افتتح الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون والرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني الخميس، في مدينة تيندوف الجزائرية، مشاريع مشتركة، منها معبر حدودي ومنطقة للتبادل التجاري الحر وإطلاق أشغال طريق يربط بين الزويرات الموريتانية وتيندوف الجزائرية.
وتهدف الجزائر من وراء التقارب مع موريتانيا إلى الوصول إلى الأطلسي وتحقيق ما فشلت فيه عن طريق مراهنتها على معبر في الصحراء المغربية. لكن ليس واضحا ما تريده الجزائر من الوصول إلى الأطلسي؛ هل هو تحدي المغرب؟ أم أنها فعلا تريد الوصول إلى الأطلسي من أجل تصدير منتجاتها إلى دول غرب القارة الأفريقية وجنوب غربها؟
لكن الجزائر التي استفاقت أخيرا على ضرورة الاستثمار وإنجاز المشاريع في دول الجوار لكسر عزلتها خاصة بعد التطورات في مالي والنيجر، والتي لم تكن في صالحها، لا تمتلك مقومات كافية لإنجاح المشاريع التي تم الإعلان عنها بمناسبة زيارة الرئيس الموريتاني.
الوصول إلى الأطلسي هل يستحق كل هذا العناء والمال، وما الجدوى من منطقة تبادل حر لبضائع غير موجودة
ولا يبدو قرار إنجاز طريق بري بين تيندوف والزويرات، ويبلغ طوله حوالي 800 كيلومتر، خطوة مدروسة. وهو أقرب إلى الورطة من كونه بديلا لمنافسة المغرب.
وتحتاج الحركة على مسار الطريق إلى جهود أمنية من كلا البلدين، بسبب نشاط جماعات مسلحة تتاجر بالسلاح والمخدرات وتقوم بعمليات تهريب، كما لا يُستبعد وجود جماعات أخرى جهادية، وهو ما يضطر الأفراد والمركبات إلى سلك طريق داخل إقليم الصحراء.
وكثيرا ما أدت الحركة العشوائية للأفراد والمركبات في المنطقة إلى حوادث مميتة، بسبب التباسها بالنشاط السياسي والأمني للانفصاليين الصحراويين.
ويشار إلى أن هذا الطريق البري الطويل يمر عبر مناطق ذات تضاريس وعرة تحدّ من تنقل القوافل التجارية بين البلدين. كما أن معالم جزء من الطريق تختفي عند هبوب الزوابع الرملية، لاسيما في ظل وجود مسافة طويلة لم يتم تعبيدها، ودون بنية تحتية أو مرافق لاستراحة السائقين.
ويتساءل مراقبون عما إذا كانت الجزائر فعلا تحتاج إلى هذا الطريق الصعب من أجل الوصول إلى الأطلسي، وما إذا كان الأمر يستحق فعلا كل هذا العناء والمال، وما ستصدّره الجزائر، مشيرين إلى أن كل الكتلة البشرية في الجزائر موجودة على ساحل المتوسط، وهو ما يعني صعوبة اعتماد السكان على السفر برّا لقضاء شؤونهم في الخارج.
وفي الشمال لدى الجزائر بنية تحتية من طرقات وموانئ وشبكة أنابيب لتصدير النفط، ومن الصعب أن تنفق مبالغ طائلة على تشييد منشآت جديدة في الجنوب وحراستها، دون هدف واضح.
وتُطرَح التساؤلات نفسها تقريبا حيال منطقة التبادل الحر؛ ففِيمَ تتمثل التجارة الحرة مع بلد مثل موريتانيا، وما جدوى منطقة تبادل حر لبضائع غير موجودة.
وتؤشّر التحركات الجزائرية المكثفة خلال الفترة الأخيرة باتجاه موريتانيا على توجس جزائري شديد من مبادرة الأطلسي التي أعلن عنها العاهل المغربي الملك محمد السادس في السادس من نوفمبر الماضي، بمناسبة الذكرى الثامنة والأربعين للمسيرة الخضراء، والتي ستفتح أفق تنمية واسعا للدول التي ستنخرط في المبادرة. وقد شرعت دول، مثل مالي والنيجر وبوركينا فاسو وتشاد، في الانضمام إلى المبادرة.
وكثّف المغرب، منذ سنوات، تواجده في عدد من الدول الأفريقية من خلال مضاعفة الاستثمارات والاتفاقيات. وقام العاهل المغربي بسلسلة من الجولات للدفع بالتعاون الأفريقي إلى الأمام، في إطار المعادلة الاقتصادية رابح – رابح، والتي تنهض على رؤية إستراتيجية، عمادها نسج الشراكات القوية بين المغرب ودول أفريقية.
وأشرف الرئيس الجزائري والرئيس الموريتاني بعد ظهر الخميس على وضع حجر الأساس لمشروع إنجاز المنطقة الحرة للتبادل التجاري والصناعي بين البلدين.
وقالت وسائل إعلام جزائرية إن هذه المنطقة الحرة ستكون بمثابة همزة وصل في مجال التبادل التجاري والصناعي بين الجزائر وبلدان غرب أفريقيا، وإنها ستساهم في رفع حجم التبادلات التجارية التي تعرف حاليا تناميا مستمرا بين الجزائر وموريتانيا.
وتُبدي الجزائر اهتماما كبيرا بتطوير علاقاتها مع موريتانيا؛ إذ تم الاتفاق على تأسيس آلية مشتركة للتشاور السياسي وتعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري والأمني، خاصة في ظل التوترات التي تعيشها المنطقة.
وقام وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف بزيارة إلى موريتانيا في الثامن من الشهر الجاري، أين التقى وزير الخارجية الموريتاني محمد سالم ولد مرزوك، واستقبل من طرف الرئيس الموريتاني.
وصرّح عطاف بأن العلاقات الجزائرية – الموريتانية تعيش أبهى مراحلها التاريخية، خاصة وأنها تتعزز بمشاريع اندماجية وتكاملية بين البلدين، بإمكانها خلق حركية اقتصادية واجتماعية على خط الجزائر – نواكشوط.
وتندرج زيارة رئيس الدبلوماسية الجزائرية إلى موريتانيا ضمن إطار جولة إقليمية في عدة عواصم إقليمية على غرار تونس وطرابلس، أين نقل رسائل خطية من طرف الرئيس تبون، ما يترجم رغبة الجزائر في تحريك محاور الجوار لبلورة مقاربة مشتركة بغية مواجهة التحديات القائمة، لاسيما دخول قوى إقليمية على خط النفوذ في المنطقة.
ووجد الجزائريون أنفسهم في وضع حرج بعد أن قام المجلس العسكري في مالي بإلغاء العمل باتفاق 2015 الذي رعته الجزائر، واتهمها بالتدخل في الشؤون الداخلية لمالي بالتزامن مع دعم روسي وتركي لباماكو، ما بدا كأنه استهداف لدور الجزائر من قبل أبرز شركائها.
وتراجعت العلاقات الجزائرية مع النيجر، التي تسعى لتطوير علاقاتها مع المغرب والاستفادة من المبادرة الأطلسية للملك محمد السادس. هذه التطورات تضغط على الجزائر وتدفعها إلى التحرك لكسر العزلة من حولها، خاصة في ظل برودة علاقتها مع تونس وغياب تأثيرها في ليبيا والقطيعة مع الرباط.
وفي تصريح أدلى به أحمد عطاف عقب استقباله من قبل الرئيس الموريتاني قال إن زيارته إلى موريتانيا تندرج في إطار الطموح المشترك الذي يحدو قائدي البلدين في تعزيز العلاقات الجزائرية – الموريتانية، “والارتقاء بها إلى أسمى المصاف”.
وأشار إلى “حرص قائدي البلدين على المساهمة في كل ما يدعم استتباب الأمن والاستقرار في المنطقة وفي الجوار الإقليمي، وأن العلاقات الثنائية تعيش أبهى مراحلها التاريخية تطورا وحركية، لاسيما في سياق المشاريع التكاملية والاندماجية”.
ولفت إلى أن “الجزائر وموريتانيا تتقاسمان انشغالا عميقا إزاء ما يحيط بهما من توترات في بيئة إقليمية مضطربة، إلى جانب التطورات الخطيرة التي تشهدها القضية الفلسطينية، خاصة الحرب الإسرائيلية المدمرة على قطاع غزة، وأن البلدين يعملان على تكثيف جهودهما المشتركة من أجل التأثير بصفة إيجابية على مجريات الأمور لما فيه خير بلدان وشعوب جوارهما الإقليمي”