شهدت موريتانيا الخميس أول تسليم وتسلم للسلطة بين رئيسين منتخبين، مع أداء الجنرال السابق محمد ولد الغزواني اليمين الدستورية ليخلف صديقه ورفيق دربه محمد ولد عبد العزيز.
وتم تنصيب الرئيس الموريتاني الجديد من قبل رئيس المجلس الدستوري أثناء احتفال رسمي في قصر "المرابطون" قرب نواكشوط، وذلك بعد فوزه في الانتخابات الرئاسية يوم 22 يونيو/حزيران الماضي بدعم من سلفه، ولم تعترف المعارضة بنتائجها.
وأدى ولد الغزواني (62 عاما) اليمين الدستورية إثر ذلك، قائلا "أقسم بالله العلي العظيم أن أؤدي وظائفي بإخلاص وعلى الوجه الأكمل، وأن أزاولها مع مراعاة احترام الدستور وقوانين الجمهورية الإسلامية الموريتانية، وأن أسهر على مصلحة الشعب الموريتاني، وأن أحافظ على استقلال البلاد وسيادتها وعلى وحدة الوطن وحوزته الترابية".
ولم تعرف موريتانيا من قبل تداولا للسلطة بين رئيسين منتخبين، وقد أنهى انقلاب عسكري عام 2008 قاده الجنرالان حينها محمد ولد عبد العزيز ومحمد ولد الغزواني، تجربة ديمقراطية أوصلت أول رئيس مدني إلى سدة الحكم عبر صناديق الاقتراع.
حضور وغياب
كان ضعف التمثيل العربي وغياب القادة العرب أبرز مظاهر الحضور الدولي للتنصيب، واقتصر الحضور الرسمي العربي على مسؤولين من رتب متفاوتة، حيث حضر رئيس حكومة المغرب سعد الدين العثماني ممثلا للمملكة، بينما بعث الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي جنرالا مصريا لتمثيله في حفل التنصيب، واكتفت السعودية والإمارات والبحرين بإرسال شخصيات أميرية من مستشاري وأعضاء الحكومات، في حين لم توجه أي دعوة لقطر بسبب قطع نواكشوط لعلاقاتها مع الدوحة.
وكان الرئيس العربي الوحيد الحاضر هو رئيس الجمهورية الصحراوية التي لا تعترف بها معظم الدول العربية وغالبية دول العالم.
ولم يخل الغياب العربي من تنكيت وغضب من المدونين الموريتانيين الذين رأوا فيه احتقارا متواصلا لموريتانيا التي تحمل أيضا اسم البوابة الجنوبية للعالم العربي.
وبينما كان الغياب وضعف التمثيل العربي لافتا، حضر 11 رئيسا أفريقيا غالبيتهم من دول الجوار، واكتفى الأوروبيون أيضا بتمثيل منخفض لم يتجاوز مسؤولين ونواب وزراء ومستشارين.
غياب وحضور
لم يقتصر الغياب على القادة العرب والأوروبيين، بل شمل أيضا أربعة من مرشحي المعارضة المنافسين سابقا للرئيس المنتخب، الذين لم يعترفوا بعد بنتائج الانتخابات.
ورغم ما يبدو من أهمية لهذا الانتقال في تكريس الممارسة الديمقراطية وترسيخ مبدأ الولايتين الرئاسيتين المنصوص عليه في الدستور، فقد مثل غياب مرشحي المعارضة استمرارا لمتلازمة طبعت المسار الديمقراطي منذ نشأته هنا قبل ثلاثة عقود.
ولم تنجح مشاورات دخلتها الأغلبية الحاكمة مع المرشح الحائز على المرتبة الثانية بيرام ولد اعبيد في تعديل موقفه وتجاوز ما يقوله هو والمرشحون المعارضون بأن تزويرا شاب العملية الانتخابية.
وذكرت مصادر قريبة من اللجنة المشرفة على حفل التنصيب أنها وجهت دعوات للمعارضة، لكن الأخيرة قررت -لاعتبارات سياسية- مقاطعة حفل تنصيب الرئيس المدني الثالث لموريتانيا.
وفي ظل غياب مرشحي المعارضة وقادة أحزابها الرئيسية، مثل حضور بعض نواب حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية (تواصل) الإسلامي -أكبر أحزاب المعارضة تمثيلا في البرلمان- ما قد يعتبر رسالة ذات مغزى بشأن طبيعة العلاقة بين الأغلبية والمعارضة في قادم الأيام.
تعهدات الرئيس الجديد
وفي خطابه أثناء حفل التنصيب، تعهد الرئيس الموريتاني الجديد بإشاعة العدل، وأن يكون رئيسا لجميع الموريتانيين، وبتحقيق نهضة تنموية شاملة في البلاد.
وقال إن الفائز في هذه الانتخابات هو الشعب الموريتاني من خلال تعبيره عن النضج السياسي وتعزيز ترسيخ الديمقراطية.
وأكد ولد الغزواني عزمه تعزيز قنوات التواصل مع كافة الفرقاء السياسيين، سواء عن طريق الأحزاب أو مؤسسة المعارضة الديمقراطية، مشيرا إلى أنه سيكون "منفتحا على كافة الطيف السياسي".
وأشار إلى أن العمل على تقوية اللحمة الوطنية سيكون أولويته، مشيرا إلى أنه سيعمل بحزم على وحدة الانتماء والمصير وتثمين المشترك. كما أشاد باحترام سلفه محمد ولد عبد العزيز للدستور القاضي بمنع الترشح لولاية رئاسية ثالثة.
خطاب الوداع
من جهته، قال الرئيس السابق ولد عبد العزيز إن الموريتانيين اختاروا تعزيز المكاسب التي بدأت أثناء عهدته من خلال انتخاب ولد الغزواني، مضيفا أن خلفه ذو أخلاق عظيمة ويمتلك تجربة واسعة على الصعيدين المحلي والدولي ستساعده في إدارة البلاد.
وعدد ولد عبد العزيز الإنجازات التي قال إنها تحققت في عهده، وأوضح أن وضع موريتانيا اختلف منذ تسلمه السلطة، مؤكدا أن البلد شهدت تطورات كبيرة في فترة حكمه.
وأكد أنه أسس موريتانيا متصالحة مع نفسها ومع إرثها الإنساني، وواقفة بحزم أمام التطرف، ومنتصرة على الإرهاب، ومساهمة في حفظ السلام في المنطقة ضمن مجموعة دول الساحل الخمس.
الفرنسية.. مرة أخرى
وأثار الخطاب المطول الذي ألقاه رئيس المجلس الدستوري جالو آمادو باتيا نقاشا ساخنا بين الموريتانيين بسبب إصرار رئيس أعلى هيئة دستورية في البلاد على إلقاء خطابه بالفرنسية، بينما اعتبره مدونون كثر انتهاكا صريحا للدستور الذي ينص على أن العربية هي اللغة الرسمية للبلاد.
بخروج ولد عبد العزيز من السلطة ودخول ولد الغزواني إلى "القصر الرمادي"، يبدأ عهد جديد من الحكم والسلطة في موريتانيا، يقول البعض إنه يمثل تجربة فريدة وربما غريبة في العالم العربي، تعزز التجربة الديمقراطية والانتقال السلس للسلطة في البلاد.
غير أن آخرين يرون أن ما حصل يمثل في عمقه استمرارا لهيمنة المؤسسة العسكرية على مختلف مفاصل الحكم، واستمرارا أيضا لنفس الطبقة التي تحكم موريتانيا منذ العام 2005.
المصدر : الجزيرة + وكالات
الصور مزقع اكريدم