
أشاد سياسيون مغاربيون بمضامين الخطاب الذي وجهه الملك محمد السادس إلى الأمة، مساء أمس الثلاثاء بمناسبة الذكرى الـ26 لتربعه على العرش، خاصة ما يتعلق بتأكيده على التزام المملكة بالانفتاح على محيطها الجهوي واستعدادها لتجاوز الخلافات مع الجزائر في إطار حوار مسؤول وصادق، إيمانا منها بوحدة شعوب المنطقة وتمسكها بالاتحاد المغاربي الذي يتطلب إحياؤه انخراط كل الدول المغاربية، وفي مقدمتها المغرب والجزائر.
وأكد سياسيون من موريتانيا وتونس وليبيا، تحدثوا لجريدة هسبريس الإلكترونية في هذا الشأن، أن موقف المغرب المعبر عنه على لسان ملك البلاد يمثل نداءً صادقًا لتغليب منطق الوحدة والمصير المشترك بين بلدان وشعوب المنطقة، معتبرين أن التفاعل مع هذه المبادرة المغربية يمثل أرضية إستراتيجية لإعادة بناء فضاء مغاربي موحد وقادر على تأمين المصالح العليا لدوله وشعوبه، خاصة في ظل التحديات الجيوسياسية المتزايدة التي تواجه المنطقة.
وقال الملك محمد السادس في خطابه الأخير: “بالموازاة مع حرصنا على ترسیخ مكانة المغرب كبلد صاعد نؤكد التزامنا بالانفتاح على محيطنا الجهوي، وخاصة جوارنا المباشر، في علاقتنا بالشعب الجزائري الشقيق”، مضيفا: “بصفتي ملك المغرب فإن موقفي واضح وثابت؛ وهو أن الشعب الجزائري شعب شقيق، تجمعه بالشعب المغربي علاقات إنسانية وتاريخية عريقة، وتربطهما أواصر اللغة والدين، والجغرافيا والمصير المشترك؛ لذلك حرصت دوما على مد اليد لأشقائنا في الجزائر، وعبرت عن استعداد المغرب لحوار صريح ومسؤول، حوار أخوي وصادق، حول مختلف القضايا العالقة بين البلدين”.
وتابع العاهل المغربي: “إن التزامنا الراسخ باليد الممدودة لأشقائنا في الجزائر نابع من إيماننا بوحدة شعوبنا، وقدرتنا سويا على تجاوز هذا الوضع المؤسف. كما نؤكد تمسكنا بالاتحاد المغاربي، واثقين بأنه لن يكون بدون انخراط المغرب والجزائر، مع باقي الدول الشقيقة”.
قوة اقتصادية
أحمد ولد عبيد، نائب رئيس حزب “الصواب الموريتاني”، قال إن “ما ورد في خطاب الملك محمد السادس بشأن تجاوز الخلافات البينية بين دول المنطقة المغاربية من أجل السير قُدمًا في اتجاه تفعيل الاتحاد المغاربي هو مطلب لجميع الشعوب المغاربية، خاصة أن العالم اليوم، والتحولات التي يشهدها، لم يعد يؤمن إلا بمنطق التكتلات الكبرى”.
وأضاف ولد عبيد، متحدثًا لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “تفعيل الاتحاد المغاربي من شأنه أن يحول هذا التكتل الإقليمي إلى قوة سياسية واجتماعية واقتصادية مهمة ومؤثرة في القرار القاري والدولي، وسيكون الضامن الوحيد لشعوب المنطقة وبلدانها من أجل بناء اقتصادات قوية وتطور البلدان الخمسة في جميع المجالات”.
وأكد المتحدث ذاته أن “جميع قادة البلدان المغاربية عليهم أن يخطوا الخطوة نفسها، ويعملوا على تجاوز الخلافات الشكلية وبناء اتحاد مغاربي فاعل في المنطقة، وحاضنة إقليمية لمواجهة مختلف التحديات التي يواجهها الفضاء المغاربي”، وزاد: “حتى هذه الخلافات يمكن معالجتها داخل الاتحاد بالطرق التي تسمح بتقدم وتطور دول المنطقة”.
وحول الدور الذي يمكن أن تلعبه موريتانيا في تجاوز الخلافات بين الدول المغاربية، التي تعيق البناء المغاربي، خاصة الخلاف المغربي الجزائري حول قضية الصحراء، شدد السياسي الموريتاني ذاته على أن “نواكشوط، التي تتبنى ما يسمى الحياد الإيجابي وتربطها علاقات جيدة مع الرباط والجزائر، يمكن أن تلعب دورًا في تقريب وجهات النظر بين الجانبين، سواء عندما يتم تفعيل الاتحاد المغاربي أو حتى دون ذلك”.
