دشنت المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، على نحو مفاجئ، عملية عسكرية جديدة حملت اسم “طوفان الأقصى”، دفاعًا عن أولى القبلتين، في ضوء تصاعد الانتهاكات الإسرائيلية والاعتداءات عليه خلال فترة الأعياد الأخيرة وما تلاها من النفخ في البوق ومئات الاقتحامات.
دون سابق إنذار انطلقت مئات الرشقات الصاروخية والقذائف تجاه المدن والبلدات المحتلة عام 1948 بعد أيام قليلة من التوصل إلى تفاهمات أعقبت مسيرات حدودية أقامها الشباب الثائر على طول الحدود، رفضًا للاعتداءات على الأقصى.
وبعد وقتٍ محدود من العملية ظهر القائد العام لكتائب القسام محمد الضيف في تسجيل صوتي أعلن فيه انطلاق العملية للرد على جرائم الاحتلال في المسجد الأقصى والضفة والقدس والسجون والحصار على قطاع غزة، وأن المرحلة الأولى شهدت إطلاق 5000 صاروخ.
شهد الخطاب الإشارة إلى أن العملية انطلقت لكنس الاحتلال وردًا على جرائمه في القدس المحتلة، من خلال مصادرة الأراضي وطرد الفلسطينيين من بيوتهم والاعتداء على المسجد الأقصى واقتحام البيوت والتنكيل بالأهالي وسرقة الأراضي في الضفة المحتلة، وفرض الحصار على قطاع غزة، إذ قال: “سبق أن حذرنا العدو، وقد اعتدى على المرابطات في الأقصى، وتجرأ على مسرى الرسول صلى الله عليه وسلم، وقتل مئات الشهداء هذا العام، واعتدى على الأسرى واعتقلهم في ظروف غاية في الوحشية، وقوبلت دعواتنا لصفقة تبادل إنسانية بالرفض، وفي كل يوم بالضفة تستمر الانتهاكات”.
عنصر الصدمة: التوقيت والأدوات
كررت المقاومة الفلسطينية في هذه الضربة سيناريو سيف القدس عام 2021 بوتيرة أكثر سرية وأكثر تطورًا من خلال التوقيت المبكر للعملية العسكرية إلى جانب عدم التهديد المسبق والمعلن بنيتها الرد أو توجيه أي ضربة عسكرية ضد أهداف عسكرية.
علاوة على ذلك، فإن المقاومة لجأت إلى عنصر الصدمة في ضربتها العسكرية عبر تنوع أدواتها المستخدمة، إذ لم تقتصر على توجيه رشقات صاروخية بالآلاف والمئات، بل تجاوز ذلك إلى عمليات اقتحام الحدود برًا وبحرًا وجوًا، وهو ما يعكس التخطيط المحكم للعملية.
إلى جانب ذلك، فإن المقاومة عملت على توسيع رقعة النار من خلال الصواريخ والكثافة النارية التي استمرت عدة ساعات دون توقف، تمكن خلالها المقاومون من التسلل إلى عدد كبير من القواعد العسكرية وتنفيذ عمليات أسر واسعة في صفوف الجنود والمستوطنين.
شهدت هذه الجولة استخدام المقاومة الفلسطينية لوحدة المظليين أو ما أطلقت عليه “سرب صقر” لاقتحام الحدود عبر الطائرات الشراعية، في مفاجأة غير مسبوقة للمقاومة الفلسطينية تفصح عنها للمرة الأولى في تاريخ الصراع مع الاحتلال.
تعتبر هذه المرة الثانية التي تبادر فيها المقاومة الفلسطينية بتنفيذ ضربات عسكرية هجومية بعد معركة سيف القدس عام 2021، الأمر الذي يعكس تطورًا نوعيًا في معادلة الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي وفي تاريخ المقاومة والأذرع العسكرية في غزة.
