من المنتظر أن يكون قد توجه 24 شخصا، تحت يافطة حقوق الإنسان، إلى الجزائر، انطلاقا من مطار الدار البيضاء، وأربعة منهم التحقوا أيضا بهم من مطار أكادير، بجوازات وهوية مغربية، للمشاركة في الجامعة الصيفية بومرداس، وهي الجامعة التي تكون مناسبة لتلقين هؤلاء دروس نظرية في إشاعة الفوضى وكيفية تخريب المنشآت العمومية وممارسة كل أشكال التخريب الذي نشاهده في بعض الأحداث في الأقاليم الجنوبية في مواعيد محددة متفق عليها.
يكفي فقط الإشارة هنا إلى أن أغلب، بل جل، من حرض على تفجير مخيم اكديم ازيك سنة 2010 وارتكبوا الأفعال الإجرامية التي سقط فيها أفراد من القوات العمومية والدرك الملكي والوقاية المدنية هم خريجو هذه الجامعة التي يؤطرها عسكريون جزائريون ورجال استخبارات ذات البلد وبتمويل كامل منها.
تتحول الأراضي الجزائرية إلى فضاء لتهديد أمن المغرب في هذه “الجامعة”، التي يتحول فيها “الحقوقي” الذي من المفترض أن يحمل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمواثيق الدولية، إلى حامل لأفكار كلها عنف وحامل للسلاح، حيث يتم استغلال هذه الزيارة للتسلل خلسة للمخيمات قصد الخضوع لدورة تدريبية عسكرية وحمل السلاح لمطابقة الدروس النظرية بالعملي في انتظار تنفيذ الخطة التي تكوم مواقيتها مرتبطة بأحداث معينة تتعلق بالقضية الوطنية، مناقشة الملف في الأمم المتحدة أو زيارة المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة للمغرب وللأقاليم الجنوبية، وهو ما حدث مثلا سنة 2012 في أحداث الداخلة، حيث كان هناك هدف إحراقها بالكامل تزامنا مع زيارة كريستوفر روس للمدينة.
المغرب طبعا دستوره يضمن حرية التنقل ويكفلها القانون، وفي هذا الإطار جميع المواطنين كيفما كان انتماؤهم وموقفهم السياسي يغادرونه حتى لو تعلق الأمر بالقيام بأنشطة سياسية في الخارج، لكن أن تتحول هذه الحرية، وهذا الحق إلى مناسبة للتدرب على كيفية تخريب المغرب وأقاليمه الجنوبية، وأن يتحول هذا الحق لمناسبة لتهديد الأمن في الجنوب المغربي، وأن يتحول هذا الحق لمناسبة لتجنيد النشطاء تحت مسميات الحق في التنقل وحقوق الإنسان، فهذا قد يعتبر نوعا من التساهل غير المبرر، ولا يمكن؛ لأن المنطقة تشهد مناقشة وضعها في الأمم المتحدة، أن نقبل بهكذا تحركات من أقلية وضعت نفسها تحت إمرة المخابرات الجزائرية وباعت نفسها للشيطان مقابل الأورو القادم من لاس بالماس.
هذا الحق، أي حق التنقل، يجب أن يمارس في إطار القانون، سواء الوطني منه، أو الدولي الذي يمنع القيام بأنشطة تهدد الأمن والسلم، ويكفي العودة إلى مختلف النصوص ليتأكد شرط التمتع بهذه الحقوق بمدى سلمية أصحابها وممارسيها.
الاتفاقية الدولية لحماية المدنيين واضحة، والتي يستند عليها هؤلاء “النشطاء” لتبرير تحركاتهم، فموادها تقرن السلمية، وتقرن عدم تهديد سلم الدولة وأمنها قصد التمتع بالحقوق المكفولة بها، إذ مختلف الاتفاقيات والقوانين تكفل ممارسة هذه الحقوق، لكن عندما تتحول وتخرج عن إطارها السلمي فهي تعلق ويجب تطبيق القانون في حقهم.
هل يمكن تصور أن يرحل إسبان من إقليم الباسك أو الكطلان ويتدربون على حمل السلاح أو يأخذون دورة تدريبية في العصيان وإشاعة الفوضى؟ هل ستتركهم إسبانيا يدخلون إليها دون تطبيق القانون عليهم ومحاكمتهم؟
وهل نتصور أن يسافر الفلامان من بلجيكا إلى الخارج ويتدبرون كما يتدرب هؤلاء النشطاء على إحداث السيبة وتتركهم بلجيكا دون محاكمة عند عودتهم؟
وهل نتصور الكيبيكيين يسافرون إلى بلد مجاور للتدرب على السلاح حتى لو كان على المستوى النظري وتتركهم يعودون لكندا دون محاكمة؟ هل… وهل؟
إننا أمام سؤال واضح وجواب أوضح. هؤلاء يخرقون القانون، ليس بسفرهم أو تنقلهم إلى بلد “جار”، بل عندما شاركوا في جامعة في بومرداس موضوعها العنف، وجب تطبيق القانون ولا غيره عليهم. والأكيد أن الأمم المتحدة، التي تحفظ السلم في العالم وتدير هذا النزاع المفتعل حول الصحراء تحت المادة السادسة من ميثاقها وتدفع بالمبعوث الشخصي لخلق شروط للمفاوضات، لن تقبل بمن يهدد السلم في المنطقة، وبمن يهدد مسار الملف، خاصة أن هذا النشاط ينظم في بلد تعتبره الجزائر معنية بالنزاع وطرف فيه، هي بهذا التصرف، أي الجزائر، تقوض السلم وتهدد مسار الملف ككل، وهو ما يجعل المغرب كذلك معنيا بإعداد ملف حول مشاركتهم في الجامعة وما يقومون به، مع عرضه على كوهلر والأمين العام للأمم المتحدة.
نوفل البعمري (محامي)