تأملت وأنا أرى رؤساء حكومات، وقادة أحزاب حاكمة، وعرفاء قبائل، ووزراء أنظمة بعملتها القديمة وبعملتها الجديدة ببلدي، يقفون في أعلى السفينة وهم يتحدثون في أسفلها بلسانين ، ووجهين، ومرشحين ، لا تتمعر وجوههم ولا تتلعثم ألسنتهم....
قالوا للرئيس خض البحر في معركة الشيوخ ونحن الضامنون، فلما غلبوا قالوا له " هؤلاء شرذمة قليلون" ثم جاءت التعديلات ، فأقسموا أنهم هم المنصورون، فلما قامت عليهم الحجة، قالوا له هذه نتائج الانتخابات في تعديلات الأفارقة والأروبيين وعند الفرنسيين.
ثم جاء إصلاح الحزب فاختلط حابلهم بنابلهم، واختلفت أضلاعهم وانشغلوا في مكائدهم، حتي بهتتهم الانتخابات فأصبح المليون بخارا بين مائة حزب ولون وقبيلة وفرد.
ثم تيمموا الانتخابات فما أحسنوا خيارات المترشحين، وتمزقوا أيادي سبأ، فقالوا لا حل إلا بتهديد الأحزاب، وتجميد الترشيحات
وكثرت التغريدات وضغوطات الاتصالات ، وما حوت من صيغ مرتجلة وغير ديمقراطية، وخارج الزمن والسياق..
فالي أين يتجه بالنظام ومنجزاته ، وجنوده وشعبيته، هؤلاء الأدعياء للنصرة بلا زاد، و للنصح بلا حكمة وبالولاء بلا دليل أو حجة؟
***
إن خداع الأنظمة والتلاعب بمصائر الأوطان، سياسات كيدية يتفنن فيها ساسة مهرة، جاء أغلبهم بالصدف إلى مواقع القرار، وتملكوا بآرائهم الفردية وألاعيبهم السحرية، مواقع حساسة من أجهزة القرار، وأزاحوا بقوة كيدهم المتخصصين وأصحاب التجارب والرؤى، وأصبح مزاجهم أو هواهم يمكن في طرفة عين أن يهدم بناء جيل كامل.، وأن يقرر اجتثاث أنظمة معلومات، وأجهزة استخبارات،ونتائج انتخابات، ويتلاعب بأرصدة جمعت عبر مئات التجارب، وعقارات بكر تصلح لاستثمارات أجيال وأمم.
وهذا اللفق من هندسيات "جينة الحجاجيين"، يمكن أن يحول السياسة والإعلام والاقتصاد إلى دمى متحركة، لا يعرف أحد مآلاتها الخطيرة، ولا تنضبط مجالات هبوط طائراتها المخطوفة.
ويسمي فعل هؤلاء المرتزقة الذين يسطون على أمن وأمان المجتمعات والأوطان في القرءان الكريم ب "المكر"، و"الكيد" ، و"السحر"، ودعوى{أكله الذئب}... وتسميه وزيرة الخارجية الأمريكية الشقراء كوندلارايس
ب "الفوضى الخلاقة"، التي تعني أن يكون المحتلون أسيادا في أوطان الأحرار، يشنقون الشرفاء ويستبيحون أعراضهم وينهبون خيراتهم، ويولون الخونة و الحانقين، والعملاء والوكلاء. قال تعالى: { وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ ۚ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ ۖ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ (30)} سورة الأنفال 30 ، وقال تعالى: { ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله } سورة فاطر 43، و قال تعالى: { جاؤوا أباهم عشاء ً يبكون * قالوا يا أبانا إنا ذهبنا نستبق وتركنا يوسف عند متاعنا فأكله الذئب وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين } سورة يوسف 16 الآيات16 17، وقال تعالى:
{ قَالَ أَلْقُوا ۖ فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ (116) وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ ۖ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ (117) فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (118) فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانقَلَبُوا صَاغِرِينَ (119) } سورة الأعراف الآيات116-119، وقال جل ذكره:{ إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا (15) وَأَكِيدُ كَيْدًا (16)} سورة الطارق الآيتين 15 16، وقال عز وجل:{ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ (142)} سورة النساء الآية142
فهؤلاء الظلمة بنعوتهم المختلفة: ماكرون ،و ساحرون،و منافقون، وكاذبون، أهل كيد بجبلتهم.. هم المكيدون في نهاية المعركة، لأن الحق غالب، ولأن الباطل زهوق...زهوق. سقت هذا لكم، وأن أعلم أن الأقدار لا مناص منها، وإلا لما قتل عمر في المحراب، وعثمان في داره وبين نظر مصحفه، ولما طعن علي في إمامة الصلاة، ولما اجتث الأمويون وقد ملكوا الأمصار، ولما أبير العباسيون وقد فتحوا الفتوح ومصروا الأمصار.
