أصدرت "جماعة نصرة الإسلام والمسلمين" في مالي قبل أيام شريط فيديو، تضمن خطابا مصورا يلقيه "محمد كوفا" زعيم "كتائب ماسينا" التابعة للجماعة، موجَها إلى قبائل الفلان في منطقة غرب إفريقيا، وكان الخطاب باللغة الفلانية (البولارية) مصحوبا بترجمة مكتوبة باللغة العربية .
وقد حرص "محمد كوفا" ـ الذي كان يتحدث، وعن يساره أمير جماعة نصرة الإسلام والمسلمين "إياد أغ غالي"، وعن يمينه نائب أمير الجماعة وأمير منطقة الصحراء الكبرى "يحيى أبو الهمام" ـ حرص على مخاطبة قبائل الفلان (افولبي)أينما كانوا في غرب إفريقيا، داعيا إياهم إلى النفير من أجل"الجهاد في سبيل الله" والالتحاق بمن سماهم المجاهدين من أجل إعلاء كلمة الله، ذاكرا بالأسماء بعض الأماكن والمواضع التي يقطنها الفلان في غرب إفريقيا، وكذلك البلدان التي ينتشرون فيها، حيث تحدث عن وسط جمهورية مالي معقل الفلان هناك، مستطردا بعض أسماء القرى والبلدات، مثل: نامبالا، وماسينا، ودوينزا، وهاروباندا وجلكوج، كما خاطب الفلان القاطنين في المناطق المشتركة بين مالي والنيجر، وبين النيجر وبركنفاسو، وبين النيجر وبنين، وبين بوركنفاصو وبنين، وبين كوت ديفوار ومالي، وبين كوت ديفوار وبركنفاصو.. إلخ.
غيره انه لوحظ أن "محمد كوفا" تفادى عمدا ذكر أقرب مجموعات الفلان له جغرافيا، وهم الفلان الموجودون في موريتانيا، وهو تصرف يتضح من خلال جلساء الرجل الذين يحيطون به عن اليمين وعن الشمال (أمير جماعة نصرة الإسلام والمسلمين، ونائبه الأول) أنه يتحدث باسمهم وبموافقتهم، أي أنه كان يخطب باسم جماعة نصرة الإسلام والمسلين، وحذف موريتانيا من قائمة مذكوراته باسم الجماعة وبإرادتها.
وهنا يمكن القول إن موريتانيا المسكوت عنها في خطاب زعيم "ماسينا"، لم تكن نسيا منسيا بالنسبة للرجل وقومه، كما لا يمكن تصنيف الفلان فيها من غير ذوي الشأن والبال بالنسبة له، وهو الذي عرفهم وخبرهم داعية ومحاضرا قبل أن يحمل السلاح ويقاتل، فلماذا حرص الرجل على ذكر دول المنطقة اسما فاسما وموضعا فموضعا، وحتى مدنا وبلدات، ثم تجنب ذكر أقرب مناطق الفلان له، بل وأكثرهم ارتباطا ثقافيا واجتماعيا بمنطقته، وهم الفلان في موريتانيا..؟.
ما من إجابة على هذا السؤال أقرب إلى منطق التحليل الواقعي، من كون ذلك يعتبر رسالة واضحة من "الجماعة" التي يتحدث باسمها "كوفا" وبحضرة قادتها، مفادها أن موريتانيا ما تزال خارج أهداف الجماعة، خطابا ودعوة، وبالطبع نشاطا وعملا مسلحا.
وبغض النظر عن مقاصد "محمد كوفا" وقادته من وراء ذلك، فإنه لا يمكن تجاهل ذلك السكوت الناطق، باعتباره رسالة تطمين مضمونها أن حالة "التحييد" أو "المتاركة" التي أقر "المقاتلون السلفيون" في مالي معاملة موريتانيا بها عشية اندلاع الحرب هناك مطلع عام 2013، ما تزال قائمة، طالما أن موريتانيا تتمسك بموقفها القاضي بحماية حدودها ومحاربة من اعتدى عليها، دون أن تتورط فيما يدور خارج الحدود، من حرب سيكون من التبسيط الساذج وصفها بأنها مجرد حرب على الإرهاب والتطرف، بل هي تطور وامتداد لمشاكل ومتاعب عمرها عقود من الزمن، لم تستطع الدولة المالية ولا حلفاؤها فك عقدتها حتى الآن، وتجاوز أسبابها وروافدها، رغم اتفاقيات السلام المتكررة، وهو أمر تدركه موريتانيا أكثر من غيرها.
لذلك وانطلاقا من هذه القراءة التحليلية لرسالة خطاب أمير "ماسينا" ومشهد الصورة التي ظهر فيها مع قادته، يمكن القول إن حالة الهدوء والطمأنينة التي عرفتها الحدود الشرقية والشمالية للبلاد منذ أواخر عام 2011 ما تزال قائمة حتى الآن، وأن المقاتلين "الجهاديين" في مالي ما تزال أسلحتهم مصوبة ناحية الداخل المالي، أو ناحية من اقتحموا ساحة ذلك الداخل الملتهبة والمضطربة.
الرسالة الثانية التي تضمنتها كلمة "محمد كوفا"، كانت موجهة للفرنسيين وحلفائهم من محاربي "الجماعة" في مالي، ووردت صريحة عند قول "محمد كوفا" في مستهل الشريط، إن هذه الكلمة سجلت بمناسبة زيارة أمير الجماعة "إياد اغ غالي" ـ الجالس بجانبه ـ لهم، وهو ما يعني أن "إياد أغ غالي" المطلوب الأول للفرنسيين في المنطقة منذ ستة أعوام، ما يزال قادرا على التحرك من أقصى شمال شرق أزواد، حيث معاقله في جبال تغرغارت على الحدود مع الجزائر، ليصل إلى وسط غرب مالي، مصطحبا معه نائبه "يحيى أبو الهمام"، بغية الاجتماع برجاله في غابات نامبلا وماسينا، دون أن يتمكن الفرنسيون وحلفاؤهم من رصده، أو إلحاق الأذى به.
الخبير في شؤون الجماعات الجهادية م م ابو المعالي