في ما يُشْبهُ "الدّوران حول حلقة مُفرغة"، تستمرُّ مساعي الأمم المتحدة التي يقُودها المبعوث الخاص إلى الصحراء، هورست كولر، من أجْل حثِّ أطراف النّزاع على تغْليب لغةِ الحوار والتَّشاور المُفْضية إلى حلِّ سياسيّ لصراعٍ إقليمي دامَ لأربعة عقودٍ دون أن يفلحَ "المبعوثون الأمميون" في وضعِ حدٍّ لخُيوطه المُتشابكة.
ويقود كولر تحركاتٍ على أعلى مستوى من أجل بدء المفاوضات، وقد أرسلَ دعواتٍ رسمية إلى كل من المغرب وجبهة البوليساريو، باعتبارهما طرفين مباشرين في النزاع، وإلى الجزائر وموريتانيا، كدولتين مراقبتين في الملف، للعملِ على استئناف المسلسل التفاوضي في شهر شتنبر المقبل، مع بدء المفاوضات في حالة الموافقة في أكتوبر.
وتعودُ آخر جولة من المفاوضات المباشرة بين المغرب والجبهة، التي ساهمت الأمم المتحدة في رعايتها، إلى سنة 2012، لكن الرباط مازالتْ تُطالب الهيئة الأممية بمباحثات مباشرة مع الجزائر باعتبارها طرفًا رئيسيًا في النزاع، وهي التي تدعم الجبهة ماديا وعسكريا ودبلوماسيا.
هسبريس سألت سمير بنيس، الخبير في قضايا الصحراء المستشار الدبلوماسي السابق في الأمم المتحدة، حولَ ما إذَا كان المسؤول الأممي، هورست كولر، سينْجحُ في تقْريبِ وجهاتِ النظر بين الجزائر والمغرب، وبالتالي لقائهما حول طاولة واحدة، فأجاب بأنَّ "كولر يُحاولُ إعطاء زخمٍ جديدٍ للمفاوضات بحُكْم مهامه الأممية الاستشارية، ويسعى إلى إرشاد أطراف النزاع إلى الطريق التي تقودُ إلى طاولة التَّفاوض الجدّي بهدفِ إيجاد سبلِ إنهاء الصراع الذي دام لعقودٍ".
وأردفَ بنيس فِي المنحَى ذاته أنَّ "كولر أخذَ علماً بموقف المغرب حُيال سيْرِ المفاوضات الأممية؛ فليس هناك أيُّ مجالٍ للتَّفاوضِ مع البوليساريو التي لا تمْلك مصيرها بيدها"؛ فهي، يضيف الخبير الأممي ذاته، "ليست طرفاً في النزاع، بل ورقة تستعملها الجزائر من أجل منع المغرب من استكمال وحدته الترابية"، معتبرا أن "الطرف الأساس في القضية يبقى النظام الجزائري باعتباره المورد الأول والرئيس الذي يُزوِّدُ الجبهة بالأسلحة ويغدقُ عليها بالأموال ويدعمها سياسياً ودبلوماسياً".
وتبعاً لذلك، فإنَّ "غيابَ أيّ إشارة حازمة وواضحة في قرار مجلس الأمن الأخير بشأنِ مشاركة الجارة الشرقية في المفاوضات يجعلُ من جهودِ كولر غير ذات فعالية"، يقول بنيس، مضيفا أنه "ما دام ليس هناك أي إشارة تدعو الجزائر إلى المشاركة كطرف فاعل في المفاوضات، فسيكون من الصعب، إن لم نقل المستحيل، تصور أن الجزائر ستغير سياستها وستعمل يداً في يد مع المغرب من أجل وضع حد لهذا النزاع".
وفي تقدير الباحث ذاته، "هناك بعض المؤشرات التي توحي بوجود توجه داخل أروقة مجلس الأمن نحو التأكيد على إشراك الجزائر في سير المفاوضات؛ فقد تضمن القرار الأخير إشارة تنم عن أن مجلس قد يمضي في هذا الطريق"، مضيفا: "ربما إذا ما استمر المغرب في تعبئة حلفائه سينجح في إقناع أعضاء مجلس الأمن بأنه لا مناص من حل سياسي للنزاع إلا بإشراك الجزائر التي تستضيف البوليساريو على أراضيها منذ 40 عاما".
"ورغْمَ كل محاولات كولر، فلنْ تكونَ هناك مفاوضات مباشرة مادام مجلس الأمن لم يقمْ بالاستجابة للمطلب المغربي القاضي بإشراك الجزائر في المفاوضات، بالإضافة إلى السماح للمفوضية الأممية للاجئين بإجراء إحصاء لساكنة تندوف لمعرفة العدد الحقيقي للصحراويين الموجودين هناك"، يقول بنيس.
واسترسل بنيس مُشدداً على أن "الجيل الحالي الذي يقود الجزائر يتعامل مع المغرب بالنهج نفسه والعقلية ذاتها للرئيس السابق الهواري بومدين الذي كان يكن حقداً دفيناً للمغرب، وبالتالي لا أتصور أن يحصل أي تغير مفاجئ في طريقة تعامل المسؤولين الجزائريين مع المغرب وفي استعمالهم لورقة الصحراء لعرقلة تقدمه".
هسبريس