وأردف ولد عبيد: “سياسة الحياد التي تنتهجها موريتانيا في هذا النزاع تؤهلها للعب دور إيجابي في تذليل العقبات التي تحول دون إعادة إحياء الاتحاد المغاربي، ولو أن رأيي الشخصي هو أن نتجاوز مرحلة الحياد الإيجابي ونمر إلى دعم مبادرة الحكم الذاتي التي اقترحها المغرب، على اعتبار أنها الحل الذي لا يوجد فيه غالب أو مغلوب، وسيحفظ التماسك المغاربي على المديين المتوسط والبعيد”.
خيار إستراتيجي
أكد خالد شوكات، ناشط سياسي ووزير تونسي سابق، أن “الملك محمدا السادس كان دائمًا إيجابيًا في خطابه تجاه الشقيقة الجزائر”، متابعا: “لا أذكر أن العاهل المغربي، منذ اعتلائه عرش أسلافه قبل ما يزيد عن ربع قرن، خاطب جارته الشرقية إلا بما يليق بمقامها، ويعلي من شأنها، ويتمسك بأواصر الأخوة والعمل المشترك معها، سواء في إطار ثنائي أو جماعي مغاربي”.
وزاد شوكات: “لهذا فإنني أتوقع دائمًا، ومازلت، أن تجد هذه الدعوات المتتالية والدائمة أذنًا صاغية، بما يعيد لهذا الاتحاد المغاربي الحياة من جديد، ويحقق طموح وأحلام الآباء والأجداد، ممن اعتقدوا – وهم محقون – أن الوحدة المغاربية خيار إستراتيجي لا مناص منه، ولا يمكن الاستغناء عنه، ولا مجال لأي تقدم أو تنمية أو مشروع حضاري دون استكمال بنائه؛ فالشعوب المغاربية أمة حقيقية، والمشتركات بينها هي الأصل، أما المختلفات فنادرة ومحدودة”.
وسجل المتحدث ذاته، في حديث مع هسبريس، أن “التحولات الجيوسياسية الراهنة في المنطقة تفرض التكامل الاقتصادي والأمني والسياسي بين البلدان المغاربية، إذ فرضت قاعدة جديدة في لعبة الأمم مفادها أن أي تجمع لا يضم مائة مليون نسمة ليس بمقدوره أن يكون طرفًا في هذه اللعبة”، مبرزًا أن “عدم التكامل، بحسب المنطق الذي يحكم العالم اليوم، هو جريمة حقيقية مكتملة الأركان في حق المصالح العليا لبلداننا، واستهانة فظيعة بها”.
وشدد السياسي التونسي على أن “ظهور الاتحاد المغاربي على الخريطة سيجعل من هذا الكيان قوة عظمى ستعود بالنفع المباشر والفوري على الجميع”، مشيرًا إلى أن “غياب هذا الاتحاد يعني استفراد القوى المهيمنة على العالم بالدول المغاربية، كل واحدة على حدة، وهو ما يعني علاقة مختلة على حساب دولنا لصالح هذه القوى؛ ولهذا يبدو تفعيل الاتحاد المغاربي أكثر من ضرورة قصوى، سواء في العلاقة مع الاتحاد الأوروبي أو الصين أو الولايات المتحدة أو غيرها، وكلما تأخر ارتفعت كلفة اللامغرب التي تدفعها الأجيال الراهنة والقادمة على السواء”.
التزام مغربي
اعتبر خالد النظوري، سياسي ليبي وعضو المجلس الأعلى للدولة في ليبيا، أن “المملكة المغربية الشقيقة، حكومة وملكًا وشعبًا، كانت دائمًا ملتزمة تجاه قضايا المنطقة المغاربية، خاصة تجاه القضية الليبية، التي قادت فيها جهودًا دبلوماسية كبيرة لتجاوز الخلافات بين الفرقاء الليبيين”، موردا: “نحن نشيد بالدور الذي يقوم به جلالة الملك محمد السادس في إلحاق ليبيا بفضائها المغاربي”.
وأوضح النظوري، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “المغرب طالما اضطلع بدور هام في الدفاع عن قضايا المنطقة المغاربية، وتأكيد التزامه الصادق بمبدأ الوحدة والتكامل بين الشعوب المغاربية”، مبرزًا أن “مشكلة الاتحاد المغاربي أنه جزء لا يتجزأ من هذا العالم المليء بالتناقضات والصراعات، التي عانت وتعاني منها ليبيا”.
وأضاف المصرح ذاته، متحدثًا عن الخلاف المغربي الجزائري: “وضع الجزائر في المنطقة، تحديدًا، أنها تعاني من مشكلة عويصة؛ إذ تريد أن تمارس سلطة أبوية، ولديها مصالح خاصة، ونحن ننأى بأنفسنا عن الصراع، مع تأكيد التزامنا بتكتل الاتحاد المغاربي كإطار إستراتيجي لتعزيز التضامن بين شعوب المنطقة؛ فرغم الظروف الصعبة التي تمر بها بلادنا لم نتخلَّ يومًا عن قناعتنا بأن مستقبلنا لا يمكن أن يُبنى إلا في إطار مغاربي موحد”.
هسبريس