مراقبون يرون أن عودة التقارب المغربي الموريتاني تهدف إلى كسر الجمود في العلاقات وتتجه نحو طي صفحة التوتر الذي شاب العلاقات في السنوات الأخيرة.
تكشف الزيارة الرسمية الأخيرة التي قام به وزير الشؤون الخارجية والتعاون الدولي المغربي ناصر بوريطة إلى موريتانيا، وقدّم فيها رسالة تقارب من العاهل المغربي الملك محمد السادس إلى الرئيس الموريتاني محمد ولد عبدالعزيز، عن انفراجة دبلوماسية بين البلدين بعد سنوات من التوتر. ويسمح انخراط موريتانيا في المفاوضات الأممية الخاصة بملف الصحراء المغربية بطي صفحة الخلافات إذا ما التزمت نواكشوط هذه المرة بحياد حقيقي في هذا الملف.
الرباط - تتجه العلاقات المغربية الموريتانية إلى طي صفحة التوتر والبرود التي شابت العلاقات في السنوات الأخيرة، وسلّم وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة الذي زار العاصمة الموريتانية نواكشوط، الجمعة، رسالة من العاهل المغربي الملك محمد السادس إلى الرئيس الموريتاني محمد ولد عبدالعزيز تتناول العلاقات الثنائية والوضع الإقليمي.
وتأتي هذه الرسالة في إطار حراك دبلوماسي تشهده العلاقات بين البلدين بعد سنوات من الجفاء والفتور بسبب تباين مواقف البلدين إزاء قضايا إقليمية وعربية وأفريقية من أبرزها قضية الصحراء المغربية.
وقال بوريطة في تصريح صحافي بعد لقائه بالرئيس الموريتاني، إن “هناك رغبة مشتركة على المستوى الثنائي في خلق ديناميكية قوية في العلاقات الثنائية المغربية الموريتانية على كل المستويات، وهناك رغبة مشتركة من الملك محمد السادس ومن رئيس الجمهورية للدفع بهذه العلاقات إلى المستوى الذي تستحقه نظرا للروابط القوية بين البلدين”.
ويربط مراقبون وصول وزير الخارجية المغربي إلى نواكشوط مع صدور أول قرار أممي متعلق بمستجدات قضية الصحراء المغربية، تمهيدا للمحادثات المرتقبة بمدينة جنيف السويسرية يومي 05 و06 ديسمبر المقبل بمشاركة جميع أطراف النزاع ومن ضمنهم موريتانيا.
ورحّب مجلس الأمن بقبول دول الجوار دعوة المبعوث الشخصي للأمين العام الأممي هورست كولر، للمشاركة في جلسة المحادثات المزمع عقدها بجنيف، ودعا الجزائر وموريتانيا إلى الانخراط الفعلي باعتبارهما معنيتين مباشرة بإيجاد تسوية نهائية للنزاع.
وشدّد مجلس الأمن في القرار رقم 2440 على أن مشاركة البلدان المجاورة في العملية السياسية يجب أن تتم في إطار روح التسوية والواقعية طوال مدة العملية كشرط أساسي من أجل ضمان التوصل إلى الحل السياسي.
وتأتي دعوة مبعوث الأمم المتحدة إلى الصحراء المغربية، الأطراف المعنية إلى اجتماع في جنيف يومي 5 و6 ديسمبر ضمن جولة أولى من الاجتماعات، كمسعى لإعادة إطلاق العملية السياسية، يمكن أن تمهّد الطريق لمفاوضات رسمية.
وأوصى مجلس الأمن الأطراف باستئناف المباحثات دون شروط مسبقة، بهدف التوصل إلى حل سياسي مقبول، مع إشادته بالمقترح المغربي للحكم الذاتي المتصف بـ”الجدية والمصداقية”. ووصف عمر هلالي، سفير المغرب لدى الأمم المتحدة، دعوة بلاده وموريتانيا والجزائر لجولة محادثات بشأن الصراع في الصحراء المغربية في جنيف، بأنها “تاريخية”.
