العــقـــرب.. القاتـل الصيفـي التي تسبب في وفاة 62 مغربيا في 2017

أربعاء, 08/08/2018 - 16:42

يعود سم العقارب كل صيف ليفرض نفسه على واجهة الأحداث في المملكة، مع تداول أخبار تفيد بوقوع إصابات هنا ووفيات هناك، توازيها أرقام رسمية صادرة في هذا الإطار تثبت أن الموضوع مازال يفرض نفسه مشكلا عويصا في القطاع الصحي، سواء في ما يخص الإصابات أو طرق العلاج أو الاستراتيجيات المتبعة لمحاربته.

قد يعثر أحدهم عليها في حذائه أو داخل ملابسه أو تحت وسادته أو في زاوية ما من بيته، وغيرها من الأماكن التي خبرها سكان القرى جيدا. الصيف لا يعني بالضرورة لهؤلاء موسم اصطياف وسفر وترويح عن النفس، وارتماء في حضن الموج، بقدر ما يعني حالة استنفار تحسبا للسعة عقرب قد تودي بحياتهم أو بحياة أقربائهم، فإذا كانت لسعة شمس الصيف حارقة، فلدغة عقرب قد تكون قاتلة.

النشاط الكبير الذي تشهده العقارب خلال هذه الفترة من كل سنة، بسبب الارتفاع الكبير في درجات الحرارة، يفرض نفسه بإلحاح على أحاديث سكان البوادي، ويصبح الهاجس الأكبر بالنسبة إليهم طريقة تجنب لسعة سامة وحماية أطفالهم منها. يتضاعف الهاجس في المناطق التي تبعد عدة كيلومترات عن المستشفيات وتغيب عنها المراكز الصحية، وحتى إن وجدت قد لا يحالف المصاب الحظ للعثور على مصل مضاد للسم، ما يضطره إلى قطع عدة كيلومترات بحثا عن مستشفى في أقرب مدينة ممكنة، ومع مرور الوقت يكون السم قد استشرى في جسده وقد يودي بحياته، خاصة إذا كان الضحية طفلا.

وهناك حالات كثيرة لمصابين لقوا حتفهم بسبب غياب المصل المضاد للسم في المراكز الصحية التي لجؤوا إليها، مع اعتماد البعض، أمام غياب البديل، على وسائل بدائية وتقليدية بغض النظر عما تشكله من خطورة وما تحمله من مضاعفات صحية على صاحبها. موضوع سم العقارب يعود كل صيف ليفرض نفسه على واجهة الأحداث في المملكة، مع تداول أخبار تفيد بإصابات هنا ووفيات هناك، توازيها أرقام رسمية صادرة في هذا الإطار تثبت أن الموضوع مازال يفرض نفسه مشكلا عويصا في القطاع الصحي، إن على مستوى الإصابات أو طرق العلاج أو 
الاستراتيجيات المتبعة لمحاربته.

السم الأول في المغرب

في مغرب 2018، يتصدر سم العقارب أنواع إصابات التسمم المصرح بها، حسب المركز المغربي لمحاربة التسمم واليقظة الدوائية، وتبرر ذلك الأرقام المرتفعة المسجلة في الإصابات والوفيات الناتجة عن لسعات العقارب. فخلال السنة الماضية، سُجل ارتفاع في عدد الحالات، والتي بلغت حوالي 30 ألف حالة إصابة بلسعة عقرب، 70 في المائة منها في البوادي مقارنة بعدد الحالات التي سُجلت سنة 2016، والتي بلغت 27 ألف حالة. بالنسبة إلى الوفيات، جرى تسجيل 62 حالة، 97 
في المائة منهم أطفال. وحسب الدراسة التي تتوفر «أخبار اليوم» على نسخة منها، فإن 75 في المائة من حالات التسمم تُسجل بين شهري أبريل وأكتوبر، وتبلغ ذروتها خلال شهري يوليوز وغشت بالنظر إلى الحرارة المرتفعة المميزة لهذين الشهرين، علما أن الحالات التي تُسجل تقع غالبا بين السادسة مساء والسادسة صباحا.

الجهات الأكثر إصابة

تربعت جهة مراكش-آسفي على عرش الجهات الأكثر تسجيلا لحالات تسمم العقارب، حسب دراسة المركز المغربي لمحاربة التسمم واليقظة الدوائية، بنسبة بلغت 25.8 في المائة، مع تصدرها أيضا حالات الوفيات بنسبة 25 في المائة. الرتبة الثانية من حيث لسعات العقارب كانت من نصيب سوس-ماسة بنسبة 21 في المائة، فيما حلت جهة درعة-تافيلات في الرتبة الثالثة بنسبة 15 في المائة، تليها بني ملال-خنيفرة بنسبة 14 في المائة، ثم جهة الدار البيضاء-سطات بنسبة 10 في المائة، فيما حلت جهة فاس-مكناس في الرتبة الأخيرة بنسبة 2 في المائة.

