فلسطين : ميلاد عصر جديد من الدعم العالمي بعد 15 شهرًا من الوحشية

ثلاثاء, 21/01/2025 - 12:46

لم تكن الأشهر الخمسة عشر من الهجوم الوحشي الذي شنّته إسرائيل على غزة مجرد تصعيد في العنف، بل كانت شرارة لتحوّل عميق في الرأي العام العالمي. هذه الأشهر من الوحشية كشفت حجم معاناة الشعب الفلسطيني، إلى درجة أعادت تشكيل علاقة الدول بهذه القضية التاريخية. وكما خرج الشعب اليهودي منتصرًا أخلاقيًا وسياسيًا من أهوال الحرب العالمية الثانية، يبرز الفلسطينيون اليوم كالفائزين الحقيقيين في صراعٍ كلّف آلاف الأرواح لكنه أيقظ الضمير العالمي.

تحوّل تاريخي: بروز القضية الفلسطينية

كما منحت مأساة المحرقة للشعب اليهودي اعترافًا دوليًا ودعمًا عالميًا لحقه في إقامة وطن، فإن الفظائع التي عانى منها الشعب الفلسطيني في غزة تعيد تشكيل الإدراك العالمي. اليوم، أصبحت نضالات الفلسطينيين من أجل الحرية والكرامة تلقى صدى غير مسبوق، يتجاوز الحدود والثقافات والانتماءات السياسية.

القصف العشوائي، الدمار الهائل، والمعاناة التي لحقت بالمدنيين، بما في ذلك النساء والأطفال، تركت بصمة لا تُمحى في الوعي الجماعي. في كل مكان، ترتفع الأصوات للتنديد بالظلم الصارخ والمطالبة بالحقوق لشعب طالما أُسكت صوته.

معاداة مزدوجة للسامية: الاعتراف بمعاناة الشعبين

نحن ندخل عصرًا جديدًا حيث تتوسع فكرة معاداة السامية. المصطلح الذي كان تاريخيًا يُستخدم لوصف الكراهية تجاه الشعب اليهودي، قد يشمل الآن واقعًا آخر: معاداة السامية المعكوسة ضد الفلسطينيين، وهم شعب سامي أيضًا، تم إنكار وجودهم وحقوقهم ودهس كرامتهم. هذا الاعتراف المزدوج، رغم مرارته، قد يصبح مفتاحًا لتوحيد الشعبين في إنسانية مشتركة بدلًا من تأجيج العداء الأبدي.

يبدو أن العصر الجديد يتسم بعولمة التضامن. الفلسطينيون لم يعودوا يُنظر إليهم كضحايا صراع إقليمي فقط، بل كحاملين لقضية إنسانية شاملة: النضال ضد القمع والاستعمار وإنكار الهوية.

موجة عالمية من الدعم: نقطة تحول غير مسبوقة

جلبت هذه الأشهر الخمسة عشر من المعاناة للفلسطينيين رؤية غير مسبوقة. عبر العالم، نظمت مظاهرات حاشدة، وتحدثت شخصيات عامة، وأدانت حكومات كانت صامتة سابقًا أفعال إسرائيل. من أمريكا اللاتينية إلى إفريقيا، مرورًا بآسيا وحتى بعض الدول الغربية، يظهر إجماع متزايد: حان الوقت للتحرك والاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني.

حتى في الولايات المتحدة وأوروبا، حيث كانت إسرائيل تاريخيًا تحظى بدعم شبه غير مشروط، بدأ يظهر انقسام، خاصة بين الأجيال الشابة. أصبحت إدانة "سياسات الفصل العنصري" و"الاستعمار" الإسرائيلية موقفًا سائدًا في الأوساط الأكاديمية والتقدمية.

فلسطين كرمز للصمود والعدالة

يصبح الشعب الفلسطيني، من خلال صموده، رمزًا عالميًا للعدالة في العصر الحديث. يتميز هذا العصر الجديد بإشادة عالمية بشجاعتهم في وجه القمع، تمامًا كما أشيد بالشعب اليهودي على صموده في وجه لا إنسانية الهولوكوست. هذا التشابه، القوي وغير المتوقع، يعيد تعريف أطر النقاش ويضع الفلسطينيين في قلب نضال عالمي من أجل الكرامة الإنسانية.

إعادة تشكيل التاريخ؟

بينما يدخل الفلسطينيون عصرًا من الدعم والاعتراف العالمي، تواجه إسرائيل أزمة غير مسبوقة في صورتها الدولية. الوحشية التي ارتكبتها في غزة، والتي تم نشرها على نطاق واسع عبر وسائل التواصل الاجتماعي، كشفت عن حقيقة طالما تم إخفاؤها. لم تعد إسرائيل تُرى كدولة دفاعية فحسب، بل كقوة قمعية. قد يؤدي هذا التحول في التصورات إلى تغيير جذري في ميزان القوى على المستوى العالمي.

في الختام، كانت هذه الأشهر الخمسة عشر من الوحشية في غزة علامة فارقة لولادة حقبة جديدة. تمامًا كما دخل الشعب اليهودي عصرًا من الاعتراف والدعم بعد الحرب العالمية الثانية، يدخل الفلسطينيون الآن مرحلة تُعترف فيها نضالاتهم وتُدعم وتُحتفى بها. هذا التحول العالمي، الذي تقوده صحوة جماعية، قد يكون بداية أمل ملموس لسلام قائم على العدل والمساواة. لم تعد فلسطين تكافح وحدها: لقد أصبحت الآن تجسد قضية عالمية.

 

الدكتور . إسماعيل الصادق

جديد الأخبار