وسبق أن اشترط المغرب ثلاثة عناصر لدخول المفاوضات، وهي حضور الجزائر وتولي مجلس الأمن للملف ومقترح الحكم الذاتي.
وكانت آخر جولة مباحثات، غير رسمية، بين أطراف الصراع جرت قبل ستة أعوام، دون التوصل إلى نتائج. وشهدت العلاقة بين الرباط ونواكشوط التي توصف بالمعقدة، أحيانا، تباينا في مواقفهما من بعض القضايا الإقليمية خصوصا في ما يتعلق بملف الصحراء المغربية.
وتتهم الرباط نواكشوط، بعدم الحياد في ملف الصحراء وانحيازها لجبهة البوليساريو. ورغم أن الحكومة الموريتانية تنفي ذلك وتؤكد أن موقفها من النزاع في الصحراء هو موقف حيادي يهدف في الأساس للعمل من أجل إيجاد حل سلمي للقضية يجنّب المنطقة خطر التصعيد. لكن استقبال مسؤول من جبهة البوليساريو الانفصالية في قصر الرئاسة بنواكشوط من حين لآخر يذكي الخلاف مع الرباط التي تصر على أحقيتها بالصحراء، وتقترح كحل حكما ذاتيا موسعا تحت سيادتها.
الجزائر دفعت موريتانيا نحو مواقف متطرفة من قضية الصحراء المغربية، وهو موقف عداء واضح، لكن المغرب فضل أن يتعامل مع موريتانيا بحكمة
ورأت الرباط في هذا الموقف تناقضا مع ما تدّعيه موريتانيا من حياد، بإقامتها تقاربا مع الجبهة الانفصالية.
ويقول المراقبون إن الجزائر تقف وراء الفتور بين المغرب وموريتانيا، كما تقف وراء مشكلة الصحراء المغربية رغم يقينها تاريخيا بأحقية المغرب لها وأنها تحت السيادة المغربية. وحاولت الجزائر استمالة موريتانيا للاصطفاف وراءها، ودعم موقفها بخصوص ملف الصحراء.
ولفت المحلل السياسي خالد شيات في تصريح لـ”العرب” إلى أن “الجزائر دفعت موريتانيا نحو مواقف متطرفة من قضية الصحراء وهو موقف عداء واضح، لكن المغرب فضّل أن يتعامل مع موريتانيا بحكمة”.
واعتبر أن “فرصة الحوار التي أتاحتها الأمم المتحدة من خلال القرار 2440 أعطت متنفسا لموريتانيا كما تعامل معها المغرب بشكل إيجابي.”
ويرى شيات أن العلاقات المغربية الموريتانية تتحدّد بعامل التوازن بين المغرب والجزائر ومدى حياد موريتانيا في دور الوساطة التي اختارت أن تقوم به، مشيرا إلى أن “هناك فترات استطاعت فيها نواكشوط النجاح كوسيط. لكن هناك فترات فشلت فيها لانحيازها للاستراتيجية الجزائرية على حساب المغرب”.
ويرى مراقبون أن عودة التقارب المغربي الموريتاني تهدف إلى كسر الجمود في العلاقات وتتجه نحو طي صفحة التوتر الذي شاب العلاقات في السنوات الأخيرة، وإحياء التعاون خاصة في المجال الاقتصادي.
ويعتقد هؤلاء أن المصالح المشتركة بين البلدين باستطاعتها التغلب على القطيعة بينهما.
ورأى المحلل السياسي نوفل بوعمري أن “الرسالة التي بعث بها العاهل المغربي للرئيس الموريتاني تتجاوز ملف الصحراء المغربية”.
وأضاف بوعمري لـ”العرب” أن “العلاقات بين المغرب وموريتانيا تاريخية تتجاوز تعقيدات ملف الصحراء، فتوجه وزير الخارجية إلى موريتانيا يهدف إلى إحياء مختلف أواصر العلاقة بين البلدين”.
/alarab.co.uk