غياب المصل يحصد الأرواح

أن يقتل سم العقرب في حال تأخر العلاج قد يبدو عاديا نوعا ما، لكن ما ليس عاديا أن يلقى الضحية حتفه بسبب غياب المصل المضاد للسم، وهناك أمثلة عديدة لضحايا فارقوا الحياة في عدد من المناطق المغربية، خاصة النائية منها، بسبب بعد المراكز الصحية، وبسبب عدم توفر بعضها على المصل المضاد للسم، ما يضطرهم إلى التنقل إلى مدن تبعد 
عدة كيلومترات بحثا عن دواء.

موضوع المصل هذا أثار، ومازال يثير، الكثير من الجدل في الأوساط الصحية والحقوقية، والسبب يعود، حسب المركز المغربي لمحاربة التسمم واليقظة الدوائية، إلى «عدم فعاليته عموما والحاجة إلى دراسات علمية معمقة»، خاصة في الدول التي تفتقر إلى بحوث علمية متطورة في هذا المجال، على غرار المغرب.

يشار في هذا الإطار إلى أن المغرب كان توقف عن إنتاج أمصال العقارب، وأغلق وحدة إنتاج الأمصال في معهد «باستور» بعد انطلاقها سنة 1960، وأضحى يعتمد على استيراد هذه المادة من الخارج، مع اللجوء بشكل كبير إلى طريقة العلاج «بأدوية مواجهة الأعراض»، باعتبارها، حسب وزارة الصحة، الوسيلة الأكثر نجاعة مقارنة بالعلاج بالأمصال. وهو أمر تنفيه الشبكة المغربية للدفاع عن الحق في الصحة والحق في الحياة، مستندة في ذلك إلى تقارير منظمات ومراكز بحث دولية.

الشبكة أصدرت أخيرا بلاغا موجها إلى الحكومة، تطالبها فيه بإعادة فتح وحدة إنتاج الأمصال في معهد «باستور» لإنقاذ حياة العديد من ضحايا لسعات العقارب، وضمان مخزون كافٍ في مختلف المراكز الصحية التي 
تستقبل إصابات من هذا النوع.

السوداء والصفراء الأكثر فتكا

بمجرد أن يتعرض المصاب للدغة عقرب، يسارع الأقارب لمعرفة حجمها ولونها، فالصفراء والسوداء تعدان الأخطر على الإطلاق وسمهما قد يودي بحياة الضحية في حال تأخر إسعافه. العديد من التقارير الدولية والمحلية أكدت خطورة هذين النوعين، مع التركيز على مضاعفاتهما على صحة المصاب، على اعتبار أن هذين النوعين يعدان السبب الأول الرئيس لوفاة المصاب بلدغتهما، علما أن هنالك أزيد من 1500 نوع من العقارب عالميا، يتوفر المغرب منها على 25 نوعا، حسب ما أوردته دراسة المركز المغربي لمحاربة 
التسمم واليقظة الدوائية.

الاستراتيجية «فاشلة»؟

منذ تسعينات القرن الماضي، اعتمد المغرب استراتيجية وطنية ترمي إلى الوقاية من سموم العقارب، والسعي إلى التخفيض من نسبها المرتفعة في عدد من المناطق، تجلت أساسا في تقنين وتوحيد التكفل العلاجي بالمصابين، وتكوين الأطر الطبية وشبه الطبية، وتزويد المصالح الطبية بالأدوية الضرورية، إلى جانب تخصيص برنامج التوعية والتربية الصحية للوقاية لفائدة المواطنين.

اليوم، وبعد مرور هذه السنوات، هل نجحت الاستراتيجية في تحقيق أهدافها؟ وهل من نتائج ملموسة تذكر في هذا الإطار؟ الجواب لا يبعث على التفاؤل والرضا عن البرامج التي اعتمدت، حيث إن النتائج «بطيئة جدا» ولا ترقى إلى المستوى المطلوب، باعتراف المركز المغربي لمحاربة التسمم واليقظة الدوائية نفسه، مبررا ذلك بعدم تضافر جهود مختلف الفاعلين في قطاعات متعددة، تتجاوز القطاع الصحي والوزارة المشرفة على المجال، لإيجاد حلول جذرية لهذا المشكل في المغرب.

دراسة مركز محاربة التسمم واليقظة الدوائية رفضت تحميل المسؤولية لوزارة الصحة نفسها، على اعتبار أن الأمر يتطلب استراتيجية شاملة من شأنها الإسهام في تحسين ظروف عيش السكان المتمركزين في المناطق النائية والمعزولة، والعمل على رفع من المستوى الاجتماعي والاقتصادي لفئة واسعة، ومحاربة الأمية، وغيرها من التدابير الممكن اتخاذها في هذا الصدد، والتي تدخل في نطاق اختصاصات قطاعات ومجالات أخرى غير وزارة الصحة.

«فالإرادة السياسية لتطوير برنامج يدمج مختلف الفاعلين، بمن فيهم السكان أنفسهم والنخب المحلية والمنظمات غير الحكومية، هي الكفيلة بمحاربة تسمم لدغات العقارب، والتقليل من خطورتها في المغرب»، تقول الدراسة.

سهام فضل الله 

alyaoum24.com

جديد الأخبار