وحديثا تعلمون أن في العراق عبرة، و في ليبيا قرع أجراس، وان في اليمن لمنكب برزخ، وان في الأندلس ومحارقها لقيامة سبقت للملثمين الأوائل، وان في مالى لبلاغ لهم إلى حين. إذا نحن نناشدكم .....
لا تصوتوا أيها العرفاء لقبائلكم بل لوطنكم. ولا تصوتوا لمرشحي وزرائكم بل لمرشحي نظامكم.
ولا تشرعوا الأحزاب للقبائل والأسر والأعراق والشرائح فتلك قسمة ضيزى بينكم. ولا تعطوا البنوك لمواليكم واقربائكم، ولا تمنحوا الثروات البكر لصلات رحمكم فهي ركاز للأمة.
ولا تقتطعوا لهم النواب والموردين والأرصدة والعقارات، فهي شركة بينكم بالعدل، أو ميراث هلك هالك.
ولاتمنحوهم النفوذ ومراكز الواجهات، فهو سبب للبز واللمز. ولاتعبدوا لهم الأحرار ، فالحر حر وان كظم. ولا تطردوا النجباء من أوطانهم، فمكة تأرز وتؤرز. ولا تحرموا الأماجد من حقوقهم، فما ضاع جق ينهز وراءه طالب.
آه أيها الراكبون للهودج، العابرون عبر صحراء التيه، لايخدعنكم عجول الغزاة، ولا المنافقون في الانتخابات، ولا المتحدثون في خيام كالصالونات.. والبهوات... ألزموا العهد، وخذوا بالدستور، و اقبلوا بنتائج الاقتراع، واحموا نظامكم، وعيشوا ببلدكم آمنين..
تعرسون تحت ظل شجرة تأكلون زائدة الكبد، وتمشون في الطرقات محروسين من نظرات المظلوميات، وتنامون تحت جذع نخلة لا تخشون غائلة أو نازلة، لا تخشون إلا الله والذئب على غنيمتكم..
أولائك أجدادي المرابطون حكوا لكم، وتلك أوطاني من سمرقند إلى غرناطة، ومن حضرموت الى تمبكتو، ومن بغداد إلى طرابلس حدثتكم .. صدقوا الآن من صدق، ولا يخدعنكم الآن من خدع.
فهذا عصر الفتن والتيه، وضحاياه في ثلاثين سنة الأخيرة أمم حضارات، وأحرار زعامات، وشعوب ملكت الأحمر والأصفر.. قد قالها رسول الله صلى الله عليه وسلم: ويل للعرب من شر قد اقترب، قالت ، أنهلك وفينا الصالحون يا رسول الله؟ قال: نعم إذا كثر الخبث.
وقالت هند بنت عتبة: تموت الحرة ولا تأكل بثديها.
وقال مالك بن أنس: لا طلاق على مستكره، لا طلاق في إغلاق.
وقال جمال عبد الناصر: لا صوت يعلو فوق صوت المعركة
وقال صدام حسين: قطع الأعناق، لا قطع الأرزاق
وقال رجب طيب أوردوغان : لن نركع.
وها هورئيس الوزراء الباكستاني الجديد واسمه شاهد خاقان عباسي حذرأمس فقال للامريكيين لسنا كبش فداء لفشلكم في الحرب في افغانستان، لسنا العراقيين، خسرنا70 ألف مقاتل في الحرب إلى جانبكم، وخسرنا ثقة شعوبنا وجيراننا، ومئات تريليونات الدولار، لسنا عملاء، إما إن نكون شركاء أو تكونوا غرباء. سؤال للجميع:
أمة الملثمين ، إن مات هؤلاء، وعاش العملاء والخونة من بعدهم ، فلمن نستغفر، وبمن نخدع؟ ...
قيل للزعيم الهندي نهرو وهو شيخ يكبو: هل حلمك بهند قوية سيتحقق؟ قال :حلمكم وحلمي يتحقق إذا كان داعية الإصلاح بالأمس لا يكذب، وكان مجيبه اليوم لا يخدع. موريتانيا بالله قوية.. موريتانيا بكم جميعا قوية.
بقلم: محمد الشيخ ولد سيد محمد/ أستاذ وكاتب صحفي