مشاكس ومشاغب يحترم فنه إلى ابعد الحدود ولا يقدم إلا ما يرضيه ولا يقبل ان يكون تابعا أو في زمرة أي نجم مهما كان، هذا هو الموسيقار الكبير محمد الموجي، الذي دخل في صدامات عديدة مع النجوم بسبب حرصه على ألحانه وفنه ورغبته في التميز وعمل ما يرضيه بعيدا عن حسابات السوق والمكسب والخسارة، ومن ضمن تلك الصدامات ما وصل إلى ساحات القضاء مثل ما حدث في اغنية للصبر حدود.
في مايو من عام 1963 رفعت كوكب الشرق دعوى قضائية ضد الموسيقار محمد الموجي تطالبه فيه بدفع تعويض يبلغ 500 جنيه ورد مبلغ 300 جنيه كان قد تقاضه كمقدم لثلاثة ألحان يقوم بتلحينها "للست" وهما "حيرت قلبي" كلمات أحمد رامي و "للصبر حدود" كلمات عبد الوهاب محمد وأغنية كان اسمها "لا يا حبيبي" ولكن من قال إن الخلاف بدأ في ساحة المحكمة.
الخلاف من الأصل حينما عرضت الأغنيات الثلاثة على الموجي ليلحنها ولكنه رفضهم لضعف الكلمات وطالب بتغيريهم والبحث عن أغاني جديدة يلحنها الموجي، ولان الموجي كان من نجوم التلحين وقتها وحتى وفاته، فكان مشغولا بالعمل على العديد من الأغنيات لمطربين اخرين، ومسئولية التلحين لام كلثوم جسيمة.
أم كلثوم تفاديا لأي تعطل في مسيرتها ولاقتناعها بكلمات "حيرت قلبي" التي كتبها احمد رامي قامت بإسناد مهمة تلحينها للموسيقار الكبير رياض السنباطي لينتهي منها وتغنيها ام كلثوم عام 1961، إذا بداية الخلاف كان عام 1960، عودة مرة أخرى للموجي وام كلثوم الذي وصل بينهم الخلاف إلى أن الست اتهمت الموجي بالإهمال المتعمد حتى تنتهي مدة العقد بينهم وصار خصام بين الثنائي.
تدخل سفير النوايا الحسنة في فرقة ام كلثوم، ومن غيره العازف العبقري " احمد الحفناوي" صولو الكمان في فرقة ام كلثوم، وذهب واخذ الموجي من يده للست وأدار جلسة لتهدئة الأجواء بين الطرفين واسفرت الجلسة عن ترك يد الموجي ليختار الكلمات التي تعجبه ويلحنها بدلا من الأغاني التي كانت تريديها ام كلثوم.
بالفعل يتفق الموجي مع الشاعر محمد حلاوة على كتابة كلمات ويغيب الموجي طويلا ولكنه يعود ومعه لحن اغنية " لو نسيت الذكريات اسأل الصيف اللي فات" ولكن ام كلثوم اعترضت على بعض الكلمات فتعم تعديلها ولكنها عادت واعترضت على الاغنية كلها، فطلب منها الموجي العودة لنقطة الصفر ان تختار الكلمات وترسلها له.
[أم كلثوم والموجي في احد الاستديوهات]
ولكن نشاط الموجي الفني وقتها مع عبد الحليم وشادية وصباح وغيرهم من النجوم اغضب ام كلثوم وشعرت انها أصبحت في ذيل قائمة اهتمامات الموجي الفنية فبدلا من ان ترسل له كلمات الاغنية الجديد أرسلت له دعوي على يد محضر تطالبه فيه بالتعويض ورد العربون، ليصبح الموجي وجها لوجه مع الست في ساحة القضاء.
في المحكمة حدث القاضي الموجي قائلا السيدة ام كلثوم طلبت منك تلحين اغنية للصبر حدود ولم تنتهي من اللحن في الموعد المحدد؟ فرد الموجي "خلاص أحكم عليا بالتلحين" فقال القاضي " خلاص حكمنا عليك بالتلحين" فرد الموجي " نفذ الحكم " فسأله القاضي "كيف؟" فرد الموجي افتح رأسي واخرج اللحن يا سيادة القاضي أنا مش آلة الكلمات تدخل من هنا فتخرج لحن في التو واللحظة، دي مشاعر وأحاسيس تحتاج إلى وقت علشان تخرج للنور و"الست" مش مطربة عادية" فرد القاضي " عندك حق سأحفظ القضية وانت شوفلك حل مع ام كلثوم".
خرج الموجي من المحكمة على منزل ام كلثوم في الزمالك ليعاتبها على انها ادخلته المحكمة فما كان من الست إلا ان قالت " ما هو للصبر حدود يا محمد للصبر حدود، وكل ما أدور عليك ألاقيك مشغول مع شادية أو صباح أو عبد الحليم او فايزة فحيرت قلبي معاك يا أخي" وتصافي الاثنان ولكن من قال ان الأزمة انتهت.
بدا الموجي في تلحين للصبر حدود رغم اعتراضه على الكلمات ووافقت ام كلثوم على اللحن ماعدا المقطع الأخير الذي طالبت بتغيريه ولكن الموجي رفض بل نهض غاضبا وانصر من منزل ام كلثوم، بل اعتزل الموجي الحياة واعتكف في منزله لا يخرج منها فطلبت أم كلثوم من سفير النوايا الحسنة احمد الحفناوي وعازف القانون في فرقتها وقائدها بعد رحيل القصبجي "عبده صالح" ان يذهبا للموجي ويقنعانه بالعودة لأم كلثوم والحديث معها، وبالفعل يذهب الموجي معهم ويتفق الطرفان على ان تغني أم كلثوم اللحن كما هو.
لتخرج أخيرا أغنية للصبر حدود إلى النور عام 1964 بعد شد وجذب وقضايا ومحاكم ولكن من قال إن الموجي خرج راضيا من هذه المواجهة مع الست، لقد شعر الموجي ان الست فرضت رأيها عليها فأخذ يعد نفسه للثأر وقد كان بعدها بأعوام في اغنية "اسأل روحك" ولكن هذه قصه أخرى.
عمرو شاهين