ما الذي يمنع انضمام البرتغال الى قائمة ضحايا الأسود؟

جمعة, 09/12/2022 - 13:12

اختلطت مشاعر مئات الملايين من المحيط إلى الخليج، بعد جرعة الأدرينالين المغربي، التي أسفرت عن قشعريرة جماعية أسفل الظهر، صاحبها دموع الفخر والاعتزاز بالهوية التي توحدنا جميعا، وعلى المقاهي البسيطة والأماكن العامة في العواصم والمدن العربية الكبرى، يصرخون ويهللون بصيحات النصر والتكبير، كأنها ليلة فتح الأندلس بتقنيات ومعايير العصر الحديث، تعبيرا عن سعادتهم بأعظم لحظة نجاح في أم البطولات، بإزاحة المنتخب الإسباني من دور الـ16 للمونديال العربي.

 

ما يدعو للفخر والإعجاب بمنتخبنا العربي، أنه حطم كل المقدسات والأساطير القديمة، التي هرمنا من أجل التخلص منها، لعل أشهرها المصطلح الملعون “الحضور المشرف”، مع كل انتكاسة أو خروج مبكر من البطولة، وجزء كبير من هذا التماسك والانسجام، يرجع إلى العقلية التي يتمتع بها اللاعبون، كمنظومة جماعية مدججة بالعديد من السحرة والجواهر، التي تناطح مواهب أعتى المنتخبات الأوروبية واللاتينية.

 

ويُحسب للداهية وليد الركراكي، نجاحه في قيادة هذه الكوكبة بطريقة تتماشى مع إمكاناتهم، وليس بالتعامل معهم على أنهم حقل تجارب، كما كان يفعل المدرب السابق وحيد خليلوزيتش، باختراع تشكيلة جديدة في كل مباراة، تجسيدا لمقولة طيب الذكر زلاتان إبراهيوفيتش عن بيب غوارديولا “تعامل معي في برشلونة كأنني سيارة فيات وليس كفيراري”، فكان له ما فاق أحلامه حتى فصل الصيف الماضي، بتحويل منتخب بلاده، من فريق غارق في الحروب الباردة داخل غرفة الملابس، إلى ما نشاهده الآن من عظمة وشموخ داخل المستطيل الأخضر.

 

علمتنا الساحرة المستديرة، أن السماء لا تسقط الهدايا على طول الخط، بمعنى آخر، أن الحظ لا يأتي إلا مرات نادرة، وبالنسبة للمنتخب المغربي، فلم يكتف بنسف نظرية الحظ في مباراته الافتتاحية أمام وصيف بطل النسخة الماضية منتخب كرواتيا، بل تخلص أيضا من آفة العرب، بتجاوز نشوة الانتصارات والنتائج التاريخية، والتعامل معها بمبدأ “المباراة القادمة أهم”، ويتجلى ذلك في الصعود النيزكي في الأداء الفردي والجماعي من مباراة لأخرى، وليس بطريقتنا المعتادة، بالوقوف عند أطلال كل إنجاز أو فوز مدو.

 

كل ما سبق في كفة، والانضباط التكتيكي للمنتخب المغربي في كفة أخرى، بدون مبالغة أو تطبيل، يمكننا القول بكل فخر أننا نشاهد منتخبا بنفس معايير وجودة منتخبات الصفوة في أوروبا، لكن بعروق ودماء وعلم عربي، وهذا يظهر في جرأة اللاعبين والشخصية التي يبدو عليها الأسود، كمنتخب يملك شفرة الكرة الأوروبية الحديثة، متسلحا بمجموعة من مشاهير الدوريات الكبرى، وفي أوج لحظاتهم في مسيرتهم الاحترافية، والحديث عن زياش وحكيمي ونايف وبونو وبقية عصابة الخير.

 

باستعراض أو تقييم أداء المنتخب المغربي في مبارياته الأربع، سنجد أن لغة الأرقام تخبرنا أن ما يحدث على أرض الواقع لم يأت بضربة حظ أو من قبيل الصدفة كما اتفقنا أعلاه، يكفي أننا نتحدث عن المنتخب الوحيد في المونديال، الذي لم يتذوق مرارة الهزيمة، وصاحب أقوى خط دفاع، باستقبال هدف وحيد وبالنيران الصديقة أمام كندا، وهذا في حد ذاته، يعكس صلابة الدفاع، بقيادة سايس وأكرد، ثم جواد الياميق وبدر بانون بعد خروج ثنائي قلب الدفاع الأساسي بداعي الإصابة في نهاية ملحمة إسبانيا.

 

ولا تنسى عزيزي القارئ، دور وتأثير ثلاثي الوسط، وهنا الحديث عن المبدع أمرابط وكلمة السر في صدام “لاروخا” عز الدين أوناحي، جنبا إلى جنب مع سليم أملاح، فيما يمكن وصفهم بالثالوث الذي بعثر خطط المدرب لويس إنريكي، بإسقاطه في نفس الفخ البلجيكي والكرواتي، بترك الكرة لفريقه يفعل بها كل شيء في الحياة، إلا التفكير في الاقتراب من رباعي الدفاع، ولعلنا شاهدنا كيف أبدع هذا الثلاثي في تحويل وسط إسبانيا، إلى نسخة كربونية لبرشلونة في واحدة من لياليه الحزينة، في وجود الثلاثي بوسكيتس وبيدري وغابي في وسط الملعب.

 

ما يجعلنا نرفع سقف الطموح لما هو أبعد من إسبانيا، الجودة واللمسة الفائقتين في الثلث الأخير من الملعب، متمثلة في إبداعات زياش، والحالة الرائعة التي وصل إليها سفيان بوفال وشريكهما الثالث يوسف النصيري، والأهم ما نلاحظه من مباراة لأخرى، بظهور ما يُعرف بمعادن الرجال في وقت الشدة، بتألق لافت للبدلاء وظهورهم بنفس الأساسيين في كل المراكز بدون استثناء، القلق الوحيد، أن تكون فاتورة الإصابة في موقعة إسبانيا باهظة الثمن، خاصة على مستوى الدفاع.

 

أما غير ذلك، فمواجهة البرتغال لا تبدو حسابيا ولا منطقيا أكثر صعوبة من كرواتيا أو بلجيكا أو إسبانيا، حتى بعد الاستعراض على سويسرا بسداسية مقابل هدف، لكنها كانت ظروف مباراة، بعد انهيار المنافس ذهنيا، كما استقوت إسبانيا على كوستاريكا وإنكلترا على إيران، الفارق أو ما يميز أحفاد فاسكو دا غاما عن باقي المنافسين السابقين، واقعيتهم وقدرتهم على معاقبة الخصوم حتى بدون هدافهم التاريخي كريستيانو رونالدو، ما يعني باختصار شديد أنه لا يوجد مجال لإهدار أنصاف الفرص، وليست انفرادات بالطريقة التي خلع بها وليد شديرة قلوبنا، لتفادي العواقب الوخيمة من قبل برونو أو جلاد المستقبل راموش، والسؤال الآن: هل ينضم كريستيانو رونالدو ورفاقه إلى قائمة ضحايا الأسود؟ هذا ما نتمناه وننتظره لنتفاخر أمام الأجيال القادمة بأننا عاصرنا وشاهدنا أول منتخب عربي في نصف نهائي كأس العالم.

 

 

عادل منصور

جديد الأخبار