
مع استهلال شهر تشرين الثاني/نوفمبر، يكمل الرئيس الموريتاني محمد الشيخ الغزواني القادم للرئاسة من تجاويف المؤسسة العسكرية، تسعين يوماً الأولى من حكمه، وهي الفترة التي يمنحها في العادة الرأي العام والمراقبون لأي سلطة تستجد، قبل قراءة توجهاتها وتحديد مؤشِّر أدائها.
وتجمع التقييمات التي نشرت لحد الآن على أمر واحد، هو أن الرئيس الموريتاني الجديد يتبنى أسلوباً هادئاً جداً في ممارسة الحكم، وهو أسلوب تمليه تعقيدات الأوضاع وثقل التركة ووعورة الطريق.
وطالب أصحاب التقييمات المتفائلة بعدم التعجل ومنح الرئيس المزيد من الوقت لصقل موهبته، بينما أكدت تقييمات متشائمة «أن الفترة المنقضية تؤكد أن الرئيس غزواني «مجرد حاكم متفرج».
وتحت عنوان «فلنمنح الوقت للرئيس غزواني»، كتب الروائي الموريتاني الدكتور موسى ولد أبنو: «في اليوم الأول من أغسطس 2019، أصبح السيد محمد ولد الشيخ الغزواني رسميًا رئيسًا للجمهورية، ولم يمر شهر على حكمه حتى بدأ الرئيس الجديد مشاورات مع الأحزاب السياسية، من الأغلبية والمعارضة».
وقال: «فُتحت صفحة جديدة من تاريخ موريتانيا: الرئيس غزواني يطبع بصمته وبالبطء الذي يلائم «شيم الزوايا»، فأنا أعرف مدى صعوبة تلبية جميع طموحات الناخبين، لذا سوف لن أنتقده، ما أسهل الهدم وما أصعب البناء، فلنمنحه الوقت».
«هذه الأشهر الثلاثة من سلطة الرئيس غزواني، يضيف الدكتور موسى، ذكرتني بمقولة الرئيس ميتران: «يجب إتاحة الوقت للوقت»، فخلال السنوات الأولى من حكمه، كان ميتران يردد هذه المقولة، إنه مَثل قديم يحث على الصبر والتأني، فإتاحة الوقت للوقت تعني التخلق بفضيلة الصبر وإعطاء الوقت للرجال، لأن الرجال تنضجهم السلطة مثل الفواكه؛ وإذا كان ميتران قد أشاع المثل آنف الذكر، فإن غزواني يمتثله».
ونشر القيادي الإسلامي البارز محمد غلام ولد الحاج الشيخ، أمس، تقييمه للتسعين يومًا المنقضية على حكم الرئيس الغزواني، بدأه بقوله: «لا يختلف اثنان على جو التفاؤل الذي استقبل به عموم الشعب والطبقة السياسية في البلد خبر ترشيح محمد ولد الغزواني، وقد أعطاه الجميع الفرصة وتمنّى له النجاحَ بعد نهاية الانتخابات، رغم الشوائب الملحوظة على العملية الانتخابية وما صاحبها من استعمال مفرط للدولة من رأسها إلى أخمص قدميها، ومع ذلك فإن جميع المشفقين على البلد يبحثون في الرئيس محمد ولد الغزواني عن تلك المميزات الأخلاقية والقيمية التي أعلن في أوّل خطاباته ممّا جعل البعض ينتظره فاتحةَ فرج مرجوّ بإلحاح لا يحتمل التأجيل».
وقال: «ما لوحظ من الأداء حتى الساعة يشعرك بأنه رئيس جديد في بلد مستقرّ وديمقراطي، فيه الحقوق محفوظة، والفرص مصونة، والناس منصرفة بعد الانتخابات كل إلى شأنه الشخصي، وللرئيس في سويسرا، بعدها أن يعتكف على خططه التنموية وتحسين الأداء وعينه على الإعلام وسلطته الرابعة، غير أن الأمر ليس كذلك -يضيف الشيخ غلام- فرئيسنا الجديد، أعانه الله، يتسلم مجتمعًا منقسمًا ومفككًا عرقيًا وجهويًا؛ فلم يذهب المنصرف إلا وقد أضاف إلى الشرخ الذي اتسع في أيامه انقسامًا آخر على الرموز الوطنية، فهنالك من أهل هذه البلاد طوائف وأعلام كُثر لا يعترفون بالنشيد والعلم ويرون، وهم محقون، بأن تبديل تلك الرموز كان بطرق غير دستورية وكذلك شطب مجلس الشيوخ وتدمير مقره».
وتابع: «من هنا كان المصلحون في البلد والمشفقون على الوطن ينتظرون حوارًا وطنيًا حقيقيًا يضع حدًا للانقسام ويوجد مخارج للإشكاليات الوطنية العالقة على أن يخرج الحوار بخطة نهوض وطنية، مثل خطة مارشال التي وضعها رئيس أركان أمريكا ووزير خارجيتها لنهوض أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، أو خطة الرئيس القائد لسنغافورة، أو مهاتير محمد في ماليزيا، أو أردوغان في تركيا، وهي خطط نهوض استثنائية من سماتها نزع الألغام الاجتماعية والسياسة والقانونية التي قد تعرقل السير نحو هدف النهوض المنشود وإيجاد جو من التوافق يحمي الإنجاز ويجعل الجميع معنيًا به».
وتابع تقييمه قائلاً: «اتسمت الفترة المنصرمة من أداء الحكومة ببرودة شديدة تجاه المظالم التي كانت موجودة قبلها والتي لا تحتاج إلى شق طريق مسفلت أو تشييد عمارة، بل كل الذي تحتاجه هو قرار برفع تلك المظالم وإنصاف أهلها، وهو ما فعل عمر ابن عبد العزيز لحظة مبايعته؛ فقد طلب رئيس الحرس وكان إذ ذاك رمزًا لتنفيذ المظالم وطاعة سليمان بن عبد الملك فيما يريد، فقال ضع السيف وسأل الله ألا يرفعه إلى يوم القيامة، كما أن بإمكان الحكومة أن تحيل تلك الأمور العالقة إلى القضاء بعد أن تفك القيد الذي كبّله به الرئيس السابق فجعله كالمعلقة».
«إن من المحير حقًا، يضيف غلام، إضافة إلى ما سبق، أن تنتهي 100 يوم ولم تحرك الحكومة ساكنًا في قضية بوعماتو وولد الشافعي ومركز تكوين العلماء وجامعة ابن ياسين وجمعية الخير وأيتامها (5000 يتيم)».
وقال: «نعم، لا تخطئ عين المتتبع رصد قرارات وتوجهات إيجابية دالة على حسن نية وإرادة لفعل جاد، وإن من أهم تلك المؤشرات الاهتمام بقطاعات حيوية تهمّ المجتمع، مثل مخلفات الفقر والاسترزاق وسنة التشاور مع المعارضة، إلا أن الذي تحتاجه موريتانيا هو ما يشبه الثورة الداخلية، ومن الأفضل أن تكون بيد خبير بالدولة ورسالتها عارف بحساسيتها، له القدرة على العبور الضروري إلى شاطئ النجاة قبل أن يتآكل الوقت الممنوح له، فثقة الناس فرصة مهمة يأكلها التسويف ويحرقها الانتظار».
يبدو تقييمات التسعين يومًا قاسية في حق الرئيس، حيث إنها فترة قصيرة جدًا بالنسبة لبلد كموريتانيا لا يتوفر فيه الرئيس على الإمكانات البشرية والإدارية والمؤسساتية التي تمكنه من إظهار عبقريته القيادية.
القدس العربي: