منذ شتنبر الماضي، تحولت شواطئ جهة طنجة تطوان الحسيمة إلى مواجهة مفتوحة بين السلطات الأمنية وشبكات التهريب التي تستعين بزوارق «الفانتوم» السريعة التي أخذت على عاتفها تهجير الشباب المغاربة بدون مقابل يُذكر، بعدما كانت الكلفة لا تقل عن 5 ملايين سنتيم للفرد الواحد.
فما الذي يدفع شبكات التهريب إلى تهجير الشباب بدون مقابل؟ فهل هو ردّ فعل من المافيا ضد الإجراءات المغربية الإسبانية لتضييق الخناق عليها؟ أم يتعلق الأمر بحرب خفية بين المغرب وإسبانيا ليست المافيا سوى أداة فيها؟
انتقام المافيا
بعد أن ازداد الضغط على المغرب، وتحولت شواطئه الشمالية إلى وجهة لكل الشباب الراغب في الهجرة فورا وبدون مقابل، ما أدى في بعض الأحيان إلى المواجهة بين السلطات الأمنية المغربية وشبكات التهريب، روّجت الحكومة المغربية لتفسيرين اثنين: الأول جاء على لسان مصطفى الخلفي، الوزير والناطق الرسمي باسم الحكومة، مفاده أن تصعيد الهجوم على المغرب من قبل شبكات الهجرة السرية يرجع إلى نجاح السلطات الأمنية المغربية في تضييق الخناق عليها. وكشف أنه خلال سنة 2017 وحدها أحبطت السلطات الأمنية المغربية أزيد من 65 ألف محاولة للهجرة السرية، معلقا أن «هذا عدد كبير جدا».
وقال الخلفي إن حوالي الثلثين من تلك المحاولات التي تم إحباطها كانت لمهاجرين قادمين من دول إفريقيا جنوب الصحراء.
ورغم الجهود المغربية لإحباط محاولات التهريب، إلا أن الإحصاءات التي تكشف عنها إسبانيا تؤكد أن بعضها نجا من مراقبة السلطات الأمنية المغربية واستطاع الوصول إلى الضفة الأخرى، وبحسب الإحصاءات الإسبانية فإن عدد المهاجرين الذين وصلوا إلى الشواطئ الإسبانية يفوق 36 ألف مهاجر، بعضهم تسلل عبر سبتة ومليلية المحتلتين، وبعضهم الآخر استعان بشبكات التهريب السري.
لكن يبقى التطور الجديد المتعلق بظاهرة «الفانتوم» لافتا للنظر ومثيرا للتساؤل. سعد الدين العثماني، رئيس الحكومة، قال في لقاء حزبي أول أمس الأحد، إن السلطات الأمنية تمكنت من تفكيك 2000 شبكة للهجرة السرية، واستطاعت إنقاذ 20 ألف مهاجر في عرض البحر قبل وصولهم إلى الضفة الأخرى، ما يعني حربا مفتوحة بين السلطات الأمنية وشبكات التهريب. وأكد العثماني نفس التفسير، إذ ربط بين ظاهرة «الفانتوم» والضربات القوية التي تلقتها شبكات التهريب والهجرة، ما دفعها إلى القيام بردّ فعل هدفه «إرباك الوطن والمواطنين»، على حدّ قول رئيس الحكومة. التفسير الثاني كان قد قدّمه وزير الخارجية والتعاون الدولي، ناصر بوريطة، الذي ربط بين ارتفاع محاولات الهجرة غير الشرعية عبر الشواطئ المغربية نحو إسبانيا وانسداد الطرق أمام المافيا وشبكات التهريب عبر خطين آخرين هما: الأول عبر ليبيا ومصر نحو إيطاليا ومالطا، والخط الثاني عبر تركيا نحو اليونان. وهو التفسير الذي نقرأه على لسان المحامي صبرو الحو، مختص في القانون الدولي، كذلك، بقوله: «أعتقد أن تزايد محاولات الهجرة غير الشرعية يرجع إلى عدة أسباب أهمها الانحصار الكبير، الذي عرفته مجموعة من المسارات في شمال إفريقيا ودول البلقان»، وأضاف أن «الطريق الأولى من الغرب الإفريقي إلى جزر الكناري، هي مسار طويل، ونتجت عنه كوارث إنسانية، لذلك لا يحبذه المهاجرون، كما أن الطريق الثاني الذي يربط بين ليبيا وتونس ومصر وإيطاليا، محفوف بالمخاطر والعصابات، وكذلك الوضع بالنسبة للطريق الثالث عبر تركيا ودول البلقان كذلك، خصوصا بعد تعاون تركيا مع أوروبا حيث تم تشديد المراقبة بشكل غير مسبوق، وأمام انسداد تلك الطرق فقد تحولت شبكات المافيا والتهريب إلى المغرب، بالنظر إلى قربه الجغرافي من أوربا».
مساومة خفية
إلى جانب التفسير الرسمي الذي يربط بين ظاهرة «الفانتوم» وتضييق الخناق على مافيا التهريب، هناك تفسير آخر يشير إلى أن عودة الهجرة غير الشرعية بشكل غير مسبوق خلال هذه السنة إنما يكشف عن مساومة من المغرب لأوربا، تستعمل فيها المافيا كأداة ضغط فقط. وكانت تركيا قد انتزعت من الاتحاد الأوربي، عبر نفس الأسلوب المتمثل في استعمال المهاجرين كورقة ضغط، نحو 3 ملايير أورو مقابل وقف اندفاع المهاجرين واللاجئين السوريين نحو أوربا، وهو الأسلوب الذي يبدو أن المغرب بصدد تجريبه: وقف تدفق المهاجرين مقابل دعم أوربي واضح.
ويشير أصحاب هذا الرأي إلى عدد من التطورات التي جرت في الأشهر الأخيرة، وتؤكد وجود هذا المسعى. إذ بعد سقوط الحكومة اليمينية بإسبانيا وصعود الاشتراكيين في بداية غشت الماضي، بدأت العلاقات بين المغرب وإسبانيا تهتز من جديد بسبب الهجرة غير الشرعية. وهو ما استوجب على رئيس الحكومة الإسبانية سابقا، خوسي لويس رودريغيث ثاباتيرو، ووزير خارجيته ميغيل آنخل موراتينوس، إلى لعب دور الوساطة خلال استقبالهما من قبل الملك محمد السادس بمناسبة عيد العرش الأخير بالقصر الملكي بطنجة. وبعدها مباشرة التزمت المفوضية الأوروبية بدعم المغرب من أجل مراقبة حدوده. وهو الالتزام الذي تمت ترجمته عمليا بين رئيس الحكومة الإسبانية، بيدرو سانشيز، والمستشارة الألمانية، آنجيلا ميركل، حيث اتفقا على تخصيص 130 مليون أورو من ميزانية صندوق شمال إفريقيا من أجل دعم المغرب لتعزيز الحراسة الأمنية في حدوده، وكذلك في الحدود الإسبانية.
في هذا السياق كذلك، يقدم فؤاد فرحاوي، أستاذ العلاقات الدولية بالراشيدية، زاوية أخرى للفهم، إذ يشير إلى أن عودة ظاهرة الهجرة غير الشرعية هي محاولة لإثارة انتباه القوى الأوربية إلى مشكل الأمن البحري لدول الجنوب. فرحاوي أكد أنه في سنة 2015 أنشأ الاتحاد الأوربي قوة أوربية مشتركة باسم «صوفيا»، مهمتها ضمان الأمن البحري لدول أوربا المطلة في البحر المتوسط، وبالتالي مواجهة شبكات التهريب للبشر والسلاح والمخدرات وغيرها، لكن الخطوة التي كانت أحادية الجانب «ربما أثارت هواجس لدى دول جنو المتوسط، وأساسا مصر والجزائر والمغرب، التي قد ترى في القوة الأوربية المشتركة «صوفيا» انتقاصا من سيادتها البحرية».
ويفترض فرحاوي أن «المغرب يثير الانتباه إلى أهميته في كل المبادرات الأمنية الأوربية، مفادها أن مواجهة شبكات الهجرة والتهريب لا ينبغي أن تكون على حسابه، أو سببا في انتقاص سيادته البحرية»
alyaoum24.com