عادت خلافة الرئيس محمد ولد عبد العزيز الذي تنتهي ولايته الرئاسية الأخيرة منتصف السنة المقبلة إلى واجهة النقاش السياسي أمس إثر تفاعل كبير لتصريحاته أمام الأيام التشاورية لحزبه التي أكد فيها استمرار نظامه وعدم قبوله للفراغ وعدم أهلية المعارضة لخلافته.
وتابع كبار الكتّاب والمدونين تعليقاتهم على ما يلف مسار انتخابات 2019 من غموض بينما اهتمت كبريات الصحف بالبحث عن الخليفة الذي سيختاره الرئيس المنصرف، حيث خصصت صحيفة «الأخبار/أنفو» ملفها الأسبوعي للحديث عن خلفاء الرئيس المحتملين تحت عنوان «معالم الصراع على تركة الرجل المغادر، إصلاح يخفي تنافساً بين الفريق والعقيد».
وأكد محمد فال بلال وزير الخارجية الأسبق في خضم هذا النقاش، في تدوينة له أمس قوله: «خلافاً لكثير من المراقبين والمحللين، فإننّي لا أهتَم كثيراً بما يخطط له الرّئيس عزيز بشأن مستقبله الخاص، ولا أهتَم بما قد يتخذ من إجراءات لتَوطيد فريقه السياسي وإعداده وترويضه في وجه الانتخابات المزمع إجراؤها 2018-2019، فما يهمني هو أن يحترم ولد عبد العزيز الدستور في موادّه المحصّنة، وألاّ يترشّح لخلافة نفسه طبقا للقسَم، وأن يُجري مشاورات مع المعارضة، ويضع آليات تضمَن نزاهة الانتخابات، ما عدا هذا، لا يهُمني كثيرا».
وقال «ليكن بوتين أو مدفيديف، أو رئيس الحزب، أو رجل أعمال، أو في الشارع، أو مدرّب فريق «المرابطون».. وليُطلق ما شاء من صفّارات، ويقابِل ما شاء من المصفقين والمصفِّقات.. لا يهمّني؛ أدري أنّه لا يريد بل يكرَهُ تسليم السلطة للمعارضة؛ وفي المقابل، أدري أنّه لا يستطيع تسليمها للموالاة بمحض إرادته! والمفارقة واضحَة بالنّسبة لي، حيثُ أنّ الرجل تَعوزُه الإرادة المطلوبة لتْوفير الديمقراطية الحقّة، وتعوزه القدرة المطلوبَة للدكتاتوريّة المحضَة».
وأضاف ولد بلال «الموضوع بين الرئيس والمعارضة موضوع معركة وصِراع، والانتخابات القادمة لن تكون نُزهَة لأي من الطرفين؛ ولن تُحسَم هكذا بجرّة قلم من أيّ كان، ولذلك أستغرب دائما الاهتمام الزائد بمشاريع عزيز وتوَجّهاته، وكأنّ الرّجل وحدَه في الساحة وكأنه «سُوبَرمان» يمتلك القدرة الكافيّة لتنصيب من يشاء كيفما شاء، حتّى وهو خارج دائرة الترشح؟؟». وأكدت صحيفة «الأخبار/أنفو» في ملفها عن خلافة الرئيس ولد عبد العزيز أن «دائرة المتنافسين الرئيسيين على إرث الرئيس «المغادر»، بدأت تضيق مع الوقت، ويكاد التداول الآن ينحصر في صفوف أنصار ولد عبدالعزيز على اسمين بصفتهما مرشحين لهذا «الإرث»، وهما الفريق قائد أركان الجيوش محمد ولد الغزواني، والعقيد المتقاعد الشيخ ولد بايه».
وأضافت «النقاش تركز خلال الأسابيع الأخيرة حول الرجلين المنتميين للمؤسسة العسكرية، والمرتبطين بعلاقات خاصة مع ولد عبد العزيز، وظهرت إشارات هنا وهناك تحمل مواقف تنحاز لأحدهما في الدائرة المؤثرة في الفعل السياسي في البلاد، فيما يفضل بعد الفاعلين التمسك بـ»أمل» التمديد لولد عبد العزيز رغم أحاديثه المتكررة الرافضة لذلك، والمؤكدة على احترام الدستور».
«ويمتلك كل من الرجلين نقاط دفع لنيل ثقة ولد عبد العزيز ومساندته خلال الانتخابات الرئاسية التي ينتظر أن تنظم منتصف 2019، مصحوبة بنقاط ضعف، وعقبات قد تقف حجر عثرة في سبيل وصوله إلى بؤرة القرار الموريتاني في القصر الرمادي في نواكشوط».