أين الحصانة الأمنية الإسرائيلية؟
عكس الأداء النوعي للمقاومين الفلسطينيين فشل الحصانة الأمنية الحدودية التي يتذرع بها الاحتلال الإسرائيلي من خلال عمليات الأسر التي جرت والسيطرة على المستوطنات والمواقع العسكرية الإسرائيلية وهو السيناريو الذي يعكس الفشل الأمني.
شهد الظهور الإعلامي للقائد العام للقسام الضيف والناطق العسكري أبو عبيدة استعدادًا مسبقًا ومخططًا لهذه العملية، في الوقت الذي كانت تذهب فيه جميع التقديرات الإسرائيلية بأن حركة حماس مردوعة منذ معركة سيف القدس، لا سيما أنها لم تخض آخر جولتين تصعيد 2022 و2023 بشكلٍ علني.
وظهر المقاومون وهم يتجولون داخل المواقع العسكرية والغرف المحصنة ويسيطرون عليها في الوقت الذي تم تنفيذ عمليات هجومية وتصفية ميدانية لعشرات الجنود، فضلًا عن أسر ما يزيد على 30 إسرائيليًا، وفقًا لتقديرات إسرائيلية غير رسمية.
أما عن الدافع، فإن الخطاب السياسي والعسكري للقسام ولحركة حماس يشير بشكلٍ واضح إلى الرد على الانتهاكات في المسجد الأقصى والاعتداءات على النساء في القدس المحتلة، فضلًا عن عمليات التصفية التي تتم بحق الفلسطينيين بالضفة والانتهاكات ضد الأسرى.
لا تبدو أن العملية العسكرية ستكون مؤقتة، فمن المتوقع أن تستغرق أيامًا وساعات أطول في ضوء حالة الصدمة التي تكبدتها المنظومة الإسرائيلية الأمنية والعسكرية وغياب الاستعداد المسبق لهكذا عملية عسكرية بعد تدخل الوسطاء في الفترة الماضية للحفاظ على الهدوء.
كما بدا لافتًا في الخطاب الإعلامي لحماس وذراعها العسكرية، الإشارة إلى نية الاحتلال ضم المسجد الأقصى وتنفيذ عملية عسكرية ضد القطاع والمقاومة الفلسطينية، وهو أمر يعكس استباق المقاومة لضربة إسرائيلية وعسكرية غادرة كان الاحتلال ينوى القيام بها.
صورة النصر
عكست الصورة الإعلامية التي نقلتها المقاومة الفلسطينية من داخل المواقع العسكرية الإسرائيلية وحتى صور أسر الإسرائيليين والعودة بهم إلى داخل القطاع، صورة النصر الأولى التي حققتها المقاومة وهي الصورة التي لطالما يبحث عنها عسكريًا.
وتشير هذه الصورة إلى إخفاق إسرائيلي على كل المستويات العسكرية والأمنية، وفشل حتى في التصدي لها بعد ساعات من انطلاقها، فضلًا عن فشل منظومة القبة الحديدية في التصدي لآلاف الصواريخ التي انطلقت تجاه المدن والبلدات المحتلة عام 1948.
علاوة على ذلك، فإن لصورة النصر الأولى التي وجهتها المقاومة دلالات ميدانية تعكس الاستعداد المسبق لهذه العملية وحالة الاستنفار في مختلف الوحدات العسكرية والإعلامية والسياسية والجهوزية لأي ردة فعل إسرائيلية عسكرية، ردًا على هذه العملية.
وتبدو المقاومة الفلسطينية متأهبة لطبيعة الرد الإسرائيلي المحتمل على هذه العملية العسكرية الذي من المحتمل أن يستمر لأيام، في ضوء التعقيدات الميدانية ووجود قتلى وإصابات وأسرى في صفوف المستوطنين والجنود على حدٍ سواء في محيط غزة.
سيناريوهات تفجر جبهات أخرى مثل الضفة الغربية المحتلة وتنفيذ عمليات داخل العمق المحتل عام 1948، إلى جانب تفجر الحدود الشمالية لفلسطين المحتلة مع لبنان، يعقد المشهد الأمني والميداني أكثر خلال الأيام القليلة المقبلة
يوسف سامينشر
نون بوست