قررت التشيك رسميا إرسال جنود لموريتانيا، وذلك ضمن أجنداتها للعودة الميدانية إلى أفريقيا، ومنطقة الساحل بشكل خاص، وسط تزايد الصراع بين الغرب وروسيا بهذه المنطقة.
ووافق البرلمان التشيكي الثلاثاء على تفويض الحكومة بإرسال جنود تشيكيين إلى موريتانيا، لمدة عامين.
ونقلت وسائل إعلام تشيكية، بينها راديو "براغ" أن البرلمان التشيكي وافق على إرسال 30 جنديا إلى موريتانيا ضمن برنامج حلف شمال الأطلسي للمساعدة في تدريب الجيش الموريتاني.
ونقلت إذاعة "براغ" عن مدير قسم السياسة والاستراتيجية الدفاعية بوزارة الدفاع التشيكية يان جيريش قوله، إن إرسال ثلاثين جنديا من القوات الخاصة التشيكية إلى موريتانيا لتدريب نظرائهم في الجيش الموريتاني جاء ضمن برنامج "الناتو" للتعاون العسكري، مردفا أن جمهورية التشيك تُدرك التأثير الذي يمكن أن تُحدثه المنطقة على أوروبا.
روسيا تدفع الغرب للمغادرة
ووفق المصدر نفسه، فقد أبلغ المسؤول بوزارة الدفاع أعضاء لجنة الدفاع التشيكية أن روسيا على وجه الخصوص تسعى لزعزعة استقرار المنطقة "لدفع الدول الغربية للخروج منها وتكثيف التهديدات التي لها تأثير على أوروبا".
فيما أكد مدير القوات الخاصة التشيكية، الجنرال ميروسلاف هوفيريك أنه بعد موافقة البرلمان التشيكي يمكن لثلاثين فردا كحد أقصى من القوات الخاصة التشيكية الانطلاق إلى أفريقيا، وستكون وجهتهم هذه المرة موريتانيا الواقعة في غرب أفريقيا، والتي أصبحت معقلا للاستقرار في المنطقة في عهد الرئيس الحالي محمد ولد الشيخ الغزواني، بحسب قوله.
وتزايد اهتمام حلف شمال الأطلسي (الناتو) بموريتانيا خلال السنوات الأخيرة، خصوصا بعد قمة الحلف سنة 2022 والتي دُعيت إليها دولتان فقط من خارج الحلف هما موريتانيا والأردن.
وتصاعد الاهتمام الغربي بموريتانيا مع دخول روسيا كفاعل رئيسي في منطقة الساحل، حيث تمكنت موسكو على مدى السنوات الثلاث الأخيرة من تعزيز علاقتها مع القادة العسكريين الممسكين بزمام السلطة في مالي وبوركينافاسو، والنيجر، فيما بات حلف شمال الأطلسي ينتابه القلق بشأن تأمين جناحه الجنوبي.
وحرص العديد من المسؤولين الأوروبيين والأمريكيين ومسؤولي حلف شمال الأطلسي، في العديد من الإطلالات الإعلامية على الإشادة بحالة الاستقرار الأمني التي تعرفها موريتانيا في ظل حالة الاضطراب في محيطها الأفريقي.
فقد قالت وكيلة الخارجية الأمريكية للشؤون السياسية فيكتوريا نولاند، في تصريحات قبل أكثر من سنة، إن موريتانيا تعتبر "واحة للاستقرار في منطقة الساحل".
فيما قال نائب الأمين العام المساعد للحلف للشؤون السياسية والسياسة الأمنية خافيير كولومينا، في تصريحات سابقة، إن "موريتانيا هي الشريك الوحيد للحلف في منطقة الساحل، وهي الوحيدة التي يمكنها النفاذ لبعض أدوات الحلف بطريقة منهجية لأنها شريك" مضيفا أن "موريتانيا هي الدولة الوحيدة في منطقة الساحل التي تسيطر على أراضيها وحدودها، وهي دولة تتمتع باستقرار سياسي وأمني، لذا فإن التعاون معها أفضل بالنسبة للحلف".
ويرى متابعون أن البلدان الغربية والأوروبية بشكل خاص باتت حريصة على مغازلة موريتانيا سياسيا وإعلاميا، رافق ذلك زيارات متكررة للمسؤولين الغربيين لنواكشوط.
ويرى سليمان الشيخ حمدي - وهو خبير أمني واستراتيجي ومدير مركز رؤية للدراسات- أن مصادقة البرلمان التشيكي على إرسال جنود لموريتانيا، تأتي في إطار محاولات حلف شمال الأطلسي في دوائره البعيدة وغير الملفتة أن يكون لديه خطوات عملية في غرب أفريقيا.
ولفت حمدي في تصريح لـ"عربي21" إلى أنه عند الحديث عن غرب أفريقيا؛ فإن ذلك يعني بشكل أساسي موريتانيا "لأنها أكثر بلدان المنطقة استقرارا".
وأضاف: "حلف شمال الأطلسي يعتبر موريتانيا قاعدته التي يمكنه من خلالها تقديم خدمات التدريب لجيوش حلفائه في المنطقة أو حتى الخدمات اللوجستية".
ولفت إلى أن موريتانيا "ما تزال حريصة على ألا تظهر بمظهر القاعدة اللوجستية لحلف شمال الأطلسي ولا تريد أن تدخل الصراع بين روسيا وحلف شمال الأطلسي بأي طريقة كانت".
وأشار إلى أن موريتانيا "تعي كثيرا أن إدخال أي قوات من أي مستوى ومن أي دولة أوروبية إلى أراضيها في أي إطار كان سيكون له ما بعده، لذلك تسعى أن يكون أي تواجد عسكري غربي في إطار محدود".
واعتبر المتحدث أن إرسال جنود من التشيك لموريتانيا يعني أن حلف شمال الأطلسي هو من أرسل هؤلاء الجنود.
صراع متعدد الأشكال
الخبير الأمني والاستراتيجي سليمان الشيخ سيديا، أكد في حديثه لـ"عربي21" أن الصراع بين روسيا والغرب في الساحل بدأ يأخذ أشكالا متعددة ويعقد الأوضاع المتأزمة في المنطقة أكثر.
واعتبر أن الحكام العسكريين الممسكين بالسلطة في مالي يدفعون ليكون الصراع في المنطقة صراعا بين الغرب وروسيا "باعتبار ذلك يخدم مصالحهم ويدفع روسيا لمدهم بمزيد من الدعم".
وشدد على أن موريتانيا "لا تريد أن تظهر بمظهر أنها رأس الحربة للدول الغربية في المنطقة، ولا تريد في المقابل توتير العلاقة معها".
وخلص إلى أن استقبال نواكشوط لجنود غربيين لن يكون في صالح المنطقة المضطربة وغير المستقرة.
من جهته رأى المحلل السياسي الموريتاني الولي سيدي هيبه، أن قرار التشيك إرسال جنود لموريتانيا يعتبر بمثابة رسائل غربية للمنطقة بخصوص مستقبل النفوذ والحضور بالساحل.
وأشار في تصريح لـ"عربي21" إلى أن موريتانيا قد تستفيد من التدريب الذي سيقدمه الجنود التشيكيون لقواتها، لكن في المقابل "الجميع يعرف أن التشيك تحمل الهم الأوروبي وهي إحدى دول حلف شمال الأطلسي وتتصرف وفق مصالح الغرب، من أجل حماية نفوذه ومصالحه في المنطقة".
ويثير حضور روسيا في الساحل قلق الأوروبيين بدرجة كبيرة في ظل المشهد العالمي المتشكل وفق خارطة جديدة يحاول الروس من خلالها لعب أدوار استراتيجية في أفريقيا وآسيا.
ويرى متابعون أن الصراع الغربي الروسي بالساحل هو صراع نفوذ للحصول على موطئ قدم استراتيجي، خصوصا على منافذ البحر، وهو ما يرون أنه يعكس حجم الاهتمام الحاصل بموريتانيا التي تمتلك شواطئ تمتد حتى إسبانيا.
ويعتقد متابعون أن إرسال جنود من التشيك إلى موريتانيا، هو بمثابة بداية عملية لمواجهة حلف شمال الأطلسي للنفوذ الروسي بالساحل، متوقعين أن يحتدم الصراع بين الطرفين في المنطقة خلال الفترة القادمة