وحسب الصحيفة فإن «الذي يشوش على الساعين لمناصرة الرجلين للوصول لأعلى منصب في البلاد هو الغموض الذي يلف ما يصفونه بـ»الموقف» النهائي للرئيس ولد عبد العزيز من مرحلة 2019، وذلك في ظل الرسائل المتضاربة التي يبعث بها من حين لآخر، والتي يحرص من خلالها على البقاء في دائرة من الضبابية لا ينجلي جزء منها إلا ليخلفه جزء آخر من جديد».
وتحدثت الصحيفة في تحليلها عن نقاط قوة وضعف الجنرال محمد ولد الغزواني قائد أركان الجيوش الحالي، فأوضحت «أن من أبرز نقاط القوة لديه، فضلاً عن صداقته لولد عبدالعزيز، مشاركته المسار نفسه طيلة السنوات الماضية، والمشاركة في تنفيذ عدة محطات من تاريخ البلاد، منها انقلابي 2005، و2008، فضلا عن انتمائه لمنطقة ذات ثقل شعبي كبير».
ويؤكد أنصار ولد الغزواني أنه الأقدر على ضمان استمرار ما يصفونه بالنهج المشترك بين الرجلين، وهو ما أشار له ولد عبد العزيز خلال خرجة قصر المؤتمرات، فضلا عن تمتعه بقبول داخل الجيش ولدى الجمهور، مما يسهل عملية وصوله للسلطة بعيد انتهاء مأمورية رفيق سلاحه. ومن نقاط قوة قائد أركان الجيوش ولد الغزواني أيضاً، حسب الصحيفة، «علاقاته الإقليمية والدولية، وبالأخص في الدول ذات التأثير المباشر في الملفات الموريتانية، وقد فسر تصريح السفير الفرنسي في نواكشوط جويل مايير الأسبوع الماضي حول ثقتهم في مواصلة خليفة ولد عبد العزيز لمسيرته في مكافحة الإرهاب بأنها إشارة واضحة له».
وفي مقابل خيار توريث قائد أركان الجيش، يبرز خيار ترشيح العقيد المتقاعد، ورجل المهمات الصعبة الشيخ ولد بايه، الصديق الشخصي للرئيس محمد ولد عبد العزيز، وصاحب النفوذ المتزايد في كل الملفات الكبيرة، وآخرها الملف السياسي الذي شكل الشخصية الأهم فيه خلال مداولات إصلاح الحزب الحاكم الجارية.
وترى صحيفة «نواكشوط/أنفو» أن «من أبرز نقاط قوة الشيخ ولد بايه الرجل الممسك بملف الصيد الموريتاني نوعية علاقته بالرئيس ولد عبد العزيز، حيث تنحو علاقتهما نحو العلاقة العائلية، ولا حدود لدرجة الائتمان بينهما، حسب مقربين من ولد بايه».
وأكدت الصحيفة «أن وصول العقيد متقاعد للقصر الرمادي سيتيح للرئيس ولد عبدالعزيز البقاء في موقع الحاضر في التفاصيل بحكم نوعية العلاقات بينهما، وقد يضمن ذلك بالبقاء في رئاسة الحزب الحاكم، أو الاقتراب أكثر لمنصب الوزير الأول».
وحول نقاط ضعف العقيد أكدت صحيفة «الأخبار/أنفو «أن من أبرزها ضعف علاقته داخل المؤسسة العسكرية، حيث تقتصر علاقاته داخل الجيش على جيله الذي تقاعد غالبيته، أو على الرئيس ولد عبد العزيز الذي خرج من الجيش منذ سنوات».
ويأتي الحراك السياسي داخل الغالبية تحضيراً لمرحلة غير مسبوقة في التاريخ الموريتاني وفقا للدستور الموريتاني، حيث ينص الدستور في مواده المحصنة على انتخاب رئيس جديد للبلاد منتصف 2019 مع انتهاء المأمورية الثانية والأخيرة للرئيس محمد ولد عبد العزيز.
ويأتي الاستحقاق الرئاسي المقبل تتويجاً لمسار من الاستحقاقات الانتخابية من المجالس الجهوية المستحدثة إلى المجالس البلدية، وانتخابات أعضاء البرلمان، ودخلت موريتانيا عملياً التحضير لمسار هذه الاستحقاقات التي ينتظر أن تختتم برئيس جديد للبلاد، سيكون أول رئيس منتخب يستلم السلطة من رئيس منتخب
«القدس العربي»: