المسؤولين الإسرائيليين التي تطالب بتهجير السكان الفلسطينيين في غزة، قائلة: إنّ "إسرائيل ليس لها الحق في تقرير مصير سكان غزة".
وجاء في بيان صادر عن وزارة الخارجية والكومنولث والتنمية البريطانية أنّ لندن "ترفض بشدة أيّ اقتراح لإعادة توطين الفلسطينيين خارج غزة".
وأكد البيان، الذي نقلته وكالة (رويترز)، أنّ غزة أرض فلسطينية محتلة، وستكون جزءاً من الدولة الفلسطينية المستقبلية.
وأكدت وزارة الخارجية الألمانية معارضتها لتهجير السكان الفلسطينيين في غزة، قائلة: "إنّنا نرفض بأقوى العبارات التصريحات التي أدلى بها الوزيران الإسرائيليان".
وقال المتحدث باسم الوزارة سيباستيان فيشر: إنّ هذه القضية نوقشت خلال اجتماع وزراء خارجية مجموعة الـ (7) في عاصمة اليابان طوكيو في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي. وقد شدد فيشر على رفض بلاده الإبعاد القسري للفلسطينيين من غزة، وتقليص مساحة القطاع".
كما رفضت إسبانيا وهولندا وسلوفينيا وأيرلندا كلّ دعوات التهجير القسري للفلسطينيين، باعتبارها مخالفة للقوانين الدولية، وتهديداً لآفاق التوصل إلى حلٍّ مستدام على أساس الدولتين.
وكان وزراء إسرائيليون، بينهم وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير والمالية بتسلئيل سموتريتش والنائب في الكنيست عن حزب (الليكود) الحاكم داني دانون، قد دعوا في الأسابيع الأخيرة إلى تشجيع الهجرة الطوعية للفلسطينيين من قطاع غزة؛ الأمر الذي أثار انتقادات أمريكية ودولية وعربية.
وفي وقت سابق قالت الخارجية الفلسطينية: "إنّ التهجير الطوعي لسكان غزة يستدعي موقفاً دولياً لوقف هذه الجريمة والحرب"، ووصفت حركة (حماس) تلك الدعوات بأنّها "مجرد أحلام يقظة غير قابلة للتنفيذ"، وطالبت المجتمع الدولي بـ "التدخل لمواجهتها".