الكويرة المغربية.. جوهرة أطلسية تقع في قلب التحديات السياسية والاقتصادية
[الكويرة المغربية.. جوهرة أطلسية تقع في قلب التحديات السياسية والاقتصادية]
صورة: أرشيف
هسبريس - توفيق بوفرتيحالأربعاء 13 نونبر 2024 - 17:00
تحتل مدينة الكويرة المغربية موقعًا إستراتيجيًا حساسًا، دفعت ثمنه غاليًا بتحولها منذ رحيل الاستعمار الإسباني إلى “مدينة أشباح”، إذ تتداخل في هذه المدينة، المتاخمة للمحيط الأطلسي، مصالح كل من المغرب وموريتانيا، كما تشكل في الوقت ذاته نقطة توازن مهمة في العلاقات المغربية الموريتانية، رغم ما يعتبره بعض المهتمين وجود “توجس موريتاني” من خنق نواكشوط اقتصاديًا في حال أقدم المغرب على أي خطوة لتطوير الكويرة لوجستيًا.
ويؤكد المهتمون بالعلاقات المغربية الموريتانية، الذين تحدثوا لجريدة هسبريس الإلكترونية في هذا الصدد، أن القيادتين في الرباط ونواكشوط تدركان جيدًا الحساسية الإستراتيجية لهذه المدينة، التي لا يمكن تحديد مستقبلها إلا في إطار توافق مغربي موريتاني وبمرونة إستراتيجية تستحضر مخاوف وتطلعات الطرفين ومصالحهما القومية، كما تستحضر طبيعة الوضع الخاص لهذه النقطة الجغرافية ضمن خارطة العلاقات المغربية الموريتانية.
في هذا السياق قال مصطفى سلمى ولد سيدي مولود، القيادي العسكري السابق في البوليساريو، إن “موريتانيا لا تعتبر مدينة الكويرة أرضًا موريتانية، لا في خرائطها ولا في خطابها الرسمي، وإن كان هناك بالفعل تخوف في نواكشوط من إقدام المغرب على أي خطوة نحو إعادة إعمار هذه المدينة والاستثمار فيها لأسباب سيادية واقتصادية بالدرجة الأولى”.
وأوضح ولد سيدي مولود، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “الكويرة محاذية لمدينة نواذيبو، التي تعد الشريان الاقتصادي لموريتانيا ومركز الصيد البحري وتصدير المعادن في هذا البلد؛ وعليه فإن أي استثمارات مغربية في المنطقة ستكون حتمًا ومنطقيًا على حساب الاقتصاد الموريتاني، ما ينطوي على الكثير من الحساسية بالنسبة للحكومة في نواكشوط”.
وأشار المتحدث ذاته إلى أن “وضع الكويرة مرتبط بطبيعة النزاع حول الصحراء وتاريخه، حيث يعود التواجد العسكري الموريتاني في هذه المدينة إلى أواسط سبعينيات القرن الماضي، إبان توقيع اتفاقية مدريد”، وزاد: “كما أن اتفاق السلام الذي وقعته موريتانيا مع جبهة البوليساريو في أغسطس من عام 1979 كان ينص على إشراف الموريتانيين على الكويرة إلى حين حل مشكل الصحراء، حمايةً للأمن القومي الموريتاني. كما أن الجبهة نفسها لم يسبق لها تاريخيًا أن وطأت هذه المدينة”.
وتابع القيادي السابق في البوليساريو بأن “مخاوف موريتانيا بشأن الكويرة مخاوف سيادية بالدرجة الأولى، فيما المغرب واعٍ بهذا المعطى وغير مستعجل في الوقت الحالي لاتخاذ أي خطوة استثمارية تبقى رهينة توافق موريتاني مغربي في هذا الشأن”، مردفا: “كما أن المملكة لا تريد إغضاب موريتانيا رغم ضعفها، لأنها تدرك جيدًا أن هذا البلد امتدادها الطبيعي نحو إفريقيا التي تراهن عليها الرباط في سياستها الخارجية”.
من جهته أورد الوالي سيدي هيبة، المحلل السياسي الموريتاني المهتم بالشأن المغاربي، أن “الكويرة من المناطق المحايدة الحساسة جدًا، نظرًا لأهميتها في حفظ الأمن والاستقرار الإقليمي، وهي منطقة تفيد المغرب كما تفيد موريتانيا في الوقت ذاته، حيث تربطهما علاقات إستراتيجية ومصالح مشتركة تفرض عليهما تنسيق جهودهما في إطار توافقي، ويسعيان إلى جعل الكويرة منصة تعاون وائتلاف لا نقطة تنازع واختلاف”.
وأضاف المحلل السياسي ذاته، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “القيادة في كل من الرباط ونواكشوط تدرك حساسية هذه المنطقة الإستراتيجية التي يمكن لكلا البلدين الاستفادة منها والعمل انطلاقًا منها على حفظ المصالح المشتركة، رغم وجود بعض الأصوات المغرضة التي لا تريد الاستقرار للمنطقة وتستخدم الوضع الخاص لهذه المدينة وقضايا أخرى لمحاولة إشعال نار الفتن والخلافات بين البلدين”.
وأكد المتحدث ذاته أن “زعماء البلدين لا ينساقون وراء هذه الخلافات، إذ إن هناك وعيا متناميا في المغرب وموريتانيا بأن مستقبل الكويرة يجب أن يكون في إطار توافق مغربي موريتاني يجعل منها منصة إقليمية تجارية ومحركًا للتنمية في المنطقة، وهذا الخيار هو الذي يتماشى مع منطق العصر”، مشيرًا إلى أن “التوجس الموريتاني بشأن هذه المدينة هو من علامات التعقل والأخذ بمنطق المصلحة، وإن كان البعض يؤوله بكونه تخوفًا من إقدام هذا الطرف أو ذاك على خطوة استفزازية تجاه الطرف الآخر، إلا أن هذا الأمر غير وارد تمامًا في العلاقات المغربية الموريتانية”.
وخلص سيدي هيبة إلى أن “المغرب تحكمه قيادة متبصرة، وموريتانيا أيضًا يحكمها رجال قرؤوا التاريخ ويعرفون طبيعة المصالح المترابطة بين البلدين، كما يعرفون أن مثل هذه الأمور تتم مناقشتها بهدوء إستراتيجي في إطار ما يخدم الوحدة المغاربية والإفريقية، ويعون جيدًا أن تشابك المصالح القومية لهذين البلدين الجارين حقيقة لا يمكن تجاهلها، وبالتالي فإن كل محاولات استغلال القضية لإثارة التوترات والنعرات بين البلدين لن تنجح أبدًا”
هسبريس