موريتانيا: ولد عبد العزيز يخلف معارضة مهزومة ومهزوزة تنادي للحوار

أربعاء, 31/07/2019 - 17:21

 تدخل موريتانيا عهد الرئيس محمد الغزواني، الخميس، ومشهدها السياسي مختلط ومعتم الأجواء؛ فمن حظ الرئيس الجديد أن استلامه للسلطة يأتي في وضع سياسي تمر فيه المعارضة الموريتانية بحالة غير مسبوقة من الضعف والتشرذم.

فبعد أن فشلت في الدخول للانتخابات الرئاسية الأخيرة بمرشح موحد، خرجت مهزومة من هذه الانتخابات، حيث لم يحصد تحالفها سوى 2.6 بالمئة فقط من أصوات الناخبين. وعلاوة على ذلك، شهدت أحزابها التقليدية هزات وانسحابات، ومن ضمن ذلك ما عرفه حزب التكتل بقيادة أحمد ولد داداه من استقالات، آخرها مغادرة نائب رئيسه.

وكان التطور الكبير الذي فاجأ الرأي العام الموريتاني هو نذر التفكك التي يشهدها حاليا حزب اتحاد قوى التقدم المعارض، الذي هو حزب اليسار الموريتاني، وهو كذلك أعرق الأحزاب الموريتانية المؤدلجة، وأكثرها تجميعا للتمثيل العرقي وأشدها تضامنا بين قادته.

فقد خرج الأمين العام لهذا الحزب، محمد المصطفى ولد بدر الدين، وهو وجه سياسي موريتاني مخضرم، عن توجهات رئيسه مصحوبا بالقيادية البارزة في الحزب كادجاتا مالك جالو، وأدليا بتصريحات صحافية انتقدا فيها ترشح رئيس الحزب محمد مولود للرئاسة، واعتبراه “قرارا غير راشد”.

وسرعان ما ردت قيادة الحزب ببيان أكدت فيه، الأربعاء، “أن بعض القياديين في اتحاد قوى التقدم أدلوا خلال الأيام الماضية تصريحات متكررة بشأن تقييم نتائج الانتخابات الرئاسية الأخيرة مناقضة للمواقف المعلنة رسميا من طرف الحزب”.

ويضيف البيان: “وعليه، فإن اتحاد القوى التقدم ينبه إلى أن تلك المواقف متنافية تماما مع ما يتبناه الحزب، وإن هذه التصريحات المستغربة الصادرة عن شخصيات تعتبر نفسها من رموز المعارضة لا تعدو كونها مباركة وتأكيدا للدعاية القائلة بأن الانتخابات كانت شفافة وديمقراطية وبأن نتائجها عكست إرادة الناخبين”.

وأطلقت رئاسة حزب اتحاد قوى التقدم نيرانها على القياديين المذكورين، إذ أكدت في بيانها “أنهم بهذا يتحملون عن مطبلي النظام مؤونة تبرير التزوير وسرقة الانتخابات لصالح مرشح النظام وفرض فوزه في الشوط الأول، وذلك في سياق حملة إعلامية مسعورة لدعم وتمرير دعايات النظام في تعاطيه مع الأزمة الانتخابية القائمة، ومن ثم فإنها تثير تساؤلات عديدة حول الدوافع الحقيقية لأصحابها”.

أما حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية، المحسوب على الإخوان، الذي يبدو أنه أتقن تحضير آليات تموقعه في العهد الجديد، فقد أكد في بيان له، الأربعاء، أنه “بعد سلسلة اجتماعات لمكتبه التنفيذي، تناولت الوضعية السياسية الراهنة للبلد وسبل التعاطي معها، يؤكد تمسك الحزب بخط المعارضة وحرصه على وحدتها وإجماعها“.

ودعا الحزب “النظام الجديد والأطراف السياسية من كل الاتجاهات للدخول في حوار شامل وجدي لتخطي الأزمات التي خلفتها العشرية المنصرمة”.

وفي العدوة الأخرى، اختار وزير الخارجية الأسبق، إسلكو ولد أحمد إزيد بيه، سفير موريتانيا الحالي المعتمد في لندن، نقد المعارضة وتقريعها، إذ دون الأربعاء تحت عنوان: “هل تحسن المعارضة التقدير هذه المرة؟”.

وأكد السفير إزيد بيه “أن المعارضة الراديكالية الموريتانية تفرقت أيدي سبأ خلال الانتخابات الرئاسية الماضية، بين داعم لرمز من رموز حقبة الاستبداد في إطار تحالف ينم عن التعسف الفكري والانتهازية السياسية، ومناصر للشرائحية الضارة بالسلم الأهلي، ومشجع للفئوية التفريقية، وحالم عقائدي لا يقيم وزنا لتطور المجتمع الموريتاني والعالم من حوله، وهو في مجمله، سوء تقدير أقنع قيادات تقليدية وازنة من المعارضة بالانضمام إلى الأغلبية الحاكمة، وأحدث شرخا عميقا تؤكده المشادات الكلامية المريرة وشبه اليومية داخل كل حزب معارض على حدة، مريرة إلى درجة أنه أصبح من شبه المستحيل استمرارية بعض الأحزاب من دون مراجعات جذرية”.

وأضاف: “كنتيجة حتمية لمسيرة الترنح الفكري والتشدد العملي، أفرزت المعارضة نمطا سياسيا سلبيا قوامه الإساءة الجزافية إلى شخص رئيس الجمهورية (ولد عبد العزيز)، وإلى مؤسسات الدولة والتطاول على مقومات المجتمع ومقدراته”.

وقال: “أما اليوم والبلاد تشرف على تبادل سلمي وديمقراطي فريد في تاريخها، فبإمكان المعارضة الراديكالية أن تراجع نفسها ومقارباتها بشكل يخدم المصالح العليا للوطن، وينقذها (أي المعارضة) من مصير الاندثار الذي أصبح يتهددها، وذلك من خلال الاعتراف الشجاع بحصيلة الإنجازات الإيجابية التي حققها فخامة الرئيس محمد ولد عبد العزيز لموريتانيا، على أصعدة الأمن والحريات الفردية والجماعية والبنى التحتية وغيرها، والقبول المسؤول بنتائج الانتخابات الرئاسية الأخيرة، علما بأنها من الناحية الموضوعية تعتبر أفضل اقتراع شفافية وتعددية في تاريخ البلاد، مع فتح صفحة تعامل جديدة مع السلطات العمومية قوامها احترام رمزية رئيس الجمهورية والمؤسسات الدستورية الأخرى، ومساعدة الأجيال الموريتانية الحالية والمقبلة على تجاوز عقدة انقلاب العاشر من يوليو/تموز 1978”.

ودعا السفير إزيد بيه في تدوينته “إلى تفعيل الدور “الاقتراحي” لمؤسسة زعامة المعارضة الديمقراطية، في وقت تحتاج فيه البلاد إلى تعزيز لحمتها الوطنية، ومواصلة تحسين رافعات “الحركية الاجتماعية” من مدرسة عمومية نوعية وخدمات أساسية مستديمة وبنى تحتية محفزة للجهود الفردية والجماعية، من أجل إنتاج السلع والخدمات والتأقلم مع التغيرات البيئية، وبكلمة واحدة، المساهمة في ترشيد وتمهين إدارة الخلاف السياسي من خلال القبول بحسن نية فخامة الرئيس المنتخب، السيد محمد ولد الشيخ الغزواني، خدمة للوطن ومصالحه الحيوية”.

وأمام كل هذا، ينتظر الموريتانيون النهج الذي سيتبعه الرئيس محمد ولد الغزواني في تعاطيه مع الصف المعارض: فهل سيواصل الرئيس الجديد ما يسميه البعض “شيطنة المعارضة”، ومعاملتها بأساليب “توم وجيري” كما فعل سلفاه الرئيسان ولد عبد العزيز وولد الطايع، أم أنه سينهج أسلوب إشراكها في الأمر بإدخالها في الحكومة كما فعل سلفه الرئيس ولد الشيخ عبد الله؟

نواكشوط – “القدس العربي”:

جديد الأخبار