بدأ انشغال الموريتانيين بمستقبل بلدهم وبالتناوب على حكمه في منعطف انتخابات 2019، يطفو على السطح في ظل استمرار القطيعة الكاملة بين النظام ومعارضته وفي غياب أي توافق بينهما حول آليات إجراء وتسيير انتخابات 2018 النيابية والبلدية وانتخابات 2019 الرئاسية.
ويتزامن هذا الانشغال مع اختتام المعارضة الموريتانية لسلسة مهرجانات في الداخل خصصتها لعرض قوتها ولتأليب المواطنين على النظام الحاكم «العاجز، حسب تأكيد قادتها، عن توفير أبسط الخدمات للمواطنين في سنة عجفاء بسبب نقص الأمطار». كما يتزامن الانشغال مع تحضير حزب الاتحاد من أجل الجمهورية الحاكم في موريتانيا، لحملة انتساب كبرى ستنطلق في عموم البلاد يوم الإثنين المقبل بقيادة الوزراء وكبار مسئولي الدولة.
وتطرح في هذه الأثناء على مستوى الساسة كما على مستوى المراقبين، أسئلة عديدة حول نيات الرئيس محمد ولد عبد العزيز المتعلقة بالتحضير للانتخابات المقبلة، وحول ما إذا كان سيغادر الرئاسة بالفعل كما أكد ذلك عدة مرات، أم أنه ينوي تعديل الدستور في آخر لحظة، ليتمكن من الترشح لمأموريات إضافية.
وأكد محمد فال بلال وزير الخارجية الأسبق والسياسي المخضرم في تدوينة له توبعت على نطاق واسع، «أن موريتانيا مقبلة حاليا على ثلاثة سيناريوهات محتمَلة هي: سيناريو التقدُّم، وسيناريو مراوَحَة المكان، وسيناريو النُّكوص». وأوضح الوزير بلال «أن سيناريو التقدم يعني، بالنسبة له، التّوصل إلى تهدئة وتفاهمات عبر حوار مباشر أو غير مباشر بين الفرقاء السياسيين بما يسمَح بإجراء انتخابات متفق عليها ويطمئنُّ لها الجميع، انتخابات مجهولة النتائج مسبَقا؛ وبها وعليها، تدخل موريتانيا في نادي الدول الديمقراطية مع فَوز رئيس جديد منتخب بطريقة شفافة ونزيهة تحظى برضا جميع الأطراف المشاركة».
وأكد «أن هناك خمس مؤسسات سوف تتحمّل العِبء الأكبر في تأطير المرحلة القادمة، وينتَظر منها السير بالبلاد باتجاه السيناريو الأفضل وهو الأول، وأن تجنّبها السيناريو السيء مع سدّ الطريق مطلقا أمام السيناريو الأسوأ وهو السيناريو الثالث»، وهذه المؤسسات هي الرئيس المنتهية ولايته، ورئيس المجلس الدستوري، ورئيس المحكمة العليا، ورئيس اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات، ومؤسسة الإعلام فهذه المؤسسات الخمس، يقول بلال، هي من يتحمّل المسؤولية الأعظم في الإشراف والتنظيم والتحكيم وحفظ الحقوق وصَون العدالة بين الفُرَقاء السياسيين، وينبغي اختيار الشخصيات المسؤولة عنها بتَجَرُّد وحِكمَة، وسوف يحكم الطيف السياسي والرأي العام الوطني والدولي على مدى جِديّة العملية الانتخابيّة ومصداقيتها من خلال هذه الشخصيات، وما تتمتّع به من كفاءة وثِقة واحتِرام». وعبّر الدكتور الشيخ معاذ سيدي عبد الله وهو أستاذ جامعي ومدوّن بارز، عن قلقه على موريتانيا من زاوية أخرى هي «احتياج اللعبة السياسية في أيامها المقبلة، حسب رأيه، إلى ضمانات كثيرة تطمئن الفرقاء». وقال: «ما حدث في الاستفتاء الأخير من تلاعب بإرادات الناس وتزوير قناعاتهم والتصويت عنهم وعن موتاهم، وما تأكد من تواطئ بل وتغاض من اللجنة المستقلة للانتخابات عن التجاوزات والطعون، بما في ذلك فضائح الإعلان عن نتائج بعض المكاتب وعدد المصوتين فها أكثر من عدد المسجلين فيها، كل هذا وأكثر ما زال عقبة حاضرة في أذهان الجميع معارضة وشركاء من خارج البلد».
«لذا يعتبر الحديث عن الاستحقاقات القادمة، يضيف ولد سيدي عبد الله، أياً كان نوعها من دون تقديم ضمانات على الشفافية ومراجعة للائحة الانتخابية ولجميع الهيئات المنوط بها إجراء الانتخابات والتصديق على نتائجها، ضربا من الخيال والعبث والضحك على الذقون».
وقال: «الاستفتاء الماضي كان عملية هزلية حدثت في كهف مهجور، بعيدا عن أعين الإنس والجن، استفتاء غير مراقب دوليا ولا تقبل طعون المشاركين فيه ولا تقارير المراقبين المحليين، كأنه يحدث في إحدى جزر السندباد، فمثل هذا الاستفتاء، يقوق الدكتور الشيخ، لن يقدم عليه عاقل أو نصف عاقل».
واختتم ولد ســيدي عبد الله تدوينته قائلاً: «لا بد من عمل كبير وكثير، على آليات التغيير المقبل، لا بد من جسر آمن لعبور صراط 2019».
عبد الله مولود
«القدس العربي»: