ملخص نقاشات ملتقى الأفكار حول التهديدات المرتبطة بالجريمة المنظمة والمخدرات في موريتانيا

ثلاثاء, 20/05/2025 - 10:57

نشر فضاء الحوار والتفكير "ملتقى الأفكار" الخاص بالنخبة الموريتانية، بمختلف توجهاتها، الراغبة في الإسهام في نقاش عميق من أجل تعزيز فكر حر ومسؤول، يخدم المصلحة العامة، ملخصا نقاشات أعضائه  حول التهديدات المرتبطة بالجريمة المنظمة والمخدرات في موريتانيا
 

وفي مايلي نص الملخض

 

مقدمة

شهدت الساحة الوطنية مؤخرًا حدثًا بارزًا تمثل في تفكيك شبكة واسعة لتجارة المواد المهلوسة، في عملية ناجحة نفذتها الدرك الوطني. وقد أسفرت هذه العملية عن توقيف العشرات، كاشفة بذلك حجم آفة طالما تم التقليل من خطورتها. كما أثارت هذه القضية صدمة حقيقية في الرأي العام، وأحدثت حالة من القلق الجماعي وسلسلة من الجدل الإعلامي والسياسي. هذه الهزة المجتمعية تعكس قلقًا عميقًا وتطلعات شعبية حقيقية إلى ردود حازمة بحجم التهديد.
في هذا السياق المشحون بالقلق والأمل، فتح ملتقى الأفكار فضاءً للنقاش الهادئ والعميق حول الإشكالية المعقدة للتهديدات المرتبطة بالجريمة المنظمة والمخدرات في موريتانيا، بما في ذلك: المخدرات، المؤثرات العقلية، تبييض الأموال، الاتجار بالبشر، وغيرها من أشكال الجريمة المنظمة. وقد تميزت هذه النقاشات بمستواها الرفيع، وتعدد زوايا النظر، وجودة المقترحات. وهذه الوثيقة تقدم خلاصة أبرز محاورها، في إطار مساهمة فكرية لدعم التعبئة الوطنية.
أولاً: التهديد الجسيم وتطوره المقلق

أجمع المشاركون في النقاش على أن التهديدات المرتبطة بالجريمة المنظمة والمخدرات تحولت إلى خطر منهجي ومتصاعد. فموريتانيا، التي كانت تُعتبر سابقًا مجرد ممر عبور، أصبحت اليوم تواجه واقعًا أكثر تعقيدًا: بلد عبور، وبلد تخزين، وبلد استهلاك في آن واحد.

وتُسهم عدة عوامل في تفاقم الوضع، من بينها الامتدادات الحدودية الواسعة والمفتوحة، التضاريس الصحراوية الوعرة، نقص المعدات التقنية المتقدمة للرصد، وضعف بعض المؤسسات المعنية. لم يعد الخطر حكرًا على المدن الكبرى، بل امتد إلى الداخل، مخترقًا المدارس، والبيئات المهنية، ومحيط الشباب.

وقد أبرز النقاش أن هذه الشبكات أصبحت أكثر تنظيمًا وتعقيدًا، وتربطها صلات وثيقة بشبكات عابرة للحدود. وهو ما يضاعف التحديات الأمنية ويهدد السلم المجتمعي، الصحة العامة، استقرار الدولة، والأسس الأخلاقية والاقتصادية.
كما أشار النقاش إلى غياب إرادة سياسية قوية في مراحل سابقة، حيث ساد التراخي، وبرزت تواطؤات، وتم التساهل مع بعض الملفات، مما أتاح للشبكات الإجرامية ترسيخ نفوذها. لذلك، فالمطلوب اليوم هو قطيعة واضحة، وإرادة سياسية حازمة وعلنية في أعلى هرم السلطة. من دونها، ستبقى الجهود الأمنية والتشريعية غير كافية.

ثانيًا: تأمين الحدود... أولوية لا تحتمل التأجيل

أجمعت الآراء على أن تعزيز الرقابة على الحدود يمثل الخط الأول في الحرب ضد الجريمة المنظمة والمخدرات. وقد طالب كثير من المتدخلين باعتماد منظومة مراقبة ذكية، مدعومة بالتكنولوجيا الحديثة، مثل: الطائرات المسيّرة، الرادارات الأرضية، أجهزة الاستشعار، أنظمة المراقبة بالفيديو، وشبكات الاتصال المشفرة.
كما طُرحت ضرورة تحديث معدات الجمارك في المنافذ الحدودية والموانئ، وتمكينها من أدوات متقدمة كأجهزة المسح المتنقلة، ونظم التعرف التلقائي، وقواعد البيانات المشتركة بين الأجهزة الأمنية.
وأوصى المشاركون بإعادة هيكلة التنسيق بين مختلف الفاعلين الأمنيين (الجمارك، الدرك، الشرطة، الجيش)، عبر إنشاء مراكز عمليات مشتركة في المناطق الحساسة لضمان الاستجابة الفعالة.
ثالثًا: أبعاد أخرى... الاستهلاك، التواطؤ، والفراغ القانوني

أبرزت النقاشات أيضًا أبعادًا مقلقة تتجاوز الجانب الحدودي:
الانتشار المتسارع لاستهلاك المؤثرات العقلية، خصوصًا الرخيصة منها، في أوساط الشباب، بما يحمله من تهديدات على الصحة النفسية، وانحرافات سلوكية، وتراجع مدرسي.
المدارس أصبحت هدفًا مباشرًا لهذه الشبكات، وتم تسجيل حالات تعاطٍ وبيع داخل المؤسسات التعليمية، ما يؤدي إلى الانقطاع المبكر عن الدراسة، والعنف بين التلاميذ، وفقدان البوصلة التربوية. وهنا طُرحت مقترحات لتكوين المدرسين، إدماج التوعية في المناهج، وإنشاء خلايا دعم نفسي داخل المدارس.
التواطؤات داخل بعض الإدارات، أو تدخلات سياسية في سير بعض التحقيقات، تضعف ثقة المواطن في مؤسسات الدولة، وتغذي شعورًا بالإفلات من العقاب.
الإطار القانوني الحالي لا يواكب التحديات الحديثة، إذ توجد ثغرات في التعامل مع المخدرات الاصطناعية، أو وسائل الاتصال المستخدمة من قبل العصابات، أو وسائل تبييض الأموال مثل العملات الرقمية.
وقد برز دور المدرسة كمكان مهدد، ولكن أيضًا كرافعة للتغيير، حيث يمكن أن تصبح منبرًا للتوعية، وبناء المناعة الفكرية، وغرس القيم، وبالتالي سلاحًا فعالًا في مواجهة الانحراف والجريمة.

رابعًا: الدين كحصن منيع
اتفق الحاضرون على أهمية تفعيل دور العلماء والأئمة في هذه المعركة، لما يتمتعون به من مكانة روحية وتأثير اجتماعي كبير في المجتمع الموريتاني. ويمكن للخطاب الديني، عبر خطب الجمعة، والدروس، والبرامج المسموعة والمرئية، أن يسهم بقوة في ترسيخ وعي جماعي بخطورة المخدرات والجريمة المنظمة، خاصة إذا اقترن بخطاب تربوي واقعي ومقنع.
خامسًا: مقترحات عملية لخطة وطنية شاملة
خلص ملتقى الأفكار إلى جملة من المقترحات العملية، ضمن رؤية وطنية شاملة، تضمنت:
1. إنشاء وكالة وطنية لمحاربة الجريمة المنظمة والمخدرات، ذات طابع مستقل، ومرتبطة مباشرة برئاسة الجمهورية أو الوزارة الأولى.
2. مراجعة المنظومة القانونية، بتحديث قانون العقوبات، وإنشاء محاكم مختصة تبت بسرعة وصرامة في هذه القضايا.
3. الاستثمار في المعدات التكنولوجية الخاصة بالرصد والتتبع، خاصة لأجهزة الجمارك والمخابرات، بما في ذلك تقنيات تتبع التحويلات المالية المشبوهة.
4. إطلاق خطة وطنية للوقاية والتوعية، بالشراكة مع المدارس، المساجد، الإعلام، والمنظمات غير الحكومية، للحد من الطلب، وتوجيه الأسر إلى سبل الحماية.
5. إشراك العلماء والدعاة في جهود التوعية وإعادة تأهيل الفئات المعرضة للخطر.
6. تعزيز التعاون الإقليمي والدولي، خصوصًا مع بلدان الساحل، المغرب العربي، والهيئات الأممية مثل الإنتربول والاتحاد الإفريقي، لتبادل المعلومات وتنسيق الجهود.
7. إنشاء آلية وطنية مستقلة لتقييم السياسات المتبعة واقتراح التعديلات اللازمة بشكل دوري.
خاتمة
كشفت نقاشات ملتقى الأفكار عن وعي جماعي عميق بخطورة المرحلة. فموريتانيا اليوم تواجه تهديدًا حقيقيًا متعدد الأوجه، قد تكون له عواقب كارثية إذا لم تتم مواجهته بجدية وحزم واستباق.
إنه لم يعد كافيًا الاكتفاء بالتحركات الظرفية أو الخطابات العامة، بل نحن بحاجة إلى يقظة وطنية شاملة، تُسخّر فيها كل الطاقات: الدولة، الأجهزة الأمنية، المجتمع المدني، العلماء، الأسر، الإعلام، والشركاء الخارجيين. هذه المواجهة لن تنجح دون إرادة سياسية صلبة، واعية بعمق التحدي، قادرة على توحيد جهود كل مؤسسات الدولة ضمن خطة متماسكة وطويلة الأمد.
لقد شكل هذا النقاش نموذجًا راقيًا للحوار الوطني المسؤول، وجاءت خلاصاته لتعكس هذا الالتزام الصادق بإنقاذ شبابنا، وحماية استقرارنا، وضمان سيادتنا. فالتحدي وجودي، والإجابة عليه يجب أن تكون بمستوى الخطر

وجدير بالذكر ان "ملتقي الأفكار"  بمثابة مختبر للأفكار، ومنبر لتبادل الرؤى والتحاليل المعمقة، وتقديم مقترحات واقعية بشأن القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والاستراتيجية التي تهم بلدنا.

 

ا

جديد الأخبار